رأيسلايد

الطريق نحو لكويرة كاد يمر عبر الكركرات.

اسرار بريس..بقلم الاستاذ الحسين بكار السباعي أكادير

إنه وعلى هامش الموضوع لا بد من الإشارة إلى نقطة أساس، بل نقطة تفصيلية وفيصلية تحتاج لجواب شاف لسؤال محوري هو أين يقع معبر الكركرات؟ إنه يقع في واد يعرف لدى سكان المنطقة بوادي الكركرات، ومن هذا الوادي يمر الطريق الرابط بين موريتانيا والصحراء المغربية، كما يشكل نقطة اقتصادية نشطة للغاية، من خلال عبور مئات الشاحنات والسيارات المحملة بالبضائع الآتية من المغرب إلى موريتانيا، ومنها إلى كل الدول الأفريقية التي تربطها بموريتانيا حدود برية، بالإضافة إلى هذا ، فمعبر الكركرات يلعب دورا أساسيا في تزويد السوق الموريتاني بنسبة تزيد على 90 في المئة من الخضروات والفواكه. 

وبعد مرور ثلاثة عقود تقريبا على بداية وقف إطلاق النار، واثنان عشرون سنة على بداية سريان الاتفاق العسكري رقم 1 الذي يعد الإطار الأساسي المنظم لجهود حفظ السلام التي تقوم بها بعثة المينورسو التابعة للأمم المتحدة، تجلى طيلة هذه الفترة أن هذا الاتفاق عرف تجاوزات خطيرة، وعلى نحو جعل جبهة البوليساريو تنتهكه باستمرار وفقا للتقارير الدورية لبعثة المينورسو، حتى أن تحرك البوليساريو في منطقة الكركرات خلال السنوات الأخيرة يدخل ضمن انتهاكات بنود الاتفاق العسكري رقم 1 بإعتبارها أعمالًا استفزازية، وتفتقد لحسن النية في تطبيق الاتفاقات العسكرية المبرمة، ولا توفر الشروط الملائمة لإيجاد تسوية سلمية.

وهنا بالنظر لأهمية المعبر الرابط بين المغرب وجيرانه الجنوبيين سواء تعلق الأمر بموريتانيا أو دول أفريقيا جنوب الصحراء، وكذا بالرجوع لتجاوزات الجبهة الانفصالية الرامية لغلق المعبر التي لا يمكن اعتبارها بريئة او مجرد أخطاء، كلها عوامل تدفعنا للنبش في ثناياها وسبر أغوارها لفهمها فهما أصيلا ينم عن إدراك ما وراء سطور تحركات الجبهة الانفصالية.

إن ما يجب استحضاره أولا التحركات التي قامت بها جبهة البوليساريو وتنظيمها وقفات في منطقة الكركرات التي وصلت أحيانا إلى حد عرقلة عبور الشاحنات المحملة بالبضائع، كما حدث في 21 أكتوبر 2020، ويمكن أن نفسر الأمر إما بهدف الضغط على المغرب، أو إرسال رسائل سياسية إلى المجتمع الدولي، وهو ما يتأكد في ظل سياق حدثين أساسين هما: تحركات جاء قبيل إصدار مجلس الأمن قراره الدوري بشأن قضية الصحراء المغربية في 30 أكتوبر 2020؛ ما يعني، أولا، أن من بين أهداف هذا التحرك لفت انتباه مجلس الأمن والضغط عليه لاتخاذ توصيات لصالح البوليساريو (علما أن مضمون القرار كان لصالح المغرب)، ثانيا جاء في سياق إقدام بعض الدول الأفريقية والعربية على فتح قنصلياتها في إقليم الصحراء في مدينتي الداخلة والعيون، على نحو مثل دعما قويا للموقف المغربي دوليا وإقليميا.

وبالنظر لما سبق كان لزاما على الجبهة الانفصالية ان تعمل على التحرك لإعادة إحياء مشروعها القائم على نقل عملها السياسي لداخل الصحراء المغربية ومحاولة إقامة أشكال احتجاجية كخطوة بديلة عن اقامة مخيمات كمخيم كديم ازيك الذي سبق وأن تناولنا تفاصيله وأبعاده السياسية، كل هذا يساجلنا من زاوية مدى احترام حقوق الإنسان ومدى التزام القيادة العسكرية داخل الجبهة الانفصالية بالتزاماتها الدولية سواء في علاقتها بالنواة السياسية أو تشعباتها التنظيمية، وكل هذا يؤكد أننا أمام تجاوز مزدوج للقانون الدولي من قبل الجبهة الانفصالية.

كما أن فشل رهان الجزائر والجبهة الانفصالية في تعبئة وخلق رأي عام محلي ودولي من خلال المراهنة على ردود فعل المغرب، عبر المنع والتضييق على هؤلاء “النشطاء” عند رجوعهم من زيارات لمخيمات تندوف بالجزائر وهو الامر الذي لم يتحقق لأنه لم يسجل أي تضييق حقوقي على النشطاء مادامت تحركاتهم لا تمس بالنظام العام ولا تشكل أي تهديد للمواطنين ولا بالمرافق العامة.

وحتى أن التحول الذي يعرفه الفاعلون اليوم من هوية “النشطاء الحقوقيين” إلى “المدافعين الصحراويين ” نجد تفسيرها في مشروع قيادة البوليساريو القائم على الالتفاف على مطالب فئات اجتماعية والتعبئة من خلالها واستقطاب مجموعات أخرى وهو أمر لا يمكن تصوره دون غياب التنسيق وبناء التحالفات أو حتى تشجيعها بين قيادة البوليساريو وبدعم مالي كبير للجزائر التي تسعى إلى نقل أفق الصراع من تندوف نحو عمق الصحراء المغربية في ظل المراهنة على تحريك أتباعها بمختلف المدن الجنوبية وكلها عوامل تهدف لخلق حالة الفوضى وعدم الاستقرار بالصحراء المغربية.

وباستحضارنا لمقالنا السابق بعنوان ”الطريق نحو لكويرة كاد يمر عبر كديم ازيك” وبناءا لما تم تناوله في مقال ”الطريق نحو لكويرة كاد يمر عبر الكركرات” يتبين أن مشروع جبهة البوليساريو من خلال إغلاق معبر الكركرات هو محاولة مستعجلة لتأمين توجه قيادة البوليساريو ونقل مخيم تندوف نحو مدينة لكويرة المغربية وفرض الأمر الواقع بدعم مالي للجزائر التي ستكون أول خطواتها إحكامالسيطرة على حدودها الجنوبية الغربية مع المغرب وموريتانيا، حتى تكون الجزائر قد حققت حلم قيادتها بأن تكون جبهة البوريساريو حجرة عثر امام المغرب .

وحتى لا نطيل على قراءنا الكرام فإن قضية الصحراء المغربية تمر بفترة دقيقة وهي نتاج مشكل أدامه تعنت البوليساريو وصنيعتها الجزائر ولا يمكن فهم خططهم المستقبلية واستراتيجيتهم الميدانية إلا بربط الماضي بالحاضر وهو ما عملنا عليه في مقالنا السابق والحالي، في ظل هذه الجدلية يمكن أن نستشرف المستقبل في مقالنا المقبل الذي سيحمل عنوان ”استراتيجية البوليساريو والطريق إلى لكويرة المغربية”.

ذ/ الحسين بكار السباعي 

محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى