رأيسلايد

خليل_مرزوق. يكتب الحمار_والسمكة_وإلغاء_مجانية_التعليم.


اسرار بريس خليل_مرزوق.
باحث في القانون والعلوم السياسية
.
====================
يحكى أن حمارا احتج على أسد، إذ جاءه قائلا، سيدي إني لا أحب أن يناديني
الناس “حمارا” وانما “سمكة” فقال له الأسد : أوتتقن السباحة! أجاب الحمار :
لا! فرد الأسد: إذن فلتبق حمارا.

إن منطق تغيير الحقائق الذي يسعى
اليه بعض المسؤولون الرفيعوا المستوى من داخل الدولة، كرئيس الحكومة مثلا،
ينطبق بالضبط مع ما يسعى الحمار إلى إثباته للأسد.

إذ أصبحنا نستيقظ كل
صباحا على ادعاءات باطلة تغير الحقيقة الواضحة، من قبيل ما جاء على لسان
رئيس الحكومة في الاجتماع الحكومي ليوم الخميس 21/03/2019، من كون الدولة
لا تسعى الى إلغاء مجانية التعليم.

ونقول أنه ادعاء يغالط في الحقائق
ليس من منطلق أننا ننساق وراء عاطفة الانتماء لفئة المضطهدين اجتماعيا،
ولكن من منطلق ايماننا بمفهوم “دولة الحق والمؤسسات” وكذلك بمفهوم “لا يعذر
أحد بجهله للقانون”، ويبدو والله أعلم أن رئيس الحكومة المحترم لا يدرك
جيدا ثقلهما وإن أدرك المفهوم.

ونقول أنه لا يذرك ثِقلهما من منطلق أن
تصريحه يوم الخميس الماضي بعدم سعي الدولة الى الغاء مجانية التعليم،
يتنافى مع ممارسات الحكومة، الهادفة الى التأكيذ في جل الوثائق المؤطرة
لميدان التربية والتكوين على ضرورة فتح قنوات أخرى بديلة لتمويل الدولة
لهذا القطاع، ومن أبرز هذه القنوات حسب سعي الدولة، – او من يخططون لاقبار
مجانية التعليم داخلها- الأسر، أو ما تسميه بالأسر الميسورة، وهو مصطلح
يثير إشكالا عويص الحل، باعتبار إشكال المعايير تحديد اليسر والفقر
بالمغرب.

وبالبحث البسيط الذي لا يكلفنا العناء في سبيل ايجاد ما يفند
ادعاءات السيد سعد الذين العثماني، فإننا نستحضر بكل أسف نص الفصل 48 من
مشروع القانون الاطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، والذي
ينص بصريح العبارة على انه “سيتم تدريجيا اقرار مبدأ أداء الأسر الميسورة
لرسوم تسجيل أبناءها بمؤسسات التربية والتكوين… ” ناهيك عن ما تضمنه
البند 169 من الدعامة التاسعة عشرة المتعلقة بتعبئة موارد التمويل، من
الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي يفيد (اي البند 169) أنه يقضي
تنويع موارد التمويل اسهام الفاعلين والشركاء في عملية التربية والتكوين،
من دولة وجماعات ترابية ومقاولات وأسر ميسورة”.

ومما لا شك فيه ان
تنصيص كل من هتين الوثيقتين، والتي تعد إحداها مشروع قانون اطار لابد وان
يرى النور عاجلا من منطلق توصيات البنك الدولي على الأقل، ناهيك عن جشع
اصحاب رؤوس الاموال الذين يبحثون عن الربح المادي وجمع الاموال من التعليم
على غرار الصحة….

ان مصطلح “الاسر الميسورة” الذي يستعمله نص مشروع
القانون 17.51 اعلاه بالموازات مع البند 169،

 لهو فخ أريد به تغليط
المغاربة في مفهوم الأداء والمساهمة في رسوم تعليم ابنائهم، ذلك أنه وإذا
بحثنا عن معايير تحديد صفة “اليسر” في مشروع القانون هذا، او في الميثاق،
فاننا لا نجد اي معيار يعين على فهمنا لوضعيتنا كاسر، أمخاطبون بهذا
الاقرار (الأداء) أم لا. وهو ما يرجعنا إلى مساءلة الحكومة حول تلك
المعايير، والتي تعتبر بحسب بعض أعضائها، وهو وزير الحكامة الحسين الداودي
ابرز المدافعين عن الغاء المجانية، راجعة الى الدخل المادي، بمفهوم أنه من
يصل اجره الى 10.000 درهم في مدينة الدار البيضاء فهو فقير، ومن يصل اجره
الى 15.000 درهم في نفس المدينة فهو ميسور، ويجب ان يساهم في مصاريف تدريس
ابنائه بالمدرسة العمومية، ويضيف نفس المسؤول ان الاسرة التي تدرس ابناءها
بالقطاع الخاص، لا يرهقعا أن تؤدي لمدرسة عمومية جيدة مبلغ 1000 درهم
سنويا، وإذ يتحدث هذا الوزير عن القطاع الخاص، فإننا نسائله : هل لدينا
أصلا تعليم خصوصي بما يعنيه هذا المفهوم، ام انه تعليم عشوائي تجاري يعتمد
البروتين الاجنبي (مناهج فرنسا) لإيهام المغاربة انه ينتج، وهو المنخور في
البنية التحتية والموارد البشرية وبيداغوجيا التدريس…. 


إن المتتبع
لخرجات الحكومة بجل اعضائنا، يلمس من واقع افكارهم، وردودهم عن تساؤلات
المغاربة أنهم ذووا ثقافة سياسية موصى بها، ونعني بموصى بها، انها ثقافة لا
تستحضر القناعات التي تنطلق من الوضعية الاجتماعية لمن منحوا اصواتهم
للمسؤولين، وانما تنطلق من املاءات البنك الدولي، واصحاب النفوذ من اسرة
الدولة العميقة بالمغرب.

ولا يزيد كلام السيد سعد الدين العثماني، الا
اقتناعنا بهذا التوجه، ذلك أنه إذا كان أعلى وزير في الحكومة يزور الحقائق
ويغلفها بتفسير ملغوم، قبل اجابة المغاربة عن سؤال مهم يتعلق بالغاء مجانية
التعليم الذي تؤكد عليه وثائق قانونية من قبل ما اشرنا اليه أعلاه، فإن
الأمر لا يخرج عن اعتبارنا للسيد رئيس الحكومة منخرطا في منهج تنزيل
التوصيات دون اي اعتبار للوضع الاجتماعي للمغاربة.

بل إن الأمر اكبر من
ذلك، فهو تزوير لحقيقة، إذ لا يمكن ان يأتي قانون ليثبتها، ويأتي وزير
لينفيها وهو الذي اشرف على المصادقة عليه، واذ لا يقبل الشعب استبلاده، فهو
يبحث عن الحقيقة اولا، إذ لا يمكن ان نصدق كلام السيد رئيس الحكومة ونكذب
القانون، كما لا يمكن للاسد ان يصدق الحمار بانه سمكة، ويكذب واقع كونه
حمارا.

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى