رأيسلايد

تدمير الذات






«الأنانية تثير الرعب، اخترعنا السياسة لإخفائها، لكنها تخترق كل النقب وتفضح نفسها لدى كل مصادف» آرثر شوبنهاور
في السياسة ليس هناك أكثر من خيارين، إما بناء المستقبل ومن تم إعادة
الاعتبار إلى الذات، وإما بناء الطموحات الفردية ومن تم تدمير الذات، وبين
هذا وذاك، تكتسب مصالح الجماعة دلالاتها لدى كل طرف بحسب رؤيته واختياراته.
ففي
كثير من الأحيان، يجد الإنسان نفسه في مواجهة طموح ذاتي، إما لإرضاء
مصالحه الخاصة، أو لإخفاء أخطائه، أو حتى المجازفة بمستقبله السياسي من أجل
طموح غير مستحق، وفي المقابل يمكن للمرء أن يختار العيش من أجل الآخرين،
أو من أجل فكرة نبيلة، ولا يهمه آنذاك أن يحصل على اعتراف أو شكر من
الآخرين، لأن الإيمان بالفكرة النبيلة ومحاولة تحقيقها، تظل أجمل هدية يمكن
أن يقدمها الإنسان لذاته.إن هذين التصرفين، وباعتبارهما طرفي نقيض، هما اللذان يحكمان المجال
السياسي الوطني وعلاقة السياسيين بالآخرين، بل وحتى طبيعة تفكير كل شخص في
علاقته بغيره وبمحيطه، أو حتى مع المجموعة السياسية التي ينتمي إليها،
وبالتالي، إما أن تكون الطموحات ذاتية وتبقى رغم تفاهتها في عين صاحبها
كبيرة جدا، وما هي إلا وسيلة لتدمير الذات وإلغاء قيمتها الحقيقة، أو أن
تكون الطموحات من أجل فكرة نزيهة وصادقة، فيعيش الإنسان لأجلها حتى ولو
صدمته تصرفات بعض من محيطه أو طعنته من الخلف خيانات المقربين.

إن
للأفكار الكبيرة قوة تحمي وجودها وتضمن استمراريتها، وتمكنها من الحضور
والبقاء السياسي الدائم، كما تضفي على صاحبها وجودا متألقا، بإشراك الآخرين
في جهوده والعمل معا لبناء صرح مشترك لفكرة نبيلة.إن الأفكار الراقية والنبيلة، تحتاج إلى شخصيات صادقة وقادرة على تبني
أفكار واضحة وصريحة وجريئة، لتسمو معها، أما الأطماع الذاتية الضيقة، فهي
لا تحتاج إلى أفكار، بل تنتعش في مستنقع المؤامرات واستخدام الكتبة
بالمقابل، وهذا لن يكون سوى طريق معبدة نحو الفشل الذريع.
إن اللحظة
الفاصلة بين المصالح الذاتية والأفكار النبيلة، هي تلك اللحظة المحورية
التي يكون فيها الإنسان أمام الاختيار، وهذا الأخير صعب، يصطدم فيها الذاتي
بالموضوعي، وإذا تغلب الذاتي انهارت الذات، أما إذا تغلب الموضوعي، فإن
الفرصة مواتية لتطوير الذات وبلوغ الأهداف الكبرى للمشروع المشترك بين
الجميع ومن أجل الجميع، وهذه اللحظة المعقدة هي التي تصنع الزعماء
والقيادات الحقيقية وليست المواقع و المناصب.أتذكر صديقا كان يقول لي دائما: إن الزعيم الحقيقي هو من يفكر كثيرا قبل أن
يصمت، أي ذلك الشخص الذي يشرك الناس في القضايا التي تهمهم، والأحزاب من
قضايا الناس، وهو أيضا من يحيط به الأذكياء الصادقين، أما الفاشلون، فهم
أشخاص لا يفكرون ولا يتكلمون أصلا، لكنهم فقط ينشغلون طول الوقت بِحبْكِ
المؤامرات والحسابات الضيقة، يحيطون بهم الانتهازيين، ويجعلونهم في دائرة
محيطهم للتصفيق والمدح وترتيب الحروف والكلمات، وهذا الجيش من الانبطاحيين
لا يمكن أن يبني قيادات وأحزاب، لأن الزعامة الحقيقية لها كُلفة، أما الفشل
فمتوفر وبالمجان.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى