حوادثسلايد

تقرير إخباري: على خلفية قضية ماء العينين.. عودة استعمال “سلاح التشهير” في مواجهة الإسلاميين

أثار نشر صور
يعتقد أنها مفبركة، على بعض المواقع الالكترونية وعلى منصات التواصل
الاجتماعي، للنائبة البرلمانية من حزب “العدالة والتنمية” آمنة ماء
العينين، جدلا واسعا داخل الفضاء العمومي، حيث انقسمت الآراء بين مدافع عن
الحريات الفردية للأشخاص كيف ما كان انتماءهم السياسي، وبين منتقد لحزب
“العدالة والتنمية”، متهما إياه بالازدواجية، في خطابه السياسي. وعلى هامش
هذا الجدل أثير نقاش من نوع آخر حول استعمال “سلاح الأخلاق” في استهداف
الإسلاميين، وهذا الاستهداف عن طريق التشهير ليس جديدا، استعملته السلطة
دائما ضد خصومها، استعمل في سبعينات وثمانيات القرن الماضي ضد اليساريين،
وعاد ليستعمل مرة أخرى ضد الإسلاميين.

وبالعودة إلى تفاصيل القضية التي أحيت هذا الجدل، نجد أن البداية انطلقت
بنشر بعض الموقع الالكترونية لصورتين يعتقد أنهما مفبركتين، للنائبة
البرلمانية آمنة ماء العينين، الأولى تظهرها بملابس بدون حجابها، أمام ملهى
ليلي بالعاصمة الفرنسية باريس، وصورة ثانية تظهرها بلباس البحر بأحد
الشواطئ. وبالرغم من عدم التأكد من صحة الصورتين، وقد تأكد فعلا فبركة صورة
السباحة، فقد اندلعت حملة تشهير واسعة قادتها أسماء معروفة استهدفت
النائبة البرلمانية ومن ورائها حزبها السياسي. وانطلقت الحملة بتدوينات 
وكتابات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، دشنها كل من المحاميان الحبيب
حاجي ومحمد الهيني على صفحاتهما على  فيسبوك، وسرعان ما تبعهما بعض نشطاء
اليسار بالمغرب ينتقدون ازدواجية خطاب الإسلاميين، خصومهم الإيديولوجيين.


فقد كتب المحامي الحبيب حاجي، متهما ماء العينين بـ “المتاجرة بالدين،
ومتبرجة بأموال دافعي الضرائب في البعثات والمهمات خارج أرض الوطن”، وأنها
“تستغل الخلفية الدينية للمغاربة للوصول إلى مكاسب سياسية”.

وعلق القاضي المعزول،  والمحامي بهيئة تطوان، محمد الهيني، في تصريح لموقع “اشكاين”،
أن “فضائح أمينة ماء العينين، البرلمانية وعضو الأمانة العامة لحزب
العدالة والتنمية، يعرفها العام والخاص بكل ربوع المملكة، ويكفيها قضاياها
الجنسية التي شغلتها”.

وما لبث أن تبعت هذه التدوينات والتصريحات تعليقات العديد من الفعاليات
اليسارية، التي انخرطت في الحملة ضد النائبة البرلمانية الإسلامية،  فقد
كتب صلاح الوديع على موقع “هسبريس”،
مقالا بعنوان قدحي: “دردشات متأخرة: في موضوع السيدة آمنة والحجاب”، يتهم
فيه حزب “العدالة والتنمية” باستغلال الدين في المعارك السياسية، والرموز
الدينية كالحجاب، وكذلك بالازدواجية في الخطاب السياسي، حيث كتب: “فليس
أخلاقيا (بالمعنى الفكري والفلسفي لا المعنى الدارج) أن تعمد جماعة ما
(سياسية- دينية) إلى خلق وتقديم صورة العفاف إلى العامة في شكل حجاب أو
لحية أو ما شابه، على اعتبار أن المختلف عن ذلك ساقط دينيا وأخلاقيا أصلا،
وتحصد من وراء ذلك حظوة وسلطة (ولو هزُلت) ومنافع، ثم تعمد الجماعة نفسها
أو من يمثلها رمزيا وسياسيا إلى التخلي عنها فرديا وفي فضاء خارجي بعيد –
مبدئيا – عن عيون العامة، كأنما يقترف فعلا مشينا…”

يساريون يناصرون ماء العينين

ومقابل هذه الحملة التي استهدفت تشويه سمعة القيادية ماء العينين، التي
عرفت بآرائها المنتقدة، داخل حزب “العدالة والتنمية”، وبمواقفها المساندة
لحراك الريف وجرادة، ولمعتقلي الحراكين، برزت العديد من التعليقات المساندة
للنائبة البرلمانية والمتظامنة معها، ليس فقط من داخل قبيلتها السياسية،
وإنما أيضا من فعاليات يسارية بارزة اعتبرت أن مهاجمة النائبة البرلمانية
أمينة ماء العينين، هو استهداف بالدرجة الأولى لها كإمرة قبل أن يكون
استهداف لحزبها “العدالة والتنمية”.

فقدكتبت الناشطة الحقوقية اليسارية، لطيفة البوحسيني تدوينة على صفحتها
على فيسبوك قالت فيها: “إن ما تتعرض له البرلمانية أمينة ماء العينين  من
محاولة بئيسة ومنحطة وبليدة لتشويه سمعتها، هو بسبب جرأتها في التعبير عن
مواقفها واطلاعها بمهامها الحزبية والسياسية”.

معبرة عن دعمها لماء العينين في استهدافها السياسي، قائلة: “كل التضامن معك أمينة وكل السند المعنوي صديقتي”.

وفي نفس السياق كتب القيادي في حزب “الاستقلال”، عادل بنحمزة معبرا  عن
تضامنه مع أمينة ماء العينين في تدوينة على فيسبوك ومعلقا: “كل التضامن مع
السيدة أمينة ماء العينين”.

وعلى نفس المهج عبرت ابتسام عزاوي، النائبة البرلمانية والقيادية في حزب
“الأصالة والمعاصرة”، عن تضامنها مع البرلمانية ماء العينين في حملة
التشهير التي تتعرض لها قائلة: “تضامني التام مع السيدة النائبة المحترمة
أمينة ماء العينين على إثر الهجمة الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها.
المنتخبين والمسؤولين يجب محاسبتهم صحيح … لكن بالاحتكام إلى أدائهم
ونتائجهم ومدى وفائهم بالعهود والبرامج لا على أساس حياتهم الشخصي”.

أما حزب “العدالة والتنمية”، فقد عبر أعضاء فريقه النيابي، عن تضامنه مع
زميلتهم على خلفية ما تتعرض لها من “تشويه لسمعتها ومحاولة لتصفيتها
معنويا وسياسيا”، ، حيث اتهم الفريق النيابي للحزب الجهات التي تقف خلف هذه
“الحملة المسعورة”، بفقدانهم للمصداقية والمهنية والموضوعية، وجاء في نص
البلاغ: “يُتابع فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، بامتعاض وأسف شديدين،
الحملة الإعلامية غير الأخلاقية والمشبوهة والمسعورة التي تشنها، ضد عضو
الفريق النائبة البرلمانية ءامنة ماء العينين، أطراف فاقدة للمصداقية والتي
تنتمي ظلما وبكل أسف لمهن نبيلة كالمحاماة والاعلام والتي يقتضي شرف
الانتماء اليها تحري المهنية والموضوعية والمصداقية والترفع عن الأحقاد
وتوقير الأعراض”.َ

أغلب المدافعين عن ءامنة ماء العينين، لفتوا الانتباء الى وجهة نظر
واحدة، أن الاستهداف الحقيقي هو استهداف لمواقفها، ومن وراء ذلك حزبها
أيضا. أما المنتقدين للنائبة البرلمانية الإسلامية فقد وجهوا سهامهم لتصفية
حساباتهم السياسية مع حزبها الاسلامي، متهمين ماء العينين  وحزبها
بالازدواجية في الخطاب السياسي، والاتجار بالدين.

تاريخ من الصراع الطويل

وعلى خلفية هذا النقاش عادت إلى الذاكرة حلقات الصراع الطويل بين الدولة
العميقة، والرموز والهيئات السياسية التي عارضت الدولة أو فقط سعت الدولة
عبر أجهزتها إلى احتوائها من خلال استعمال “سلاح التشهير” والأخلاق لضرب
مصداقية خصومها وتشويه صورتهم أمام الرأي العام والمس برصيدهم المعنوي،
وشكلت هذه الحملات على مدى تاريخ المغرب المعاصر معارك ضارية كانت تحتد عند
اقتراب كل استحقاق سياسي، سواء كان انتخابيا أو غير انتخابي.

وفي السنوات الأخيرة، التي تحول فيها حزب “العدالة والتنمية” إلى رقم
صعب داخل المعادلة السياسية المغربية، تم استهداف الكثير من رموزه بحملات
“تشويه”، كان المقصود من ورائها هو الضرب في صورة الحزب المعنوية، والمس
برصيد قيمه الأخلاقية.  ففي عام 2016، وفي عز احتدام المعركة بين الحزب
وخصومه، قبل الانتخابات التشريعية، للسنة ذاتها، برزت قضية القيادين
البارزين في حركة “التوحيد والإصلاح” (الذراع الإيديولوجي للحزب)، فاطمة
النجار وعمر بنحماد، عندما تم التشهير بهما، بعد أن تمت ملاحقتهما صباحا
قرب إحدى شواطئ المحمدية وهما معا دخل سيارة واحدة، وتم اعتقالهما
وتقديمهما للمحاكمة بتهمة الفساد والخيانة الزوجية.

وقبل حزب “العدالة والتنمية”، تم استعمال نفس “سلاح التشهير” ضد جماعة
“العدل والإحسان” المعارضة، عندما استهدفت قياديتها نادية ياسين، بداية
الألفية الحالية، بنشر صور لها رفقة أحد أعضاء الجماعة عندما كانا يحضران
إحدى اللقاءات السياسية خارج المغرب. ونجحت الدولة العميقة إلى حد ما في
التأثير ولو معنويا على نادية ياسين، الوجه النسائي المناضل داخل الجماعة،
والتي توارت عن الأنظار بعد تلك الحادثة.

وتتعدد القضايا والأحداث والأمثلة الكثيرة على استخدام هذا “السلاح
الفتاك” الذي تخرجه الدولة العميقة في وجه خصومها يساريين وإسلاميين، من
قضية رشيد غلام (عندليب جماعة “العدل والإحسان”)، إلى قضية “الكوبل
الحكومي” التي أزحت وزيرين إسلاميين من منصبهما الحكوميين هما حبيب
الشوباني وسمية بنخلدون،  كلها قضايا شهدت على محاولات عديدة لترويض الحركة
الاسلامية، وإدخالها خانة الأحزاب التي ضُبطت بامتياز، فأصبحت لا تقول نعم
أو لا، إلا بإذْن آذنٍ.

سلاح التشهير

إنه “سلاح التشهير”، ودخيرته “الأخلاق” تلجأ الدولة العميقة لإخراجه
كلما دعت الضرورة لقضاء حاجة واضحة في نفسها، أو لمواجهة خصومها. وهو سلاح
أبان حتى الآن عن فعاليته، ليس فقط في القضاء على الخصوم السياسيين، وإنما
من خلال توسيع هوة الاستقطاب بين الإسلاميين واليساريين لضرب بعضهم ببعض.
وهو كذلك سلاح  ذو حدين، فبقدر ما يدمي المستهدفين فإن أثاره ترتد على
مستعمليه ولو على المدى البعيد، لأن من يلجأ إلى استعمال مثل هذا السلاح
“المحظور” أخلاقيا في معارك سياسية، للطعن في مصداقية خصومه يصبح هو الآخر
عرضة للشك في مصداقية انتصاراته التي غالبا ما تأتي بالضرب من تحت الحزام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى