لا يختلف إثنان على أن مهمة الصحافي والحقوقي في كفة ميزان واحد ، ومهمة واحدة هي حماية الإنسان ، وجعله قادرا على فهم واجباته وحقوقه ، ومنع كل الانتهاكات التي قد تطال حرياته من أي جهة كانت .
فالصحافة التي تعمل على نقل الحقيقة بكل مصداقية و مهنية ،بعيدة عن محابات السلطة ، بل و معاكستها ومشاكستها ، في كشف تجاوزاتها وأخطائها ، وفي فضح الفساد ،هي لامحالة ترقى أن توصف بالمنبر الحر والمستقل والضروري في كل مجتمع ديمقراطي يتبنى قيم الحوار ويقبل الاختلاف ، لالشيئ الا أنه يرى في العمل الصحفي ذلك العمل المدافع عن حقوق الأفراد وعن حرية تعبيرهم .
إن السلطة الحقيقية التي يواجهها الطرفان( الصحافي والحقوقي) ليست فقط هيمنة الدول ، وسيطرتها على العقول ، وإنما جهل الفرد بحقوقه، وعدم فهمه للقوانين التي تحميه من الاستغلال والانتهاك . لقد ظل الاعلام منذ بروزه في شكله المكتوب مساندا لحقوق الإنسان .
ففي اوج قوة سلطة الكنيسة بأوروبا القرون الوسطى ، وانتشار الفكر الاستعماري ، والاستعباد البشري للمختلفين جنسيا ودينيا وثقافيا ولونا ودما ، عصورا الظلام الدامس، بقيت أقلام الصحافة مدافعة من حين الى حين ومنصهرة مع تطور الفكر البشري والحركة التنويرية .
حركة دائمة ومستمرة بتطور الفلسفات الفكرية والتي يوازيها كذلك تطو مفهوم السلطة واشكال انظمة الحكم ، و ليستمر معها عمل الصحفي والحقوقي ، شاهدا على صراع تنائية سلطة – حرية .
فلا أحد ينكر دور الصحافة المستقلة ومن خلال ما تتناوله أسبوعيا من قضايا الفساد هو ما يقابله من العديد من القضايا التي تروج بمختلف المحاكم في هذا المجال ، وهو نتاج عمل مهني ومستقل رغم ما يتعرض له الصحفيون من تضييقات واعتداءات قد تصل الى الاعتقال وحتى الإغتيال .
وإذا كانت أهمية الخبر في وسائل الإعلام و هي صلب عمل الصحفي تنطلق من كونه قريبا من الإنسان ، فإن الحقوقي هو الاخر قريب من الانسان، بغض النظر عن الاختلافات السياسية والاجتماعية والدينية والعرقية . فالصحافي لا يصنف الناس الى قبائل لتفرقتهم، بل يجعل اختلافهم منطلقا لفهم مجتمعاتهم ، و نقطة وصل لجعل الجميع يحس بوجوده في مجتمع حر ومختلف .
ولعل روح حقوق الإنسان في معناها الكوني والشمولي ، تتجلى في نصرة حق الفرد مهما كانت أصوله وثقافته ودينه، ففي نهاية المطاف هو كائن ينتمي لهذا المجتمع الإنساني .
فقد ظلت العديد من الدول المتقدمة، والتي تؤمن بأن استمرار قوة الأمة كفيل بإقرار أكبر هامش للحريات ، دول ارست مبادئ سامية يكون هدفها الحرص على جعل الصحافي والحقوقي في مرتبة عالية ، لأنهما مصدر تماسك المجتمع ، وقوة للتنبيه للانتكاسات الحقوقية ، والمنعرجات الفكرية .
علاوة على ذلك، فإن حرية التعبير التي يحرص عليها الاعلاميون، هي جزء اساسي من منظومة حقوق الإنسان ، فغيابها يعادل العبودية وتكميم الأفواه ، ووجودها ينمي الافكار الديمقراطية ، ويخلق مجتمعات خلاقة ومبتكرة .
ورغم أن مهمة الصحافي، هي نقل الحقيقة لا غير ، فإن الاعلام يظل المرآة التي ترسم الاوضاع القاتمة أو الايجابية في أي مجتمع ، وتسليط الضوء على حق الافراد في العيش الكريم، والتمتع بالحقوق كجانب مهم لكل عمل صحفي .
غير أن اصحاب النفود و المال الفاسد استغلوا العديد من المؤسسات الإعلامية التي تعاني في صمت ، وضعف الحماية الفعلية للصحفيين من الاستغلال الاقتصادي .
ومن خلالة مؤسسة الإشهار ،والتي لا يسعهامقالنا الحالي لأهميتها في تمويل المقاولة الصحفية ، أمر اوجد اليوم نوعا من الاستغلال والتبعية التي مست بمصداقية العمل الصحفي في فضح الفساد .
ليستمر التساؤول حول ماهية الخطوات التي يجب تتبعها لصناعة إعلام قادر على مكافحة الفساد والدفاع عن الحقوق والحريات .
لقد علمتني تجربتي المهنية في المحاماة ، و تجربتي الأكاديمية في البحث العلمي في الإعلام وحقوق الإنسان ، على أن لا خيوط كبيرة تفصل بين المهنتين ، فكلاهما دفاع عن الحقوق و الحريات وكلاهما يواجهه تحديات جسام .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.