اخبار عالمية

سرقة الأضاحي تسائل قيَم المغاربة وتُبرز تغوُّل “الجهل المقدّس”

موجة عارمة من الغضب والاستياء تلك التي أعقبت انتشار مقاطع “فيديو”،
مساء أمس الخميس، توثّق لعملية إقدام مواطنين على سرقة أكباش من رحبة لبيع
أضاحي العيد، تقع وسط الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء، في مشهد لم يصدق
الكثيرون أنه جرى في مغرب القرن الواحد والعشرين.

وتُظهر مقاطع
“الفيديو”، التي تدوولت على نطاق واسع، عشرات المواطنين يسحبون الخرفان من
شاحنة بعد أن هجموا عليها، وسط فوضى عارمة، ووسط تشابك بالأيدي بين
“اللصوص” الذين أخذتهم رغبة الاستمتاع بـ”بولفاف” صبيحة اليوم العيد،
ولجؤوا إلى سرقة الأضاحي، ضدا على القانون ومبادئ الشريعة الإسلامية.

وتساءل
كثير من المعلقين كيف يرتضي أشخاص لأنفسهم أن يُحْيوا شعيرة عيد الأضحى
ذات البعد الديني، بأضاحي مسروقة من “كسابة” أنفقوا عليها مالهم وجهدهم،
وكانوا ينتظرون مناسبة العيد لبيعها، لتُسرق منهم علانية وأمام أنظارهم،
دون أن يقدروا على منع “لصوص ليلة العيد” من اقتراف فعلتهم الشنيعة.

وذهب
بعض المعلقين في البداية إلى الاعتقاد بأن العملية تتعلق بتوزيع أضاحي على
المحتاجين، قبل أن يصدر بلاغ عن المديرية العامة للأمن الوطني أكّد أن
الأمر يتعلق بسرقة، إذ جرى توقيف عشرين شخصا من بينهم ثمانية قاصرين، مشتبه
في تورطهم في أعمال السرقة التي شهدها سوق “أزماط”، بالدار البيضاء.

ومهّد
الأشخاص الذين أقدموا على سرقة عدد من الأكباش لفعلتهم برشق بائعي الأغنام
بالحجارة، فتبادل الطرفان الرشق، وتَلا ذلك اجتياح لفضاء عرض الأضاحي،
ومباشرة فعل السرقة، بداعي أن أسعار البيع كانت مرتفعة جدا.

أونغير
بوبكر، المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، اعتبر أن الضغوط
النفسية التي عاشها المواطنين طيلة الشهور الأربعة الأخيرة بسبب جائحة
كورونا كانت من بين الدوافع التي أدت إلى ارتكاب عملية السرقة الجماعية
للأضاحي في سوق “أزماط بالدار البيضاء”.

وقال أونغير في تصريح
لجريدة هسبريس الإلكترونية: “العرض الكافي من الأضاحي متوفر والأثمان في
المتناول، ولكن الحالة النفسية وقلة الإمكانيات المادية للمواطنين الذين
تضرروا من تداعيات جائحة كورونا، إضافة إلى الارتباك الذي سبق العيد، بعد
عزل ثمانية مدن، أثقل الضغط النفسي على المواطنين، وهو ما أدى إلى الفوضى
التي شاهدناها أمس”.

وفيما قُوبلت أعمال السرقة الموثقة بالصوت
والصورة باستهجان واستنكار كبيريْن تم التعبير عنهما من خلال آلاف
التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك من حمّل المسؤولية
لـ”الكسابة”، بسبب رفع أسعار الأضاحي، وإلى الدولة أيضا، معتبرين أنه كان
عليها أن تلغي عيد الأضحى هذه السنة طالما أن الظروف غير مناسبة لإقامته.

ويرى
إدريس الحاتمي، في تعليق حول واقعة السرقة نشَره في صفحته على “فيسبوك”،
أن إلغاء عيد الأضحى كان “سيجنب الكثير من المصائب الاجتماعية”، ذكر منها
ارتفاع عدد المصابين يوميا بفيروس كورنا، وحوادث السير التي شهدتها “ليلية
الهروب الكبير”، وارتفاع ثمن الكبش يومي الأربعاء والخميس بمبالغ تراوحت
بين 500 و900 درهم، على حد تعبيره.

وكان القرار الحكومي المتخذ،
بشكل مفاجئ، يوم الأحد الماضي، والقاضي بمنع التنقل من وإلى ثمانية مدن،
أحدث ارتباكا شديدا حتى على مستوى توفير العرض من الأضاحي في السوق، بعد أن
عجز البائعون عن التنقل بسلاسة، ما جعل الطلب يفوق العرض، ومن ثم ارتفعت
الأسعار بشكل صاروخي حسب تعبير البعض.

في هذا الإطار قال بوبكر
أونغير إنه كان على الحكومة أن تتخذ مجموعة من التدابير لتنظيم مرحلة ما
بعد إعلان قرار منع التنقل إلى المدن الثمانية، وأن تبث خطابات مباشرة
موجهة إلى المواطنين لطمْأنتهم بخصوص توفير عرض كاف من الأضاحي، “علما أن
عيد الأضحى أصبح مثل فريضة يسعى المواطنون إلى إقامتها بأي ثمن”.

وفي
مقابل الانتقادات الموجهة إلى السياسات الحكومية المتسمة بالارتباك، وإلى
الدولة لعدم منعها عيد الأضحى، اعتبر معلقون آخرون أن ما وقع في مدينة
الدار البيضاء مساء الخميس “يضع التربية والأخلاق والسلوك والقيم الدينية
على المحك”، كما كتب إسماعيل الشرقي، معتبرا أن ما يتلقاه الفرد من الأسرة
والمدرسة من قيم “لا تنعكس على سلوكه اليومي”.

ويرى بوبكر أونغير أن
طريقة إقامة شعيرة عيد الأضحى تطرح إشكالا، “يتمثل في كون هذه المناسبة
الدينية التي ينبغي احترام طقوسها انتقلت من شعيرة دينية إلى مناسبة
للتفاخر والاستعراض بين العائلات”، داعيا علماء الدين والمثقفين إلى العمل
على الرقي بسلوكيات المجتمع، “لجعل هذه الشعيرة الدينية مناسبة للتواد وصلة
الأرحام، ونبذ الجهل المقدس السائد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى