رأيسلايد

علي هرماس يكتب: ” المداويخ ” الفعلي و المفترض












  برحيل بريس علي هرماس/
دخلت حملة المقاطعة التي يشنها عدد من المغاربة أسبوعها الثامن
لمواجهة ثلاث شركات كبرى في محاولة لإجبارها على خفض أسعار بعض المنتجات
الأكثر رواجا، بعد مضي هذه المدة بما فيها شهر رمضان الأبرك الذي راهنت
عليه بعض الجهات بشكل أو بآخر من أجل اختراق قناعة المقاومة، لا يهم ان كان
خيار المقاطعة للعلامات التجارية المعنية عفويا أم مقصودا، بقدر ما يهم
حدة وقوة تفاعل المجتمع مع الحملة، مقابل ردود الفعل التي خلقتها لدى أرباب
الشركات الثلاث التي تتموقع ظاهريا في مستوى واحد استثماريا.

بعد طول صمت وانتظار وترقب، وزير المالية في خروج سمعي-مرئي وجه
اتهاما واحتقارا للمغاربة المقاطعين واصفا اياهم ب”لمداويخ”، بعده طلع
المستفيد الأكبر من ريع الدولة لفائدة شركته، ودعما معنويا لغيره، بتصريحات
تهكمية لمكرفونات الاعلام الخاص : “لو اجتمعت مليشيات الفايس بوك ديال
العالم كلو لن نتراجع”، تصريحين جلبا عليهما وبقية الحكومة سيلا من
الانتقادات اللاذعة والسخرية الماكرة على صفحات التواصل الاجتماعي ما جعل
المجموعة تلوذ بالصمت وتبلع لسانها الى حين …

وصلت تداعيات الحراك الشعبي الى قبة البرلمان ليطرح كسؤال ،
طبعا ونحن كمتتبعين مهتمين بالقضايا البرلمانية الشعبية وليس التشريعية،
تعودنا أن نشاهد ونسمع حزب أو فريق أو مجرد برلماني يقف بالمدرج في محاولة
لتبني القضايا الشعبية، وكانت فرصة جد مناسبة لأحد البرلمانيين النجم
المشاكس كي يرغي ويزبد ملوحا بكلتا يديه كادت معها
la veste
أن تسقط من فوق كتفيه، أما ربطة العنق فارتمت الى ظهره بدل صدره، ذكرنا
بخرجات فتح الله ولعلو رئيس تكتل فريق الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال
قبل الاستوزار ، البرلماني اتهم الحكومة كونها احتقرت الشعب بنعتها له ب”
لمداويخ”، الوزير المنتدب المكلف بالحكامة الذي كان حاضرا بالجلسة العمومية
ليجيب على أسئلة البرلمانيين، رمى باللائمة على “من تفوه بالكلمة – لم
يسميه وزيرا- وعليه تحمل مسؤوليته وليس الحكومة  وأن الحكومة لديها ناطق
باسمها ها هو حاضر معنا … “

مع حلول الشهر المبارك يخرج رئيسهم على المستوى الحكومي وليس
الاستثماري، الخبير بعلم النفس وليس الاقتصاد والتسيير، ليتوسل ود
المقاطعين بوقف الخصام ونسج المصالحة بمناسبة الشهر الفضيل، وهو نفس مطلب
الود الذي ساقته شركة الحليب من خلال وصلات اشهارية متتالية، كأن الطرفين
الحكومي والاستثماري اتفقا على صيغة طلب ود لمصالحة؛ يأتي هذا بعدما لم يجد
شيئا الوعيد بالمتابعة والتهديد بالسجن الذي طلع به رئيس الحكومة على
صفحته للتواصل الاجتماعي، وزكاه بالتبني بشكل رسمي ناطقهم في الحكومة.

بعد التدخلات الحكومية على أعلى مستوياتها وصفة أعضائها، دخلت
على الخط القنوات التلفزية للإعلام الخاص والرسمي وشبه الرسمي، الأخير نقصد
بها القناة الثانية 2
M، بطبيعة الحال
لن تحيد عن توجهها المعهود في نشرات الأخبار الرئيسية، خاصة لما يتعلق
الأمر بأخبار الاثارة والفضيحة أو بحدث شعبي محلي أو وطني، وهو حال النازلة
المطروحة التي أفرزت منها القناة التلفزية موضوع مقاطعة حليب شركة سنطرال
دانون دون بقية المنتوجات المعنية بالحراك الشعبي، لترحب في بلاطو الأخبار
برجل له خبرة في الاقتصاد والاستثمار الدولي قبل الوطني، لم يكن سوى
Didier Lamblin
الرئيس المدير العام سابقا لشركة سنطرال دانون بكل من النمسا وجنوب
أفريقيا والمكسيك  قبل المغرب؛ كانت مجمل تصريحاته على بلاطو نشرة الأخبار
الرئيسية بالفرنسية ليوم 30 أبريل 2018 متزنا في أجوبته على أسئلة احسان
بنبل مقدمة النشرة، أجوبة مؤطرة بالعقلانية ، محكمة بمنطق التسيير والتدبير
التجاري المحض الذي لا يراعي بالضرورة الاكراهات الشعبية، بعيدا عن أي
تنطع أو تحدي أو زلة لسان تجر عليه وشركته الويلات، خلافا لما ألفناه
وتعودنا عليه من المسيرين رفيعي المكانة الادارية أو المسؤولية أبناء
جلدتنا .
PDG شركة الحليب أخذ 04:7
دقائق من أصل 18 دقيقة المخصصة للأخبار ككل، ما يعني أهمية الموضوع بالنسبة
لمديرة الأخبار بالقناة الثانية ومحاباتها لحلف الباطرونا
المغربية-الفرنسية، مع عدم تقديم اعلام نزيه متجرد على غرار القناة الثانية
بفرنسا التي أنجزت ربورطاجا دوليا يهم خروقات خطيرة وتقديم رشاوى ودعاية
مغلوطة
mensongère بعدد من الدول، قامت بها شركة سنطرال دانون من خلال منتوجها المصنع ياغورت ACTIVIA  .
يمكن للمتتبع النبيه من خلال ربورطاج قناة 2M الذي أنجز  بإحدى تعاونيات تجميع الحليب بمنطقة برشيد، ملاحظة الفرق بين قراءة التعليق أثناء تقديم نشرة الأخبار بالفرنسية بحضور Didier Lamblin
تحريف الترجمة الى الفرنسية لتحميل “المسؤولية للمقاطعة الشعبية ما يهدد
بإفلاس الشركة وتشريد عدد من المتضررين” المواطن هو المسؤول، بينما نشرة
المسائية باللغة العربية قدم الربورطاج كما سجل ليصرح المكلف بمركز تجميع
الحليب ببرشيد ” اضطرنا نخويو 2 طن  لي رابت فالباك دلحليب باش نلقاو فين
نديرو هاد جديد لأن لكاميو لي كيجمعو ما جا ياخدو” مسؤولية الشركة، هكذا
تنضم القناة التي تجمعنا لحلف حكومة الباطرونا من خلال  بث ربورطاج بقراءة
أصلية وترجمة محرفة لخلق المستمع المشاهد “مداويخ”.

القناة الخاصة Medi1TV من
جهتها لم تتخلف عن تناول موضوع مقاطعة الحليب أكثر من غيره ومتابعة
تداعياته الاجتماعية والشعبية، يوسف بلهايسي معد ومقدم برنامج ساعة
للاقناع  حلقة السبت 2 يونيو 2018 والتي استغرقت 52:57 دقيقة، استضاف
للحوار  وزير الحكامة واعتمد في مناقشته على ما هو صحافي مهني، قبل
الاستئناس بردود الأفعال من صفحات التواصل الاجتماعي لاستفزاز الوزير ، وقد
توصل الصحافي الى ذلك ببساطة، بحيث وبدون شعور من الوزير، أكثر من مرة بدى
مقطب الجبين جاحظ العينين متهكم ومستخف بالشفتين ولم يكف عن التلويح بكلتا
يديه مثل ماسح الواقي الزجاجي
essuie glace
لتأكيد نفي عدد من الأسئلة، وأقوى تلك اللحظات في الدقيقة 24:30 من
البرنامج، دون ان يتخلى الوزير عن تقمص دور محام الشركة الفرنسية سنطرال
دانون، المكافح المنافح عنها بدريعة خوفه من تشريد الفلاحين والعمال الذين
كان عددهم في البداية 120 ألف ليتجول الى نصف مليون في البرنامج التلفزي،
متناسيا أو متجاهلا مطلب 40 مليون مغربي، وأن الشركة التي نصب نفسه محام
لها من دون سند اداري ولا توكيل قانوني تملك أكبر حصة استثمارية بالمغرب،
تخول لها تحديد سعر البيع بالسوق من داخل اطار الفدرالية البيمهنية
المغربية للحليب
FIMALAIT ، يضاف
لاستغلال شركة سنطرال دانون، أنها تدفع للمنتج ثمن 2.40 درهم للتر ، بينما
منافستها الوحيدة بالمغرب كوباك جودة تدفع 3.00 دراهم للفلاح، وحديثنا عن
الحليب الغير المصنع فقط، بالتالي لا يمكن أن توجد شركة أخرى تحقق أرباحا
أكثر من المعنية بالمقاطعة، كما صرح الوزير في البرنامج وبالقناة الأولى
قبل ذلك ،في تلميح للمنافسة  جودة.

