ثقافةسلايد

يوجد‭ ‬في‭ ‬سوس‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الصين.. سور‭ ‬تارودانت‭ ‬العـظيـم‭ ‬



هنا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬سوس‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬رفيقا‭ ‬مخلصا‭ ‬يسير‭ ‬معك‭ ‬على‭
‬امتداد‭ ‬المدينة‭ ‬غيره،‭ ‬يمنحك‭ ‬أسراره‭ ‬وعبق‭ ‬المدينة‭ ‬ويطل‭
‬عليك‭ ‬من‭ ‬أبراجه‭ ‬مثل‭ ‬أم‭ ‬تحمي‭ ‬أبناءها‭ ‬بحرص‭ ‬شديد،‭ ‬من‭
‬أي‭ ‬مكان‭ ‬دخلت‭ ‬تارودانت‭ ‬ستجده‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬وظيفته‭ ‬القديمة‭
‬صارما‭ ‬ومتسامحا،‭ ‬منيعا‭ ‬وسهل‭ ‬الولوج،‭ ‬يحرس‭ ‬المدينة‭ ‬من‭
‬الغزاة‭ ‬والبغاة،‭ ‬ويحمي‭ ‬الحدود‭ ‬من‭ ‬الاسمنت‭ ‬البليد‭. ‬سور‭
‬تارودانت‭ ‬سيرة‭ ‬تختزل‭ ‬قصة‭ ‬سوس‭ ‬العذراء،‭ ‬إنها‭ ‬سيرة‭ ‬سور‭
‬تارودانت‭ ‬العظيم‭.‬
سيرة‭ ‬سور‭ ‬سوس‭ ‬العظيم
يبلغ‭
‬سمك‭ ‬سور‭ ‬الصين‭ ‬العظيم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أربعة‭ ‬أمتار‭ ‬إلى‭ ‬تسعة‭
‬أمتار‭ ‬في‭ ‬قاعدته،‭ ‬ويتراوح‭ ‬علوه‭ ‬بين‭ ‬3‭ ‬و8‭ ‬أمتار،‭ ‬لكن‭
‬سور‭ ‬تارودانت‭ ‬يبلغ‭ ‬سمكه‭ ‬سبعة‭ ‬أمتار‭ ‬ويرتفع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭
‬على‭ ‬سبعة‭ ‬أخرى‭. ‬من‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬بالمغرب‭ ‬سورا‭ ‬عظيما‭ ‬يتفوق‭
‬على‭ ‬سور‭ ‬الصين‭ ‬العظيم،‭ ‬هو‭ ‬أقدم‭ ‬سور‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬ورغم‭
‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تاريخ‭ ‬محدد‭ ‬لبداية‭ ‬بنائه‭ ‬بسبب‭ ‬ندرة‭
‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬وتخلف‭ ‬البحث‭ ‬الأركيولوجي،‭ ‬لكن‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭
‬والناصري‭ ‬واليفراني‭ ‬يجمعون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬نحن‭ ‬إذن‭
‬أمام‭ ‬أقدم‭ ‬أسوار‭ ‬المغرب‭. ‬
قبل‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬كانت‭
‬تارودانت‭ ‬حاضرة‭ ‬أمازيغية،‭ ‬جاهد‭ ‬المسلمون‭ ‬لاقتحامها‭ ‬لأنهم‭
‬يعلمون‭ ‬أنهم‭ ‬إذا‭ ‬فتحوها‭ ‬أذعنت‭ ‬لهم‭ ‬كل‭ ‬المنطقة،‭ ‬كل‭
‬القبائل‭ ‬عندما‭ ‬سمعت‭ ‬بفتح‭ ‬تارودانت‭ ‬جاءت‭ ‬مستسلمة‭ ‬للفاتحين‭
‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬اقتحام‭ ‬سور‭ ‬المدينة‭ ‬معجزة‭ ‬لا‭
‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتيها‭ ‬‮«‬إلا‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬ترعاه‭ ‬القدرة‭ ‬الإلهية‮»‬‭.
‬أول‭ ‬كرامات‭ ‬السور‭ ‬العظيم‭ ‬ستظهر‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬المرابطي،‭ ‬حيث‭
‬يروي‭ ‬سكان‭ ‬تارودانت‭ ‬قصة‭ ‬ولي‭ ‬المدينة‭ ‬وقطبها‭ ‬الرباني‭ ‬ابن‭
‬وندلوس‭ ‬المعروف‭ ‬بالشيخ‭ ‬سيدي‭ ‬وسيدي،‭ ‬الذي‭ ‬سجنه‭ ‬والده‭ ‬لأنه‭
‬كان‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬شرب‭ ‬عصير‭ ‬قصب‭ ‬السكر‭ ‬حرام،‭ ‬فأهرق‭ ‬خوابيه‭
‬وسالت‭ ‬وديان‭ ‬من‭ ‬عصير‭ ‬القصب‭ ‬في‭ ‬أزقة‭ ‬المدينة،‭ ‬وسجن‭ ‬سيدي‭
‬وسيدي‭ ‬في‭ ‬‮«‬بنيقة‮»‬‭ ‬مازالت‭ ‬شاهدة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬أما‭
‬الولد‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬سأخرج‭ ‬عندما‭ ‬ينهدم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سور‭
‬المدينة،‭ ‬وبالفعل‭ ‬سيسقط‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬السور‭ ‬العظيم‭ ‬ويخرج‭ ‬ابن‭
‬وندلوس‭ ‬من‭ ‬سجنه،‭ ‬وهي‭ ‬أسطورة‭ ‬يتناقلها‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬عن‭
‬شيخهم‭ ‬الذي‭ ‬يعتبرونه‭ ‬‮«‬مول‭ ‬البلاد‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭
‬دلالة‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬السور،‭ ‬أي‭ ‬وجوده‭ ‬قبل‭ ‬المرابطين‭ ‬بفترة،‭
‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يهترئ‭ ‬ويتآكل،‭ ‬حتى‭ ‬سقط‭ ‬الجزء‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬منه‭
‬الولي‭ ‬الصالح‭.‬
في‭ ‬عصر‭ ‬السعديين‭ ‬سيجدد‭ ‬السور‭ ‬وسيتم‭
‬ترميمه‭ ‬بإحكام‭ ‬لأنهم‭ ‬سيتخذون‭ ‬من‭ ‬تارودانت‭ ‬عاصمة‭ ‬لهم‭ ‬قبل‭
‬مراكش،‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬العلويين‭ ‬سيظهر‭ ‬الدور‭ ‬التاريخي‭ ‬للسور‭
‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬فكلما‭ ‬تولى‭ ‬أمير‭ ‬شؤون‭ ‬تارودانت‭ ‬حتى‭ ‬استقوى‭
‬بأهلها‭ ‬وسورها،‭ ‬وهي‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬ترويها‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية،‭
‬إذ‭ ‬سيقوم‭ ‬محمد‭ ‬العالم‭ ‬ابن‭ ‬المولى‭ ‬إسماعيل‭ ‬بتعيين‭ ‬نفسه‭
‬خليفة،‭ ‬وأقام‭ ‬بلاطا‭ ‬سلطانيا‭ ‬بعدما‭ ‬تمرد‭ ‬على‭ ‬أبيه‭. ‬حوصرت‭
‬المدينة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المولى‭ ‬إسماعيل‭ ‬بقيادة‭ ‬ابنه‭ ‬المولى‭ ‬زيدان‭
‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقدر‭ ‬الجيش‭ ‬الخرافي‭ ‬على‭
‬اقتحامها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المولى‭ ‬زيدان‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬الحصار‭ ‬قام‭
‬ببناء‭ ‬القصبة‭ ‬الزيدانية‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يطيق‭ ‬البقاء‭ ‬في‭
‬خيام‭ ‬الحرب،‭ ‬وأقام‭ ‬بها،‭ ‬وهي‭ ‬اليوم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مدينة‭
‬تارودانت،‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬أحد‭ ‬دخول‭ ‬المدينة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭
‬كشف‭ ‬الخليفة‭ ‬محمد‭ ‬العالم‭ ‬متخفيا‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬الزيدانية‭
‬يستقصي‭ ‬أخبار‭ ‬العدو‭.‬
‬مدينة‭ ‬لا‭ ‬تقتحم
يقول‭
‬نور‭ ‬الدين‭ ‬صادق،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة،‭ ‬إن‭ ‬هندسة‭
‬الأسوار‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬أسطورة‭ ‬السور،‭ ‬فسمكه‭ ‬لا‭ ‬يضاهيه‭
‬أي‭ ‬سور‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المغرب،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يتكون‭ ‬في‭
‬الأصل‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬جدران‭ ‬متراكبة‭. ‬كل‭ ‬جدار‭ ‬كان‭ ‬يؤدي‭ ‬دورا‭
‬مختلفا،‭ ‬ويستطرد‭ ‬المؤرخ‭ ‬الروداني‭: ‬‮«‬الجدار‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬جدار‭
‬دفاعي‭ ‬يصل‭ ‬علوه‭ ‬إلى‭ ‬سبعة‭ ‬أمتار،‭ ‬ويتراوح‭ ‬سمكه‭ ‬ما‭ ‬بين‭
‬ثمانين‭ ‬وتسعين‭ ‬سنتيمترا،‭ ‬يليه‭ ‬مباشرة‭ ‬جدار‭ ‬ثان‭ ‬يتراوح‭
‬سمكه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مترين‭ ‬وثلاثة‭ ‬أمتار‭ ‬يسمى‭ ‬ممر‭ ‬الحراسة،‭
‬وكان‭ ‬ممرا‭ ‬تتجول‭ ‬فيه‭ ‬كتائب‭ ‬الحراسة‭ ‬ليراقبوا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭
‬خارج‭ ‬السور‮»‬‭. ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المدينة‭ ‬تتبدى‭ ‬لنا‭ ‬أجزاء‭ ‬مهدمة‭
‬من‭ ‬الجدار‭ ‬الثالث،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬سمكا‭ ‬وأقل‭ ‬ارتفاعا‭ ‬يرتفع‭
‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬ممر‭ ‬الحراسة،‭ ‬ويصل‭ ‬اتساعه‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمتار،‭
‬إذن‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬سور‭ ‬بسمك‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬سبعة‭ ‬أمتار‭ ‬على‭ ‬طول‭
‬امتداده‭ ‬المحيط‭ ‬بالمدينة‭ ‬إحاطة‭ ‬تامة‭ ‬شاملة‭.‬
‮«‬الممر‭
‬الثالث‭ ‬يسمى‭ ‬ممر‭ ‬الدورية،‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬منه‭ ‬دوريات‭ ‬من‭
‬الخيالة‭ ‬يراقبون‭ ‬الحراس‭ ‬ومدى‭ ‬يقظتهم‭ ‬واستعدادهم‭. ‬إذا‭ ‬جمعنا‭
‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬يبدو‭ ‬الحفر‭ ‬في‭ ‬السور‭ ‬أمرا‭ ‬خياليا،‭ ‬واقتحام‭
‬سور‭ ‬تارودانت‭ ‬العظيم‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬المستحيل‮»‬،‭ ‬حسب‭
‬المؤرخ‭ ‬الروداني‭. ‬
وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬المعطيات‭ ‬التاريخية،‭
‬يحكي‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬جمعية‭ ‬‮«‬أمودو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬حماية‭
‬التراث‭ ‬أحد‭ ‬اهتماماتها،‭ ‬أن‭ ‬أشغال‭ ‬الترميم‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭
‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬عانت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وصلابة‭ ‬السور،‭ ‬الشيء‭
