،سلايد،رأي

الإعلام بالجزائر يزداد انغلاقا في ظل مناخ سياسي جد متوتر

اسرار بريس… جمال المحافظ 

كشفت دراسة علمية لأحد الأساتذة الباحثين بجامعة الجزائر العاصمة ” أن القول بوجود حرية الصحافة في الجزائر، كما يشهر له الخطاب الرسمي، يبقى خطابا تسويقيا ينفيه الواقع، وتكذبه تصريحات مختلف الفاعلين الإعلاميين”، وأن كل المتغيرات، “لم تزد الإعلام بالجزائر إلا انغلاقا، و لم تمنع الأزمة المالية الخانقة للكثير من المنابر الصحفية من الاستمرار، و كل ذلك كان يهدف للمحافظة على استقرار مفروض، وعلى الوضع الراهن و القائم”.

فتحت عنوان ” النظام الإعلامي في الجزائر.. دراسة في ثالوث النسق السياسي، والمنظومة التشريعية والنموذج الاقتصادي” أوضح رضوان بوجمعة الأستاذ بكلية علوم الاعلام والاتصال بالجزائر في هذه الدراسة أن ” السلطة تحتكر الطباعة وتوزيع الصحف والإشهار الحكومي والرسمي، وأن السلطة لا زالت مستمرة في استخدام الإعلام العمومي كإعلام حكومي، خارقة بذلك مختلف القوانين المنظمة للقطاع ولدفتر شروط هذا الإعلام” .

نسق سياسي 

يعيد انتاج نفسه

كما كتب رضوان بوجمعة، أن فتح القطاع السمعي بصري على الاستثمار بالجزائر، ” لم يخرج في أحسن الحالات عن إعادة إنتاج ما حدث مع الصحافة المكتوبة، فكل ما يتم له هدف مركزي، هو تسيير الإعلام بمختلف وسائله ووسائطه كدعامة للمحافظة على الوضع الراهن و القائم”، كما جاء في هذه الدراسة التي تناولت الإشكاليات التي تطرحها بنية الإعلام الجزائري منذ الاستقلال، مع التوقف عند أهم المراحل التي مر بها النظام الإعلامي في الجزائر، على المستوى السياسي والقانوني و الاقتصادي، مع البحث في جذور النظام الإعلامي، والسياقات السياسية والتشريعية والاقتصادية، التي رافقت التحولات البنيوية والتنظيمية للظاهرة الإعلامية في الجزائر.

وإذا كان النسق السياسي في الجزائر يعيد انتاج نفسه، ويتفادى تحول الاعلام إلى سلطة مستقلة تمارس دورها في الرقابة و في الوساطة، فإن الباحث الجزائري أكد أن ” الهدف الاستراتيجي للسلطة بالجزائر هو تفادي أي تحول نحو مسار ديمقراطي فعلي يفرض السيادة و الشرعية الشعبية”.

اعلام للدعاية 

وولاء سياسي صارم

وذكر الأستاذ الجامعي بوجمعة رضوان على حقيقة تاريخية مهمة، تتمثل بارتباط الظاهرة الإعلامية في الجزائر بالدعاية والسياسة، الأمر الذي جعل ” السياسة الإعلامية في الجزائر، لم تنجح في تغيير النظام الإعلامي الذي يبقى منذ  1962  ( سنة استقلال الجزائر  ) إلى الآن، لصيقا بالبنية الدعائية للخطاب الإعلامي، وبالتبعية الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية، وبالولاء السياسي لمسؤولي الهيئات الإعلامية للنخب الحاكمة بمختلف توجهاتها و زمرها و شبكاتها”.

وتمتنع وسائل الاعلام الرسمية من اذاعة وتلفزيون ووكالة الأنباء الجزائرية عن تغطية ومواكبة الحراك الشعبي، وتتجاهله كحدث مركزي له تداعياته السياسية. وعلى الرغم من مقاطعتها للتظاهرات في الجزائر، لا يجد التلفزيون الرسمي والقنوات المحلية حرجاً في إيلاء اهتمام وتغطية للانتفاضة في العراق ولبنان، واليمن، وتفتح نقاشات حولها وتداعياتها، كما كان كشف في إطار متابعته للحراك بالجزائر موقع ” العربي الجديد” الاخباري الذي أشار الى أن السلطات الرسمية تمارس ضغوطاً كبيرة على القنوات التلفزيونية، لمنعها من تغطية الحراك الشعبي، وهو أمر لايروق غالبية الصحافيين العاملين في هذه القنوات، مذكرا بأن عددا من الصحافيين في التلفزيون الرسمي كانوا قد نشروا في بداية الحراك الشعبي فيديو وثّق نقاشاً في مقرّ عملهم، حول ضرورة تجاوز هذه الضغوط، وتحرير التلفزيون من الأوامر الفوقية، والتعامل مع الحراك الشعبي والتظاهرات كحدث يدخل في إطار نقل الخبر وتقديم الخدمة العمومية.

وإذا كانت المنظومة الإعلامية في عهد الأحادية الحزبية (1962-1988)، ” ترجمة واضحة لفلسفة النظام السلطوي الذي مكن الدولة من احتكار وسائل الإعلام، وتوجيه سياستها، ومنع الملكية الخاصة، سجل الباحث الجزائري في دراسته، أكدت الدراسة ب” إن هذه المنظومة في عهد ما سمي بالتعددية (1989-2016)، لم تتغير في عمقها الاستراتيجي، ولم يصاحبها أي تحول عميق في الممارسات السياسية والإعلامية والاقتصادية”. ومن أجل ضمان أكبر قدر ممكن من الوضوح في تفسير هذه التحولات في النظام الإعلامي بالجزائر، قسم الباحث مساهمته العلمية، إلى سبعة مراحل أساسية، كل مرحلة توقف فيها عند أهم ما وصفه بالتحولات التي عرفتها المنظومة الإعلامية في علاقتها بالنسق السياسي والتشريعي والاقتصادي.

اعلام في خدمة السلطة

أما فيما يخص السمعي البصري العمومي، فبقي محتكرا من قبل السلطة إذ أن القنوات الاذاعية، والتلفزيونية العمومية، تقوم بخدمة السلطة والحكومة، لذلك كثيرا ما وجهت لها سهام الانتقادات والتهم بأنها منحازة للسلطة ورجالاتها وأحزابها وكل من يواليها يوضح الباحث الجزائري الذي أكد أنه إذا كان النسق السياسي في هذا البلد المغاربي، قد مر بسبعة مراحل، أشار الى أن المرحلة ما بين 1962 إلى 1965، ” تميزت بهيمنة الرئيس على كل السلطات، وهيمنة مطلقة للحزب على الدولة، واحتكار السلطة للطبع والنشر والتوزيع مما جعل هوية الصحفي في الخطاب الرسمي، لم تكن لها أبعاد مهنية، ولم يطلب منه أن يكون ذكيا ولا حتى أن يعرف كيف يكتب، ولكن كان يطلب منه، أن يكون مرهف الاستماع وأن يوجد في الوقت وفي المكان المناسبين.

أما الفترة الثانية التي تمتد من 1965 الى 1978، فكانت الممارسة الصحفية، ” تختصر المهنة في النضال الإيديولوجي والولاء التام للحزب، إذ في هذه المرحلة التي كانت السلطة التنفيذية خلالها، تؤدي حتى وظيفة التشريع، ” حصرت مهام الصحفي في النضال والتعبئة والتجنيد، وهو ما كان له الأثر البالغ على مستوى نوعية الصحافة ليزداد ضعفها مستوى الصحافة وشخصية الصحفي وهو ما يزيد من احتمالات خضوع الصحفي لأهواء المسؤولين” .

وفي عهد الأحادية الحزبية والتي تبدأ سنة 1978 و تنتهي في يناير 1989، عرفت صدور أول قانون للإعلام سنة 1982 والذي قنن استحواذ الحزب والمنتمين له على الأجهزة الإعلامية، وهو القانون الذي لم يدم أكثر من سبع سنوات، بعد انتهاء عهد الحزب الواحد في أعقاب أحداث أكتوبر 1988، ودخول الجزائر عهد ما سمي بالتعددية السياسية والإعلامية، في الوقت الذي بدأت المرحلة الرابعة في فبراير 1989، مع إقرار دستور ما سمي بالتعددية السياسية و الإعلامية، وتنتهي في يناير 1992 مع استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، وإلغاء المسار الديمقراطي والانتخابي.

إعلام للتضليل 

وإشاعة الكراهية

وتشكل الفترة التي تبدأ من سنة 1992 إلى غاية 1999 – حسب دراسة الأستاذ الباحث- ” أحد أصعب وأخطر المراحل على مهنة الصحافة التي ذهب فيها عشرات الصحفيين ضحايا العنف و الارهاب و الاختطاف القسري. فالصحافة، استخدمت في حملات تضليل وإشاعة الكراهية، من أجل ضمان إعادة انتاج النظام السياسي، و الأمثلة على ذلك كثيرة، من ذلك استخدام الصحافة الخاصة في حملة ما عرف بصيف 1997 من قبل بعض الزمر داخل السلطة ضد رجال الرئيس والجنرال اليمين زروال، كما أنها استخدمت كما استخدم الاعلام العمومي ضد كل رموز المعارضة التي كانت تدعو لحل سياسي و سلمي شامل للأزمة الجزائرية حسب الجمعي بوجمعة رضوان.

في حين أنه في الفترة من 1999 إلى يناير2011 والتي بدأت بصعود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم في أبريل 1999، فقد وصفتها الدراسة ب” مرحلة احتكار السلطة للدولة وللإعلام، فخطابات الرئيس تخلط بين السلطة والدولة، وهو الذي وصل به احتكار التلفزيون والإذاعة، ووكالة الأنباء الجزائرية إلى درجة جعلت الكثير من المتتبعين يصفون النشرة الرئيسية للتلفزيون العمومي بأنها نشرة رئاسية وليست نشرة رئيسية”. أما المرحلة السابعة فتبدأ من فبراير 2011 إلى آخر سبتمبر 2016، وتميزت بالمحافظة على الوضع القائم في الوقت نفسه. 

ويلاحظ ” أن مجرد إثارة موضوع الفساد وقمع التظاهرات، يمكن أن تترتب عنه تهديدات واعتقالات في حق الصحفيين” بالجزائر كما جاء في تقارير منظمات دولية، منها ” مراسلون بلا حدود” التي سجلت في تقريرها برسم سنة 2022، أن الفضاء الإعلامي بالجزائر، ” لم يسبق أن كان متدهورا إلى هذا الحد”، وأن وسائل الإعلام المستقلة ” تتعرض للضغوط والصحفيون يطالهم الاعتقال والمتابعات على نحو منتظم كما يتم حجب العديد من المواقع الإلكترونية”، وذلك في ظل مناخ سياسي “جد متوتر”، لاسيما منذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في دجنبر 2019.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى