الراي الحر.... سلايدر

الوصفة السحرية لما بعد الخمسين :(الجزء الثاني ).

الوصفة السحرية لما بعد الخمسين :(الجزء الثاني )
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير، يناير، 2024.
مقال(11)2024
بعد الخمسين نحن لا نبحث عن عمر جديد ،ولا عن فرص جديدة ، بعد الخمسين يمنحنا نضج حواسنا من ان نعيش مسلحين بمعاني الرضى و القناعة و السلم الروحي ،
لم يعد ممكنا ان نعاند الواقع ونبحث لنا عن موقع في خريطة اجيال اليوم ، وحتى إذا ما حصلنا عليها فنحن بكل تأكيد نسلبها لمن هي على مقاسه و من سيرورة زمانه . متحججين بامتلاك الخبرة و الحكمة .
مطلوب مني في هذا المقال ان أقدم وصفة سحرية للحياة ما بعد الخمسين ، و هذه الوصفة جاري تطبيقها في حياتي بعد تجاوزي عتبة الخمسين ، فبعد عشرة أيام من الآن ساحتفل بعيد ميلادي وسيكون جميلا ان نحتفل به جميعنا و نحن نتدارس هذه الوصفة .
بداية يجب الإقرار ان العمر ليس بطوله ،ولكن بمراحله ، وان العمر بعد الخمسين قد يطول بك عشرين سنة أخرى او اكثر ، لكن ليس بنفس الروح التي يمتلكها فتا يافعا ولا شابا عشرينيا….
أول الخطوات بعد الخمسين هي السعي للقطع مع العادات السيئة التي التصقت بك في مسار حياتك ، التخلص من العادات السيئة معناه انك لن تحملها معك إلى قبرك ، لكن كلما امسكت بها ستكتشف انك لم تعد تملك الجسد الذي يحضنها ولا الحواس التي تتمتع بها و ستجر عليك لا محالة كل الأمراض و الآفات و تفرش لك الأدوية في الطريق الى المصحات و المستشفيات قبل أن تحمل على الاكتاف الى مقبرة الوداع الاخير .
ثاني الخطوات بعد الخمسين أن تدرك أن هناك موعد يقترب للقاء خالقك و عليك ان تتملك الوصفة السحرية التي ستجعله يحبك ، تماما كما يفعل كل الرجال وهم يتأهبون للقاء إمرأة ،وكما تتزين كل النساء للقاء فارس الاحلام ،
فكيف تعيش قصة حب مع الإلاه مابعد الخمسين ؟
لقد ثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى يحب التوابين، والمتطهرين، والمتقين، والمحسنين، والمقسطين، والمتوكلين، والصابرين،
فأولى مفاتيح سن ما بعد الخمسين الثوبة ،فكما تعرض عن العادات السيئة انت مدعو ان توقف كل ما يتعارض مع شريعة خالقك ، فإن كنت لا تصلي فعد الى صلاتك فهي وصالك مع حبيبك ، و إن كنت بهيميا منساقا مع ملذاتك ما حرم منها ،فقد آن الاوان ان تعبر عن نضج حواسك فتتزن وتترزن .
والثوبة اكثر ما يقربك الى الله فاكثر منها في كل الاوقات .
الطهارة ، مع كامل الاسف كلما تقدم السن ببعضنا الا ووجدته يتكاسل عن الذهاب الى الحمام بحجة أن عظامه لا تحتمل الحرارة ،ولا يستحم ببيته وحجته انه يتعرض لنزلة برد ، و لا ينزل إلى البحر خجلا ان يزاحم الشباب بجسمه التي تكسوه التجاعيد ، وحتى في صلواته يجاور حجارة للتيمم ويهجر الوضوء الا لماما …
لكن الطهارة تنعش الروح ، و تعطي للجسد الطاقة ،و تمكن الدم ان يسري في الشرايين متدفقا بالنشاط و الحيوية .
شيم التقوى و الاحسان و ان تكون من المقسطين
و المتوكلين هي من مفاتيح القلوب التي تعرف
الحب ، لذلك يكون التحلي بها الطريق السالكة
لمحبة الله لعباده .
وتبقى اكبر الطرق الى محبة الله بعد الخمسين هي الصبر ، فإصبر لمرضك فجسدك عليل ، و إصبر لعجزك فبصرك ضعيف ، وإصبر لوهنك فعظمك هش رميم ، و إصبر لسمعك الذي لم يعد يحتمل منك سماع الضجيج من حولك …
إصبر للألم الذي يعتريك و انت ترى الناس يبتعدون عنك تباعا ،وينفرون منك لماما والأصدقاء يرحلون من حولك تباعا ، و الناس ينعثونك بالعم و الشيخ إحتراما ،لكنك لا ترى ذلك وقارا بل مجاملة فجة مؤلمة !!!
بعد الخمسين تذكر ذائما هذا المثل الدارجي:
” لي جال اكثر أحسن من لي عاش أكثر “,
فيما تجدي حياتك وانت لا تبارح مكانك ، ترفع رأسك لترى الطائرات وهي تحلق بعيدا ، وتجلس في المقهى او قرب السور العتيق لبلدتك وانت ترقب السيارات تمشي و تعود ،والناس بها يسافرون ،وانت سفرك عيون ترقب و تحصي و تعلق !!!
أجمل ما يمكن ان يستهويك بعد الخمسين هو السفر ،
والسفر ثلاثة أنواع :
فإن حالت صحتك أو قلة مالك دون سفرك لإكتشاف العوالم و تجديد الروح ، فما عليك سوى بالقراءة ، فالقراءة سفر الى عوالم لم تزرها ، فتمنحك الكلمة شغف زيارتها و عيش تفاصيلها و معانقة شخوصها ، سافر مع رواية طويلة ،وكلما احسست بالتعب ارحت نفسك بقصص قصيرة ، تماما مثل من يسافر من مدينة إلى أخرى و من يسافر من قارة الى أخرى .
اما إذا حالت الأمية بينك وبين الكتاب ، فعليك بالسينما ، ومشاهدة الافلام الوثائقية ، سافر معها بين ادغال غابة الامازون ، وتلدد وانت على سريرك الدافئ بروعة الجولة بالقطب الشمالي وسط الثلوج و الصقيع ، ضم صدرك بيديك و انت تعيش قصة رومانسية تحيي فيك المغامرة و الحب و الفرح و التشويق والإثارة .
وإذا لم تتمكن من السفر فلا تلازم مكانا واحدا ، غير الأمكنة ،لا تجلس بنفس المقهى لان ناذلها يعرفك ،و لان جالسيها من رفقاءك ،و لأن نكهة القهوة أو الشاي عندهم تناسبك ،
لا تكن عبدا لمكان ، غير الأماكن تجد نفسك تتجدد ،تلتقي بوجوه جديدة ،تربط علاقات ولو سطحية جديدة ،تحاور عقولا جديدة و تحكي حكاياتك التي لا تمل من حكايتها بنفس جديد وزيادة ونقصان مشوقة …
بإختصار … بعد الخمسين لا تتعب نفسك ان تبحث عن الحياة من حولك ، يكفيك ان تعيش الحياة التي بداخلك .
من قال إنك لن تعمر مائة سنة؟ فالاعمار بيد الله ، لكنني فقط اقودك لتعيشها بشكل مختلف ،و احاول ان اقنعك ان بعد الخمسين انت في النهايات و لا يسمح لك ان تورط نفسك في بدايات لا يحتملها جسدك او ترهق روحك …
ومن يقول ان الشباب هو شباب الروح فهو صادق ،فيمكنك ان تعيش شابا مدى الحياة ،بل وان تعيش طفلا ما حييت ، لكن جسدك يبقى خمسينيا مهما نفخت عظلاته بالآلات او قويت مناعته بالفيتامينات ،او اوهمته ان شابة على سريرك ستعيد اليه الحياة !!!!
اردت ان اكتب عن المرأة بعد الخمسين ، فوجدت أن آلاف الفيديوهات بمختلف اللغات كلها معنونة ب: كيف تعيشين بعد الخمسين؟ ،
و بدى لي وكأن سؤال الخمسين سؤال نسائي اكثر منه رجالي ،خاصة وان هذا العمر هو عمر التجاعيد و انقطاع الدورة الشهرية ،و توقف هرمونات الولادة و …..
لذلك يكون سن ما بعد الخمسين هاجسا عند النساء اكثر منه عند الرجال .
وفي تقديري ان الوصفة التي قدمتها في هذا المقال تصلح للجنسين ،و تفتح لي شهية الكتابة عن الروح في الايام القادمة
فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى