رأيسلايد

“ثريا جامعة القرويين كوثيقة تاريخية”

اسرار بريس=بقلم الدكتور عبد الهادي المدن

تعد الثريا العملاقة لجامع القرويين من اجود التحف التي جادت بها يد الصانع المغربي. وبالاضافة إلى البعد الفني التي تقدمه، تقدم الثريا معطيات تاريخية وحضارية غاية في الاهمية. وبالاعتماد على نص ابن ابي زرع سأحاول استخراج بعض المعطيات المفيدة في الجوانب التي ذكرت. والبداية بمعطيات رقمية تقنية:

– مادة الصنع: النحاس

– كلفتها: 717 دينار ودرهمين ونصف

– عدد القناديل 509 قنديل

– وزنها: 19.5 قنطار 13 رطلا

-كمية الزيت التي تحمل قناديلها: 1 قنطار و 7 قلل (مفردها قلة أي الجرة)

وكما اسلفت الذكر توفر الثريا معطيات تاريخية هامة، بدأ بأول من سهر على صنعها وهو الفقيه عبد الله بن موسى المعلم الذي كان يشغل منصب الخطيب، وقد كانت له من الصلاحيات الدينية والدنيوية ما يكفي لاتخاذ قرار من هذا القبيل، يهم تجهيز معلمة بارزة كالقرويين بثريا ذات كلفة علية سواء من حيث الصناعة او من حيث تكاليف الصيانة والتزويد بالزيت كمادة مكلفة. 

أما الجانب الاخر التي تعبر عنه ثريا النحاس، دائما من خلال نص ابن ابي زرع ، فهو الجانب الديموغرافي البيئي، فقد توقف اشعال الثريا أو اسراجها بالزيت على حد تعبير صاحب القرطاس خلال بعض السنوات، وذلك بسبب المجاعة و الفتنة وتراجع الجبايات. وهذا ما يحيلنا على الثلوث المتعاقب على تاريخ المغرب وهو المجاعة التي يليها الوباء ثم الفتنة او تأزم الأوضاع بعد معاناة القبائل من الضرائب في ضل تراجع الموارد وهي عوامل أثرت على تطور الدولة في تاريخ المغرب. 

كما يوضح اقدام أحد القضاة وهو الفقيه يوسف بن عمران على تسريج الثريا لمدة شهر، بل تسريجها بعد وفاته لمدة عام، يوضح ذلك جانب من الرفاه الذي قد تكون عاشته فاس/المغرب، وذلك لان عملية تسريج الثريا يتطلب تزايد الاعطيات والهبات المقدمة للمسجد وهو دليل على تزايد الموارد نتيجة التجارة أو عوامل اقتصادية اخرى. 

جانب هام ايضا نستفيده من نص القرطاس، متعلق بثريا القرويين وهو الجانب الديني، فقد منع القاضي الحيوني اسراج الثريا، “وألا يقاد منها كأس واحد، متعذرا بأن المغاربة لا يعبدون النار وإنما يعبدون الله”، وهذا ما يحيلنا لمسألة دينية تبرز بين الفينة والاخرى والمتعلقة بنظرة المغاربة للمقدس أو بعض الطقوس السابقة عن الاسلام او الثنية خاصة المتعلقة بالصلاح أو زيارة الاضرحة والمزارات او مسألة البدعة في تاريخ المغرب. وبعد هذا المنع جاء الفقيه الخطيب محمد بن أيوب واعاد عادة تسريج الثريا يوم السابع والعشرين من رمضان، بعد استشارة السلطان المريني في ذلك العهد وهو يعقوب بن عبد الحق، تلك العادة التي استمرت إلى اليوم (أي الى زمن ابن ابي زرع) ولا ادري هل هي مستمرة إلى يومنا هذا اي عام 2021.

من هنا تظهر قيمة ثريا جامع القرويين، التي تتجاوز القيمة الابداعية الفنية إلى القيمة الحضارية التاريخية، فهي وثيقة ناطقة مكتنزة للعديد من المعطيات وشاهدة على فترات من تاريخ فاس والمغرب. ولعل رد فعل المغاربة الذين طالبوا باسترجاع الثريا بعد بقائها في أحد المتاحف الفرنسية في ظروف غامة، نابع من معرفتهم الراسخة بقيمة الثريا التي ما هي إلى تعبير عن قيمة تاريخ المغرب وحضارته وانتاجه المادي والفكري.

عبد الهادي المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى