،سلايداخبار وطنية،

زلزال أكادير: تخليد سنوي بطعم مختلف. أكادير عنوان للحياة وليس فقط رمزا لتخليد الوفيات .

 

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،فاتح مارس ،اكادير 2023.

مقال:(21).

مرت ثلاثة وستون سنة على الزلزال المدمر الذي ضرب في ليلة رمضانية مدينة أكادير ،

في اليوم الموالي كان خمسة عشر ألف من جنسيات مختلفة تحت الانقاض ، و لأن الموت و الحياة متلازمان فقد ولد في تلك الليلة و صباح اليوم الموالي طفلان كبرا و ترعرعا ،احدهما  استقر بالمدينة ،فيما آخر هجر صغيرا الى كندا .

كان المغرب يحتاج الى الإرادة و الايمان كي يعيد إعمار مدينة هبت كل دول العالم تبني و تشيد ، وبوفاة محمد الخامس رحمه الله سنة بعد الزلزال ،جاء الدور على الملك الشاب الحسن الثاني رحمة الله عليه الذي اطلق على المدينة اسمه فسميت بالمدينة الحسنية و مدينة الإنبعاث ،

و بعد ستين سنة من البناء و الاعمار ، جاء الدور على محمد السادس اطال الله عمره وشافاه  ليباشر إعادة هيكلة المدينة و يطلق بها مشاريع تجعل منها بالفعل وسط المغرب .

اليوم كثر اللغط حول طبيعة الإحتفاء بهذه الذكرى ، ودواعي “ضعف” الأنشطة ومحدوديتها.

 تعود بي الذاكرة الى سنة ألفين ،حين قرر مجلس جماعة أكادير لأول مرة  تخليد الذكرى الأربعين لإعادة اعمار المدينة ، سنة قبلها استقبلت المدينة  مؤتمر منظمة المدن العربية  ، والذي كان مناسبة للوقوف عند تجارب اعادة اعمار العديد من المدن التي أصابها الزلزال ،

و اذكر ان تخليد الذكرى الأربعين سنة ألفين تصادف مع وفاة والدي رحمة الله عليه ، أعادني رئيس الجماعة آنذاك السيد محمد البوزيدي اطال الله عمره من مسقط رأسي حيث اتلقى العزاء  لأباشر  الملف الاعلامي الخاص بالذكرى، 

كنا فريق عمل من منتخبين و موظفين ،كخلية نحل،  اذكر من الموظفين المتقاعد الحاج الكيراتي ، ومن المستشارين المتوفي الدكتور الحسين أفا ، 

كانت زاوية اعدادنا للتظاهرة مرتكزة على استحضار كل التجارب العالمية في التعامل مع الزلازل، وإعادة الاعمار ، 

وبعدها تغيرت زاوية الاحتفاء ، وإتجهت نحو التعريف بالمهندسين ،و صيانة البنايات ، و البرنامج الذي يتكرر كل سنة بزيارة قبور الشهداء والصلاة بمختلف الديانات و الدعاء من مختلف الفقهاء والخانات ….

يبقى السؤال ، بعد كل هذه السنين ،وهذا الاحتفاء السنوي بفقراته المتكررة ،و برامجه المبدعة ،ورؤيته المحصورة في التذكير والذكر والصلاة:

ماذا علينا فعله كي لا ننسى من ماتوا تحت الانقاض ؟

وماذا علينا او كان علينا فعله حتى لا تتكرر المأساة ؟

إن المآسي تخلد بمقابر شاهدة عليها ، وبمتاحف تحفر التفاصيل في الصور و الخرائط في ذاكرتنا ، و بنايات صمدت و حان وقت ادماجها في عجلة التنمية ، وما انجز بقصبة أكادير اوفلا خير شاهد .

ومن حق هذا الجيل و الأجيال القادمة ان يفهموا دواعي انتقال المدينة من البناء الافقي الى البناء العمودي ، و دواعي التساهل مع مواد البناء التي لن تصمد أمام هزة بأقل من هزة الستينات ؟!!!

لماذا مؤسسة تعليمية واحدة هي من تلقن التلاميذ في بداية كل موسم دراسي كيفية الاحتماء بالمؤسسة في حالة وقوع زلزال ؟ 

أليس كل ما عرفته المدينة من عمارات شاهقة ، وبنايات في  مناطق زلزالية امر يدعو للمساءلة حول ما إذا المدينة لازالت تؤمن بإمكانية عودة الزلزال المدمر ؟!!!!

هل احياء انزا العليا بعماراته وبناياته قادرة على الصمود أمام هزة قادمة من عمق البحر ؟

وهل مشروع “مارينا ” قادر ان يقاوم امواجا إرتدادية و هزات أرضية في قلب الساحل ؟

هل منطقة تدارت بمبانيها العشوائية التي بني غالبها في الليل هربا من عيون المراقبة ،قادرة غدا أن تصمد أمام زلزال مفاجئ؟

الحي الصناعي الذي تحولت مستودعاته الى عمارات شاهقة متراصة وفي تزايد ، هل هذا الاختيار لا يعرض هذا الكم الهائل من البنايات للزلزال ؟

أما سفوح الجبال ،فهي في شكل بناياتها اليوم أشبه بمنطقة ضربها الزلزال ،اما واذا حدث فعلا فلن يتبقى منها سوى الركام و التراب و الغبار ،

و اما البنايات التي شيدت على جنبات الأودية المخترقة للمدينة و بعد تغطية الوديان و مزاولة الأنشطة البشرية فوقها ،فلا احد يستطيع تقدير حجم الخطر ، ولنا فيما يصيب يوميا عمارات شارع الجيش الملكي من شقوق لا أحد يرغب في فتح النقاش حولها  خير مثال؟!!!!!

يبدو ان تخليد ذكرى الزلزال لا يجب ان يتجاوز الإطار الديني بالترحم على الشهداء ، و يبدو انه آن الأوان أن نتوقف عن تكرار نفس الفقرات كل سنة ،و تحويل تلك الأنشطة الى معارض بمتاحف قارة تجعل من الزلزال ذكرى و ماضي …

أما مخاوف عودته ،فتحتاج منا جميعا تغيير عقلية التفكير في الزلزال ، و الانتقال من الاحتفاء النمطي الذي عم لسنوات ،للتوجه نحو فتح نقاش حول مدى قدرة البنايات المشيدة اليوم على تحمل هزة زلزالية عنيفة؟ ، 

وماهي انجع السبل لمعالجة الاختلالات التعميرية المتراكمة؟ , بما في ذلك تقييم سياسة السماح بزيادة طوابق بالبنايات بمجموع الاحياء كالباطوار و الخيام و احشاش …؟!!!!

أكادير تحتاج لمقاربة جديدة يكون فيها المستقبل هو الذي يستفيد من ما حدث بالماضي ،و ما تلاه مع تعاقب السنوات ،

لنرفع ايدينا بالدعاء بالرحمة على شهداء زلزال أكادير ،و لنرفع من مستوى مقاربة موضوع الزلزال عبر فتح حوار دائم حول انجع السبل للتقليل من الخسائر في حالة  إعادة حدوثه ،

كفى من النمطية في تخليد ذكرى فيها من الآلام ما لا ينسى ، و فيها من التحدي ما يجعل من الإرادة و الايمان خير منطلق لجعل أكادير عنوانا للحياة وليس رمزا لتخليد الوفيات .

فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى