“اطر الجماعات،مصايب الدنيا عليهم تجمعات”.
“أطر الجماعات ،مْصايْب الدنيا عليهم تْجَمْعات “
بقلم سدي علي ماءالعينين ،إطار ممتاز بجماعة اكادير، أكادير ،نونبر،2023.
في حياتي المهنية عبر قرابة ربع قرن تحملت مسؤولية اكثر من 15 مهمة، إما بالتعيين أو الإنتقاء وبالإختبار وأخرى بالإكراه،؟!
هذا التعدد يفهمه البعض على أنه عامل إيجابي مكنني من مراكمة معارف، و معرفة و دراية بعمل الجماعة في قطاعات مختلفة،
و آخرون يرونه دليلا على عدم التوفيق، مادام الموظف يتنقل من مهمة إلى أخرى، غير مستقر على حال.
فهناك موظفون عملوا بمصلحة واحدة منذ إلتحاقهم بالوظيفة، بل إنهم لا يفكرون حتى في التقدم للتباري على رئاستها.
لكن فيما يخصني، والكل يتابع مساري إلى اليوم، فقد كنت ادفع ضريبة إنتمائي السياسي و مواقفي حتى داخل نفس الإنتماء،
ويشهد الله انهم هم من يخلطون بين السياسة والحكم على عملي، الذي يشهد الله كما يشهد العادي و البادي اني لم اوظفه قط في السياسة.
الخبراء في دهاليز الإدارة المغربية ينصحون أمثالي بنصيحة غريبة :
” إذا كنت تريد العمل فقط، فعليك بحب عملك و التملق لرئيسك”
“وإذا كنت مسؤولا وتريد الحفاظ على مقعدك، فيجب ان تحب مقعدك اكثر من حبك لعملك، فالمردودية والعطاء لا تبقيك على كرسيك، فهي إما ترقيك إلى كرسي آخر أو تنحيك إلى غرفة الإنتظار “
وتذكر ذائما ان سرعتك لا يجب أن تفوق سرعة من هو أعلى منك، لأن من هو أعلى منك يحب منصبه، ويجب أن يكون عملك منسوبا إليه…ولا يقبلك عارفا اكثر منه.
ما انا بصدد تناوله في هذا المقال لا يخص حالة معينة، بل ككل كاتب، يمكن لواقعة وقعت له ان توحي له بالكتابة عن ظاهرة معينة.
فالمصنفون في خانة الأطر العليا للإدارة بالجماعات الترابية، يعيشون مفارقات أغرب من الخيال،
- فأن تكون طبيبا موظفا أو متعاقدا مع الجماعة فسلم الأجور لا يخضع لأية طبقة أو معيار او مردودية.
- وإذا كنت مهندسا موظفا بالجماعة فإنك تدرس و تتحمل مسؤولية مئات المشاريع والملفات، وأجرتك الشهرية لا تمثل حتى 1٪ من مداخيل مهندس في مشروع واحد يعمل حرا مع القطاع الخاص.
- تكون طبيبا أو مهندسا أو حامل دكتوراه، أو كل مراتب الأطر العليا، فيكون رئيسك المباشر رئيس جماعة لا يشترط فيه القانون ان يكون حتى حاصل على الباكالوريا،
وفي نهاية كل سنة تضع مصلحة الموارد البشرية على مكتبه ورقة تنقيط تعود إلى ستينيات القرن الماضي يوزع فيها التنقيط على السلوك والهندام والمردودية والإجتهاد…..
ولا قدر الله إذا كان هندامك لا يتناسب مع دوق السيد الرئيس الذي لا يملك شهادة فستحرم من نقطتين!!! - اما التعيينات في المناصب – و التي ليس فيها أي تعويض- فتكون بخلفية تكوين فريق عمل ينسجم مع الخط السياسي للمنتخب و الحزب الحاكم واحيانا لقرابة بين المستشار والموظف أو صداقة أو حب متبادل، فبعد كل خمس سنوات تعيش الأطر جحيم الإنتقالات والإنتقامات!!!!
ويوم وضعت الداخلية مسطرة الإختيار مع تقديم مشروع العمل، وتقديم تعويض رمزي للمهام ،، تمت العملية بسلاسة في جماعات و لكن في أخرى وقع الذي وقع، الذي لم يفهم احد لماذا وقع!!!!
الطامة الكبرى بعد كل هذا، أن إطارا محسوبا على قطاع الجماعات المحلية يتوقف عنده سقف سلاليم الترقية ، و هناك أطر انهت سلاليم الترقية وتفصلها أكثر من 15 سنة على التقاعد ،ستعمل فيها بلا حوافز ولا ترقية ولا تعويض عن المهام!!! - حتى التقنيون من أطر الجماعة مهما وصلوا من درجة، يحرمهم القانون من تولي مناصب المسؤولية كرؤساء مصالح أو أقسام، بدعوى انها مسؤوليات إدارية يجب أن توكل للإداريين!!!
- حيف آخر يعانيه موظفو الجماعات ويتعلق بالدراسة، فهناك تضييق كبير في التشريعات على حق متابعة الدراسة، ورغم تساهل الرؤساء مع الموظفين إلا أن المشرع لا يقبل بالشواهد المحصل عليها لتسوية وضعية إدارية أو ترقية، مما جعل آلاف الموظفين حاملي الشواهد العليا يتألمون في صمت ،رغم التسوية الجزئية التي تمت مؤخرا.
وضع كهذا يستوجب الرحيل ، و الرحيل فيه أنواع :
- فهناك المغادرة الطوعية، والتي مع الأسف شملت كل القطاعات إلا قطاع الجماعات ،
- و هناك وضع رهن الإشارة ،والذي صدر بخصوصه منشور فألغى مرسوما (!!) ، بمنع وضع موظفي الجماعة رهن إشارة مصالح اخرى،
- و هناك التقاعد النسبي وهو بالنسبة لكثيرين إنتحار بسبب النظام الجديد لإحتساب نقط التقاعد.
- يبقى آخر حل هو الهروب، ونقصد به الإنتقال مع نقل المنصب، وهنا مسلسل آخر من المعاناة بين رئيس يمكنه ان يسمح لك بالرحيل على هواه ودون معايير محددة ،وآخر يستقبلك مما يعني له أن أجرتك ستقتطع من ميزانية جماعته، وخير له الإعلان عن منصب توظيف ويجعله يرسو على صديق أو قريب من أن يجلبك عنده!!!
-.وهناك الإنتقال إلى مؤسسات أخرى بمساطر جد معقدة.
من بعد كل هذا، ترى ما الحل؟
يقول خبراء دهاليز الجماعات : عليك بثلاث :
- ” دير راسك بين الريوس وقل يا قطاع الريوس”
-” لي جابها سيدي نقوليها لالة” - “كلها يدوز وقتو، وانت خلصتك دايزة،”
قواعد لا تبني الإدارة، ولا تحفز على الإبداع والعمل،
لكنها مؤكد تجعلك مستقرا مهنيا ولو في طاحونة الذل والمهانة.
فهل تعتبرون ؟