يذكر أن مهنيي القطاع يلتئمون في تكتل استثمار هو الفدرالية البيمهنية المغربية للحليب FIMALAIT وقد سلم رئيسها مولاي أمحمد لولتيتي PDG كوباك رئاسة الفدرالية الى Didier Lamblin PDG سنطرال قبل أسابيع حسب النسخة الاليكترونية من مجلة TELQUEL
عدد 815 بتاريخ 8 – 14 يونيو 2018. بناء عليه تبقى شركة سنطرال دانون لحد
الساعة هي المتحكمة في قرار سعر البيع للمواطن من داخل الفدرالية البيمهنية
المغربية للحليب، ولما تخفض ثمن البيع سيكون القرار ملزما لبقية الشركات
والتعاونيات بالمغرب.

هكذا تكون العدالة الاجتماعية والتنمية الوطنية، شعار حزب جعل
منه وزيرنا قلنسوة للرأس يضعها ويرفعها تبعا للمواقف الحكومية أو السياسة
الحزبية أو حتى القناعات الشخصية كنازلة الحال هذه، لدرجة أن السيد أشكلت
عليه المقاصد واختلطت عنده المفاهيم النضالية لم يعد معها يفرق بين
المسؤولية الحكومية والتمثيلية النقابية، ما دفع به للخروج ليلا والانضمام
للاحتجاج المفبرك الذي تطلب أسطول حافلات فاخرة ومائدة رمضانية بنفس
الفخامة، لم تفلتها هواتف الهاشتاك؛ السيناريو يستحيل أن يكون ممولا من
جيوب المتنقلين للتجمهر أمام مقر البرلمان، عوض تنظيم الوقفة أمام مقر شركة
سنطرال دانون وهو عرف الاحتجاج على الطرد من العمل، لينضم الى المحتجين
وزيرنا المسؤول الحكومي “المحام” كي يهمس بالشعارات في أذن متزعم الاحتجاج
بهدف توجيه خطاب الشجب والتنديد وحصر مضمونه من الشمولية الاقتصادية الى
الخاصية الفلاحية فقط. خرجة غير محسوبة الأبعاد وتداعياتها الحكومية
والسياسية على حزب المصباح الذي خفت وهجه مند الحكومة السابقة.

بعد هذا عقدت الأمانة العامة لحزب المصباح اجتماعا طارئ يوم
الأربعاء 21 رمضان 1439/6 يونيو 2018 على خلفية الوقفة الاحتجاجية وانضمام
وزير الحكامة اليها وطالبته بتقديم طلب الاعفاء من المسؤولية الحكومية.
لماذا طلب الاعفاء وليس تقديم الاستقالة ؟؟ بعد الاستقالة يعود الوزير الى
منصبه كبرلماني لا يتمتع بأي مستحقات عن نهاية الخدمة الحكومية، بينما
الاعفاء يخول له الحصول على 70 مليون كاش، وتقاعد 4 مليون شهريا، و3 مليون
ونصف أجرة شهرية كبرلماني، وبطاقة الطريق السيار والقطار والمبيت بالفندق ،
وبونات المازوط من شركة أفريقيا مدفوعة الثمن مسبقا قد تصل الى 5 آلاف
درهم شهريا بحسب مسافة تنقل البرلماني، جميع المستفيدين لا يستهلكونها
ليبقى المستفيد الأكبر شركة أفريقيا …

للإنصاف والحقيقة التاريخية، حالة وزير الحكامة ليست استثناء في
المشهد الحكومي بالمغرب، بل سبقتها حالة الوزير الذي بدد 22 مليار درهم
وتم اعفاءه، ليطل علينا مع حكومة لاحقة بابتسامة ماكرة من أعلى منصة
البرلمان وهو يرأس جلسة أسئلة شفوية مباشرة، ثم يصف المغاربة
بالجياع/جيعانين على خلفية نفس الواقعة الاجتماعية الشعبية، وقبله بدرجة
أقل وزراء من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في حكومة الوحدة الوطنية لإنجاح
الانتقال الديمقراطي خذلوا سي عبد الرحمان اليوسفي وكان من بين اسباب
اعتزاله السياسة بشرف وعفة ما جعله كبيرا في أعين الرفاق والخصوم على
السواء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى