في إطار منشوراته أصدر المركز “العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية” ترجمة عربية لكتاب مدير معهد آدم سميث آيمون باتلر تحت عنوان “مدرسة الخيار العام: الآثار السياسية والاقتصادية لزواج المال والسلطة“.
ويسعى الكتاب الذي ترجمه علي الحارس وراجعه كل من نوح الهرموزي وأحلام قفص إلى إطلاع القارئ العربي على الإنتاجات الإنسانية الحديثة حول فعالية دولة الرعاية والمخاطر التي تحيق بها وبالسياسات العمومية.
يحاول آيمون باتلر من خلال هذا الكتاب التعريف بالمبادئ والمرتكزات الأساسية لمقاربة الخيار العام باعتبارها مقاربة تهم علم السياسة. فهي تستخدم أساليب و أدوات الاقتصاد لاستكشاف كيفية عمل السياسة و الحكومة.
يقدم الكتاب نبذة عن الأصول الفكرية لنظرية الخيار العام منذ البوادر الأولى للمقاربة مع كل من ادم سميث و هيوم وصولا إلى المدرسة الحديثة للخيار العام مع كل من الأمريكي كنيث أرو و أنتوني داوز و غيرهم، كالكاتبين الأمريكيين جيمس بيوكانان وغوردن تولوك مؤلفي كتاب حسابات التوافق سنة 1962.
كما يسلط الكتاب الضوء على الدور الذي تلعبه اللوبيات وجماعات الضغط من أجل تدخل أكبر للدولة وتوجيه الدعم والنفقات العمومية لتحقيق مآرب خاصة، مما يحول جهاز الدولة من أداة لتحقيق المنفعة العامة إلى آلية لتحقيق منافع الجماعات الأكثر ضجيجا وضغطا وميكيافيلية وتنظيما. وتلعب هذه الجماعات دورا كبيرا في التأثير على قرارات رجال السياسة وتوجيهها، مما يحث عددا من الساسة على التصويت لقرارات وصياغة سياسات عمومية تخدم مصالح جماعات الضغط مقابل الحصول على دعمهم، وكل ذلك على حساب الأغلبية الصامتة ودافعي الضرائب غير القادرين على التنظيم والتأثير.
وعلى مستوى آخر، تتساءل مدرسة الخيار العام عن فعالية الجهاز البيروقراطي الإداري، مستمدة قوتها من دراسة كلفة الإدارات والشركات العمومية مقارنة مع عائداتها ومخرجاتها. وتقدم بشكل جلي ومبسط وصفا اقتصاديا لتصرف الجهاز البيروقراطي والاختلالات البنيوية التي يمكن أن تصيبه ليتحول إلى جهاز مكلف متكلس مبذر للمال العام مقابل مردودية ضعيفة.
حاول الكاتب إماطة اللثام عن منجزات مقاربة الخيار العام التي نجحت إلى حد ما في تحدي الافتراض الطوباوي لبعض الاقتصاديين بأن التدخل الحكومي هو الحل المثالي لإخفاق السوق. فالعملية الحكومية لاتخاذ القرار هي نفسها بعيدة عن المثالية. كما أدت مقاربة الخيار العام إلى دحض افتراض بعض الاقتصاديين بأن المصلحة العامة هي شيء يمكن تحديده بواسطة الخبراء و إنجازه بواسطة سياسة متزنة.
إن الاستنتاج الأخير من تحليل توجهات و أفكار مقاربة الخيار العام تحتم على مؤيديها الإنفتاح و التوسع خارج إطار نموذجي التصويت بالاكثرية والثنائية الحزبية في الولايات المتحدة وبريطانيا والإنتقال للتعامل مع نطاق أوسع يظم الكثير من المنظومات المختلفة.
ويأتي هذا الاصدار الجديد في إطار سلسلة من الترجمات التي دأب “المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية” على إنتاجها وتسويقها عربيا بهدف تزويد الباحثين والقراء العرب بآخر الانتاجات الفكرية في مجال الفكر السياسي والاقتصادي الحديث.