‬نفسه‭ ‬يؤكده‭ ‬لحسن،‭ ‬أحد‭ ‬سكان‭ ‬تارودانت‭ ‬المقيمين‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭
‬باب‭ ‬البلاليع،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬الجرافات‭ ‬كانت‭ ‬تمضي‭ ‬أياما‭ ‬وهي‭
‬تحاول‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭ ‬الجديدة‮»‬‭.‬
طول‭ ‬السور‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭
‬يقارب‭ ‬ثمانية‭ ‬كيلومترات‭ (‬7.8‭ ‬كيلومترات‭). ‬داخل‭ ‬الأسوار‭
‬توجد‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تصطبغ‭ ‬بلون‭ ‬التراب،‭ ‬وكل‭ ‬محاولات‭
‬التوسع‭ ‬العمراني‭ ‬خارج‭ ‬السور‭ ‬يقابلها‭ ‬رفض‭ ‬ضمني‭ ‬وتضامني‭ ‬من‭
‬طرف‭ ‬السكان‭. ‬
عندما‭ ‬تتجول‭ ‬خارج‭ ‬الأسوار‭ ‬لا‭ ‬تحس‭
‬بالحياة‭ ‬المتحركة‭ ‬داخلها‭. ‬خارج‭ ‬السور‭ ‬هناك‭ ‬تجزئات‭ ‬سكنية‭
‬ومدينة‭ ‬حديثة‭ ‬لكنها‭ ‬شبه‭ ‬فارغة‭.. ‬تمر‭ ‬سيدة‭ ‬تمتطي‭ ‬دراجة‭
‬بمحاذاة‭ ‬السور‭ ‬وتقتحم‭ ‬باب‭ ‬‮«‬الزركان‮»‬‭. ‬يخبرنا‭ ‬عامل‭
‬الفندق‭ ‬بأن‭ ‬أسعار‭ ‬العقار‭ ‬داخل‭ ‬السور‭ ‬أكثر‭ ‬ارتفاعا‭ ‬بكثير‭
‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الجديدة‭. ‬هل‭ ‬بسبب‭ ‬أجانب‭ ‬يقتنون‭ ‬الرياضات
‬والمنازل‭ ‬القديمة؟‭ ‬يجيب‭ ‬عامل‭ ‬الفندق‭: ‬‮«‬لا،‭ ‬السكان‭ ‬يريدون‭
‬البقاء‭ ‬داخل‭ ‬المدينة‮»‬‭.‬

تخترق‭
‬السور‭ ‬خمسة‭ ‬أبواب‭ ‬رئيسية‭ ‬وهي‭ ‬الأبواب‭ ‬التاريخية‭
‬لتارودانت؛‭ ‬باب‭ ‬السلسلة‭ ‬وهو‭ ‬الباب‭ ‬السلطاني‭ ‬ويسميه‭ ‬أهل‭
‬المدينة‭ ‬بـ«باب‭ ‬السدرة‮»‬،‭ ‬منه‭ ‬كانت‭ ‬تدخل‭ ‬المواكب‭ ‬لقربه‭
‬من‭ ‬القصبة‭. ‬الباب‭ ‬السلطاني‭ ‬مازال‭ ‬يحظى‭ ‬باحترام‭ ‬خاص‭ ‬لدى‭
‬السكان‭.. ‬إنه‭ ‬باب‭ ‬تلفه‭ ‬سطوة‭ ‬الأمير‭.. ‬ثم‭ ‬باب‭ ‬أولاد‭
‬بونونة‭ ‬وباب‭ ‬تارغونت‭ ‬وباب‭ ‬الزركان‭ ‬وباب‭ ‬الخميس‭. ‬
يعود‭
‬نور‭ ‬الدين‭ ‬صادق‭ ‬ليخبرنا‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الأسرار‭ ‬ويقول‭:
‬‮«‬كلها‭ ‬أبواب‭ ‬ذات‭ ‬التواء،‭ ‬هذا‭ ‬الالتواء‭ ‬يكون‭ ‬بسيطا‭ ‬في‭
‬بعضها‭ ‬ومعقدا‭ ‬في‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬وظيفة‭ ‬الباب‭
‬ودوره،‭ ‬وعموما‭ ‬الأبواب‭ ‬الموزعة‭ ‬على‭ ‬السور‭ ‬كانت‭ ‬تلعب‭ ‬ثلاث‭
‬وظائف،‭ ‬أهمها‭ ‬الوظيفة‭ ‬العسكرية‭ ‬الدفاعية‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة‭
‬تشتغل‭ ‬بوجود‭ ‬كثرة‭ ‬الالتواءات‭ ‬وتعدد‭ ‬الساحات،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭
‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬مباشرة،‭ ‬فبعد‭ ‬الباب‭ ‬الأول‭ ‬تجد‭ ‬ممرا‭
‬مغطى‭ ‬تخرج‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬أولى،‭ ‬وفي‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬يكون‭
‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭ ‬لتجد‭ ‬بابا‭ ‬ثانيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭
‬الساحة،‭ ‬يحيلك‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬ثانية‭ ‬لتلج‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬الأخير‭
‬إلى‭ ‬المدينة‭.‬
سبعة‭ ‬أقواس‭ ‬توجد‭ ‬بالباب‭ ‬الواحد‭ ‬نظرا‭
‬لما‭ ‬يفضي‭ ‬إليه‭ ‬الباب‭ ‬من‭ ‬مرافق‭ ‬حساسة،‭ ‬وبمجرد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭
‬هناك‭ ‬غزو‭ ‬أو‭ ‬غارة‭ ‬تغلق‭ ‬الأبواب‭ ‬الخلفية‭ ‬قبل‭ ‬الأبواب‭
‬الأمامية،‭ ‬فإذا‭ ‬تم‭ ‬إغلاق‭ ‬الأبواب‭ ‬كاملة‭ ‬تحصنت‭ ‬المدينة،‭
‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الهجوم‭ ‬مباغتا‭ ‬فإن‭ ‬الغزاة‭ ‬يدخلون‭ ‬إلى‭
‬الساحة‭ ‬الأولى،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يشرف‭ ‬الحراس‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬من‭
‬أعلى‭ ‬السور‭ ‬فيسقط‭ ‬المهاجمون‭ ‬في‭ ‬فخ،‭ ‬ويجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بين‭
‬بابين،‭ ‬ويتم‭ ‬قصفهم‭ ‬من‭ ‬الأعلى،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المصيدة‭ ‬الهندسية‭
‬التي‭ ‬حفظت‭ ‬المدينة‭.‬
الوظيفة‭ ‬الثانية‭ ‬للأبواب‭ ‬هي‭
‬الدور‭ ‬الجبائي،‭ ‬فتارودانت‭ ‬كانت‭ ‬أولى‭ ‬المحطات‭ ‬على‭ ‬الطريق‭
‬التجاري‭ ‬للقوافل‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬السودان،‭ ‬وكانت‭ ‬لهذا‭
‬الطريق‭ ‬علاقة‭ ‬بالسعديين‭ ‬الذين‭ ‬ارتبطت‭ ‬المدينة‭ ‬تاريخيا‭
‬بحكمهم،‭ ‬فتحويل‭ ‬الطرق‭ ‬التجارية‭ ‬إلى‭ ‬تارودانت‭ ‬جعل‭ ‬أبواب‭
‬المدينة‭ ‬تسهل‭ ‬استخلاص‭ ‬الواجبات‭ ‬المخزنية،‭ ‬وكان‭ ‬يتم‭ ‬إدخال‭
‬القوافل‭ ‬أفواجا‭ ‬فيحصي‭ ‬معها‭ ‬موظفو‭ ‬الديوان‭ ‬ما‭ ‬تستحقه‭
‬الدولة‭ ‬ويستخلصونه‭ ‬قبل‭ ‬ولوج‭ ‬القوافل‭ ‬المدينة‭.‬
كما‭
‬تلعب‭ ‬الأبواب‭ ‬دورا‭ ‬ثالثا‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الأمني،‭ ‬فتعدد‭ ‬الساحات‭
‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬الفعلي‭ ‬إلى‭ ‬المدينة،‭ ‬وكثرة‭ ‬التعرجات‭ ‬تجعل‭ ‬كل‭
‬من‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬أو‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬مراقبا‭ ‬ويسهل‭ ‬تحديده،‭
‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬استخبارات‭ ‬تارودانت‭ ‬التي‭ ‬ساهم‭ ‬فيها‭ ‬السور‭. ‬
اليوم‭
‬هذه‭ ‬الأبواب‭ ‬تقف‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬مجد‭ ‬غابر،‭ ‬ويسودها‭ ‬تباين‭
‬كبير‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أبواب‭ ‬تمت‭ ‬العناية‭ ‬بها‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬متاحف‭
‬وأخرى‭ ‬تقف‭ ‬أمامها‭ ‬العربات‭ ‬والحافلات‭ ‬والباعة‭ ‬المتجولون‭. ‬
إلى‭
‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬القيام‭ ‬بجولة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬خارج‭
‬السور‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬محيطه‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬السور،‭ ‬كان‭ ‬بإمكانك‭
‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بجولة‭ ‬حول‭ ‬المدينة‭ ‬بأكملها،‭ ‬فممر‭ ‬الحراسة‭ ‬الذي‭
‬يصل‭ ‬اتساعه‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمتار،‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬فيه‭
‬عربة‭ ‬‮«‬الكوتشي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تشتهر‭ ‬بها‭ ‬المدينة،‭ ‬هذا‭ ‬الممر‭
‬تردى‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬الآن،‭ ‬وسقطت‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬منه،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭
‬ينتبه‭ ‬إليه‭ ‬ولم‭ ‬يحظ‭ ‬بالعناية‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬حظي‭ ‬بها‭
‬الجدار‭ ‬الخارجي‭ ‬والدفاعي،‭ ‬وهذا‭ ‬يهدد‭ ‬السور‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬
ما‭
‬يفوق‭ ‬مائة‭ ‬وثلاثين‭ ‬برجا‭ ‬تتخلل‭ ‬السور‭ ‬العظيم،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭
‬مكانا‭ ‬لتجمع‭ ‬الرماة‭ ‬والحراس‭ ‬تملؤها‭ ‬الثقوب‭ ‬الصغيرة‭
‬والفتحات‭ ‬المستطيلة،‭ ‬كانت‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬فوهات‭ ‬البنادق‭
‬والاحتماء،‭ ‬وسمك‭ ‬السور‭ ‬يناسب‭ ‬حجم‭ ‬الأبراج‭ ‬العملاقة،‭ ‬فيصل‭
‬سمك‭ ‬السور‭ ‬عند‭ ‬الأبراج‭ ‬إلى‭ ‬11‭ ‬مترا،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الأبراج‭
‬التي‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الزوايا،‭ ‬و10‭ ‬أمتار‭ ‬في‭ ‬الأبراج‭ ‬التي‭
‬تنتشر‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬مستقيم‭ ‬محيط‭ ‬بالمدينة‭. ‬الأبراج‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭
‬مكان‭ ‬للسمر‭ ‬والمحادثات‭ ‬الليلية‭ ‬بين‭ ‬الحراس‭.. ‬الاهتمام‭
‬بهندسة‭ ‬الأبراج‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬إغراء‭ ‬المدينة‭ ‬وغناها‭ ‬وثروتها‭
‬الكبيرة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬مازال‭ ‬سمة‭ ‬مميزة‭
‬للرودانيين‭. ‬
خطر‭ ‬الإسمنت
بني‭
‬السور‭ ‬العظيم‭ ‬بالتراب‭ ‬المخلوط‭ ‬بالجير‭ ‬الذي‭ ‬يمنحه‭ ‬صلابة‭
‬ويجعله‭ ‬مانعا‭ ‬لتسرب‭ ‬المياه،‭ ‬وهذه‭ ‬المواد‭ ‬تخلط‭ ‬بالحصى‭.
‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬سكان‭ ‬المدينة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭
‬الأسوار‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬أساس،‭ ‬بل‭ ‬تتماسك‭ ‬من‭ ‬تراكب‭
‬الجدران‭ ‬الثلاثة،‭ ‬فتكتسب‭ ‬متانتها‭ ‬ومناعتها،‭ ‬واليوم‭ ‬زال‭
‬الجدار‭ ‬الثالث‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬بعض‭ ‬الشواهد‭ ‬في‭ ‬‮«‬باب‭
‬ترغونت‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬باب‭ ‬بونونة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬زال‭ ‬الجدار‭ ‬الثاني‭
‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق،‭ ‬وتردت‭ ‬حالته‭ ‬بفعل‭ ‬الأمطار‭ ‬وعدم‭
‬الصيانة‭. ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬كانت‭ ‬تعلوه‭ ‬طبقة‭ ‬سميكة‭ ‬من‭
‬‮«‬تادلاكت‮»‬،‭ ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تادلاكت‮»‬‭ ‬مادة‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭
‬بتسرب‭ ‬المياه‭. ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬كانت‭ ‬تجعل‭ ‬المياه‭ ‬تتسرب‭ ‬عبر‭
‬قنوات،‭ ‬وهكذا‭ ‬لا‭ ‬يتراكم‭ ‬الماء‭ ‬فوق‭ ‬الممر،‭ ‬لكن‭ ‬تآكل‭ ‬هذه‭
‬الطبقة‭ ‬عبر‭ ‬السنين‭ ‬الطويلة،‭ ‬جعل‭ ‬الأمطار‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬السور،‭
‬ويتهدم‭ ‬تبعا‭ ‬لذلك‭ ‬جزء‭ ‬هام‭ ‬منه،‭ ‬وقد‭ ‬أزالت‭ ‬بعض‭
‬الترميمات‭ ‬الأخيرة‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الممر،‭ ‬وهذا‭ ‬أيضا‭ ‬يشكل‭ ‬خطرا‭
‬على‭ ‬السور‭. ‬
تحيط‭ ‬بالمدينة‭ ‬طرق‭ ‬حديثة‭ ‬وشوارع‭ ‬واسعة،‭
‬وتتنقل‭ ‬عبرها‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭. ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬والاهتزازات‭ ‬تهدد‭
‬السور‭ ‬وتمس‭ ‬أساساته،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭
‬السور‭ ‬كانت‭ ‬تنقصها‭ ‬الاستعانة‭ ‬بمؤرخ‭ ‬أو‭ ‬خبير‭ ‬في‭ ‬الآثار،‭
‬وشابتها‭ ‬بعض‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وكان‭ ‬يتم‭ ‬دهن‭ ‬السور‭ ‬بعد‭ ‬ترميمه‭
‬بـ«تادلاكت‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬يتعارض‭ ‬هنا‭ ‬المظهر‭ ‬الجمالي‭ ‬مع‭ ‬المظهر‭
‬التاريخي‭ ‬الأصيل‭ ‬للسور،‭ ‬فالسواد‭ ‬وبعض‭ ‬مظاهر‭ ‬الرطوبة،‭
‬والثقوب‭ ‬التي‭ ‬تتخلل‭ ‬السور‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬شواهد‭ ‬ورسائل‭ ‬مسافرة‭
‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬معلومات‭ ‬كثيرة‭ ‬مازالت‭ ‬تلك‭ ‬الثقوب‭ ‬تحفظها،‭
‬والأبراج‭ ‬المرممة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬قول‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقله‭ ‬المصادر‭
‬التاريخية‭. ‬
من‭ ‬الأخطاء‭ ‬الرهيبة‭ ‬إزالة‭ ‬ممر‭ ‬الحراسة‭
‬الذي‭ ‬يشد‭ ‬عضد‭ ‬السور،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬أجزاء‭ ‬هامة‭
‬من‭ ‬السور‭ ‬تنهار‭ ‬بفعل‭ ‬عوامل‭ ‬المناخ‭ ‬المتراوح‭ ‬بين‭ ‬سيول‭
‬مطرية‭ ‬وحرارة‭ ‬مرتفعة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬أبواب‭ ‬جديدة،‭ ‬بعدما‭
‬أصبحت‭ ‬الأبواب‭ ‬الخمسة‭ ‬غير‭ ‬كافية،‭ ‬لم‭ ‬تراع‭ ‬فيه‭ ‬جمالية‭
‬السور‭ ‬ولا‭ ‬تاريخه‭ ‬ولا‭ ‬الترتيب‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬أصلا‭ ‬للأبواب‭. ‬
والشمس‭
‬تشرف‭ ‬على‭ ‬الاختفاء‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬تتحرك‭ ‬قوافل‭ ‬حول‭ ‬سور‭
‬تارودانت،‭ ‬ليست‭ ‬قوافل‭ ‬التجار‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬هذه‭
‬المرة،‭ ‬بل‭ ‬قوافل‭ ‬من‭ ‬السياح‭ ‬على‭ ‬دراجات‭ ‬هوائية‭ ‬يدورون‭
‬حول‭ ‬حصون‭ ‬المدينة،‭ ‬يلتقطون‭ ‬صورا‭ ‬لأبراجها‭ ‬ولنخيلها‭. ‬يقفون‭
‬باحترام‭ ‬كبير‭ ‬أمام‭ ‬أبواب‭ ‬المدينة،‭ ‬ويتحاورون‭ ‬مع‭ ‬سور‭ ‬سوس‭
‬العظيم.
سور‭ ‬لا‭ ‬يقبل الخطأ‭ ‬أو‭ ‬النسيان
في‭
‬فترات‭ ‬بناء‭ ‬الأسوار‭ ‬بلغ‭ ‬حرص‭ ‬سلطات‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬حصانتها‭
‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬السور‭ ‬كانوا‭ ‬يقومون‭ ‬باختبار‭ ‬السور‭
‬بتعريضه‭ ‬للمياه‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجلب‭ ‬من‭ ‬السواقي‭ ‬الكثيرة‭
‬للمدينة‭ ‬طيلة‭ ‬الليل،‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬صمد‭ ‬يبقى،‭ ‬وإن‭ ‬انهدم‭ ‬يعاد‭
‬بناؤه‭. ‬المتهاونون‭ ‬من‭ ‬البنائين‭ ‬والعبيد‭ ‬والسجناء‭ ‬كان‭ ‬يرمى‭
‬بهم‭ ‬وبناء‭ ‬السور‭ ‬فوقهم،‭ ‬وقد‭ ‬أخبرتنا‭ ‬سيدة‭ ‬رودانية‭ ‬بأن‭
‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬الإصلاح‭ ‬كانت‭ ‬تواجه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصعوبات،‭ ‬فما‭
‬إن‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬السور‭ ‬حتى‭ ‬ينهدم‭ ‬جزء‭ ‬في‭ ‬جهة‭
‬أخرى‭.. ‬قالت‭ ‬المرأة‭ ‬الرودانية‭ ‬إنهم‭ ‬‮«‬موالين‭ ‬المكان‮»‬‭ ‬لا‭
‬يرضون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬النبش‭ ‬في‭ ‬قبورهم،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭
‬الكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬دفنوا‭ ‬داخل‭ ‬السور‭.‬
يهود‭ ‬وشيعة‭ ‬خلف‭ ‬السور
كانت‭
‬تارودانت‭ ‬المنيعة‭ ‬بسورها‭ ‬وأبراجها‭ ‬مدينة‭ ‬منفتحة‭ ‬ومتسامحة‭
‬عبر‭ ‬تاريخها،‭ ‬يعيش‭ ‬وراء‭ ‬سورها‭ ‬العظيم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطوائف‭
‬والديانات،‭ ‬فقد‭ ‬ساهم‭ ‬موقعها‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬انفتاحها‭
‬على‭ ‬عوالم‭ ‬مختلفة‭ ‬وأجناس‭ ‬عدة‭ (‬زنوج‭ ‬أفارقة،‭ ‬وموريسكيون‭
‬أندلسيون،‭ ‬ومشارقة،‭ ‬وأوربيون‭ ‬من‭ ‬جنسيات‭ ‬مختلفة‭: ‬إنجليز،‭
‬هولنديون،‭ ‬فرنسيون‭(…..

ومن‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬المدينة‭
‬الأصليين‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬المغاربة‭ ‬استمروا‭ ‬في‭ ‬عيش‭
‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬والدينية‭ ‬بشكل‭ ‬عادي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭
‬من‭ ‬تقلد‭ ‬مناصب‭ ‬رسمية‭ ‬هامة،‭ ‬مثل‭ ‬اليهودي‭ ‬موسى‭ ‬القاضي‭
‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬معاصر‭ ‬قصب‭ ‬السكر‭ ‬الذي‭
‬اشتهرت‭ ‬به‭ ‬تارودانت،‭ ‬وقبله‭ ‬تولى‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬عدد‭ ‬من‭
‬المسيحيين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬الأندلس،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬تارودانت‭
‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬جزيرة‭ ‬شيعية‭ ‬آوت‭ ‬الشيعة‭ ‬البجلية،‭ ‬وهي‭ ‬فرقة‭
‬نادرة‭ ‬ومتفردة‭ ‬لم‭ ‬توجد‭ ‬إلا‭ ‬بتارودانت‭. ‬هذا‭ ‬المذهب‭ ‬الذي‭
‬ترك‭ ‬أثره‭ ‬في‭ ‬السواد‭ ‬الذي‭ ‬يفضله‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬من‭
‬الألوان،‭ ‬وامتد‭ ‬تأثيره‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬سوس،‭ ‬ومازال‭ ‬المسنون‭ ‬هنا‭
‬يتلفظون‭ ‬بالصلاة‭ ‬على‭ ‬النبي‭ ‬وآله‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى