الصحافة والسخافة :الجزء الثاني.
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،يوليوز ،اكادير ،2023
مقال(56),2023.
كما كان منتظرا خلف الجزء الاول من هذا المقال ردود فعل متباينة ما بين مؤيد و معارض ،وما بين متقبل للنقد ورافض ،
في الجزء الاول توقفنا عند فيديوهات المؤثرين والتي قد تبدو تافهة عند البعض ،لكنها تجني الملايين من المشاهدات وفي وقت قياسي ،وهي بذلك تعلن الوفاة التدريجي للإعلام الورقي .
إن هذا الحكم لا يعني بالضرورة الانتصار للمؤثرين على حساب الصحافيين ،ولا هو قبول بمحتوى هذه الفيديوهات التي تستمد جمهورها من فئات متباينة و غير مضبوطة ومدفوعة بمقابل ايضا .
لكن في مقال تحليلي وجب التأكيد اننا امام صراع تطورات للتكنولوجيا فيها الأثر و التأثير ، وسيكون من العبث وضع المقارنات ،
من عاش ثلاثين سنة الماضية في مملكة صاحبة الجلالة سيدرك كيف كان النقاش بين الصحافة الحزبية وصحافة المخزن ،وبعدها ،عندما فتح المخزن باب الصحافة لكل حامل للبطاقة الوطنية وسمحوا لهم بتأسيس جريدة ، كيف تحولت أرصفة الباعة الى كوكتيل من العناوين بلا محتوى ونعثت ساعتها بالصحافة الصفراء الا من رحم ربك ،
و بعدها تأسست صحافة سميت بالمستقلة غالبية المؤسسين فجأة ادركوا -او دفعوا للإدراك- ان الصحافة الحزبية كانت تخنقهم واختاروا الاستقالة وتأسيس جريدة أخرى ، وكانت اكبر التجارب في هذا المجال ما تعرضت له جريدة الاتحاد الاشتراكي حيث انتقل الإتحاد الاشتراكي – الذي كانت تتربع جريدته على رأس المبيعات بالمغرب – من الإنشقاقات التنظيمية الى الانشقاق الاعلامي بظهور جريدة الأحداث المغربية .
هذه التجارب كانت تقول عنها الصحافة الحزبية انها لا تراعي القيم ولا تضع لممارستها حدودا ،فقام النزاع لمدة ليست بالقصيرة ، وعكست بعدها الصحافة المستقلة الوجه الآخر للانشقاقات فكان صناع التجربة الإعلامية غالبيتهم من المستقيلين من الصحافة الحزبية .
ثم بعدها ظهرت الصحافة الورقية بكتابة الدارجة المغربية مع مجلة نيشان و بعض الجرائد الورقية
فقام انصار اللغة العربية يحتجون و يستنكرون لكن ذلك لم يغير من واقع الامر شيئا ،واستمرت التجربة حتى توقفت .
وتواصلت سلسلة التطور بين قابل و رافض وظهرت المواقع الالكترونيه ،واكتسحت الفضاء الاعلامي ،وتعالت الأصوات بضرورة التقنين وسماها البعض تكميم الأفواه ،وخرج قانون الإعتماد الذي ركز على شروط ليس من بينها التوفر على بطاقة الصحافة .
استثناء مواقع لم تحقق المعادلة من بلاط صاحبة الجلالة حولهم إلى مصورين صحفيين! ،فيما البعض الآخر توجه إلى منصات التواصل الاجتماعي وخلقوا لانفسهم اسماء مثل صناع المحتوى أو المؤثرين .
هذه الفئة لا تخضع ممارستها لقانون ،وليست منظمة في إطار مدني يؤطرها ،فتحولت في ممارستها الى ما يشبه مرحلة الجرائد الورقية الصفراء ،وطبعا في كل مرحلة لم يكن الامر تعميما بل هناك استثناءات.
انتظروني غدا في الجزء الثالث
فهل تعتبرون ؟