رأيسلايد

الشعب ليس ابقارا وعجول ، فما المعمول؟

اسرار بريس….بقلم سدي علي ماءالعينين ،أكادير ،أبريل ،2021.

منذ كنت صغيرا وفي ريعان شبابي، وانا مندفع، معارض، ومتحمس للنقد، و النضال…

كان والدي رحمة الله عليه يقول لي أن النقد و النضال شيئ جميل، وأن تبني مشاكل الآخرين دليل على الوعي بأهمية الجماعة، لكن كان يحذرني من الغلو، فبقدرما هو متحمس لسماع نشرات مصطفى العلوي، كنت انا اسميه مثل أبناء جيلي : مسقط الطائرات.

كان والدي يقول ان الدولة وهي تحمي نفسها فهي تحمينا، وكنت اناقشه في الأمر منددا بالإعتقالات و الإختطافات و قمع المخرن، كان يتأسف لحال المعتقلين و لكنه سرعان ما يعود ويقول : ولكن حتى هوما الله يهديهم باغيين الصداع في البلاد، راه هاد المخزن هو الغطى تاع الطاجين نهار يتهرس مشينا فيها وإلا طار الغطى و كلها يجري جهدو.”

في ذلك الزمن كان النضال السياسي من أجل الإصلاح والتغيير وبناء دولة الحق والقانون، وكان نضال قيادات حكيمة و أحزاب مناضلة وطبقات إجتماعية تناضل ضد الفوارق و التمييز….

و مع مرور السنين توفي والدي في أول سنوات الألفية الثانية، كانت الدولة ساعتها بعد وفاة الحسن الثاني قد بدأت في إعلان المفهوم الجديد للسلطة،

في أيامنا هذه وبعد دستور 2011 ، و تتبع المواطنين لما يحدث بالعالم من حولنا بعد الربيع العربي، فقد تكرست قناعة ان الأمن والأمان والاستقرار عملة وجب الحفاظ عليها.

في ملف المتعاقدين يبدو الأمر مختلفا، لكنه اشبه بمظاهرات حملة الشواهد المعطلين ، مع فرق كل يقدره حسب فهمه، بين من يرى المطالبة بالشغل واجب، و المطالبة بالتسوية او الزيادة في الأجور امر فيه نظر، لأن من وجد عملا ليس كمن لم يجده!!!

هذه العقلية المبنية على فهم خاطئ، يرجع سببها لكون فئة المأجورين من طرف الدولة عددهم محدود مقارنة مع عدد الساكنة،

كما أن الإحتجاجات ” الخبزية ” بتعبير الشارع تعني عنده إنتفاضة الكوميرا، وما دونها فهو صراعات إيديولوجية على الحكم والسلطة والنفوذ،

كل هؤلاء المتظاهرين اليوم ولدوا بعد وفاة والدي، و لكن لي اليقين انه لو مازال حيا لآمن بحق هؤلاء في التوظيف لا لشيئ سوى لأن الأسر المغربية تجد في وظيفة حكومية الأمان في الصحة والمرض والحماية من الطرد وضمان مدخول قار، وأن ما دون ذلك فهو “على باب الله، الحوانت مصطافة والأرزاق مختالفة”،

في تقديري ان اول مدخل لتسوية ملف المتعاقدين يبدأ في التفكير في جعل القطاع الخاص، و كل أشكال التعاقدات في العمل مع الدولة او غيرها محكوما بتشريعات تضمن الحقوق للعاملين، و يكون التوظيف و الفصل معا لهما ضوابط واضحة تضمن الإستقرار المالي والاسري ،

ما ذون ذلك فإن الشعب إما يهيم في الأرض بحثا عن الرزق “سبع صنايع والرزق ضايع” او يحتمي بالدولة “رزقي تحت باطي مايسمع حد عياطي”

إن الدولة إذا قامت بتسوية ملف المتعاقدين بدمجهم، فمؤكد انها ستتوقف عن التوظيف بنفس الأعداد سنويا، وحجتها في ذلك ارتفاع كلفة الأجور ، و هذا منطقها الذي تتهرب به من حق المواطن في العمل، رغم ان العمل هنا لا يعني بالضرورة العمل مع المخزن.

إن الإشكال الحقيقي بالمغرب ليس هو البطالة وقلة فرص الشغل، ولكن الإشكال هو أن المهن والوظائف لا يحكمها قانون يحمي المواطنين من مزاجية أصحاب الشركات والمقاولات، ولا حتى تقلبات الشيخ والمقدم و القائد بالنسبة لاصحاب المهن الغير مهيكلة.

إن ما يتهدد استقرارنا وسلمنا الإجتماعي هو اننا في العمل لا نتوفر على ترسانة تشريعية تضمن للعامل العيش الكريم والإستقرار الأسري ،

إن القطاع الخاص فشل في كثير من مساره بسبب اعتماده على موظفين مرسمين وآخرين مؤقتين ،وكذلك الحال للجماعات المحلية مع موظفي الإنعاش ،

ليس مقبولا ولا مشجعا على العمل ان يؤدي مواطنان نفس المهام ويختلفان في الحقوق و الحوافز و التعويضات والاجور.

إننا فعلا أمام تمييز لا يشجع على العمل ويعكس تيه الدولة وإجحافها في حق فئة لصالح أخرى.

رحمة الله على والدي كان يقول ان التمييز بين الأبناء لا يبني أسرة، وحده الفلاح من يميز في حضيرته في العناية بين بقرة حلوب يجني منها الحليب، وبين عجل سمين يتحين بيعه او دبحه،

أبناء الشعب يريدون المساواة في الواجبات والحقوق، وعلى الدولة ان تكون واعية بخطورة التمييز بينهم وتحويلهم إلى ابقار وعجول،

فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى