رأيسلايد

الله وتجلياته في الانسان عند ابن عربي

بقلم – ذ عبد الفتاح…
ان الله عند ابن عربي يتجلى في العالم لا من حيث ذاته، فهو منزه عن ذلك، ولكن من حيث اسمائه الحسنى. لكن كيف ؟
إن
سؤال الكيف ربما سيرفع اللبس/الغموض الى حد ما. لأنه كما هو معلوم تم
تكفير محيي الدين ابن عربي ، أو كما يفضل ابن تيمة نفسه تسميته بمميت
الدين. لكن الاشكال أين ؟
تجذر
الاشارة مرة اخرى أن عصر ابن عربي القرن 12 ساد التشدد والتعصب للدين وسفك
الدماء( وما وقع للحلاج والبسطامي وغيرهما كافي ليبين تاريخ ذلك
العصر).فربما عتاد المتصوفة قول ما يشعرون به ” المعرفة المباشرة
بالأشياء”  هذا من جهة، و من جهة أخرى اللغة التي يكتب بها المتصوفة تحمل
أكثر من معنى ( ظاهرها لا يحيل بالضرورة على صدقها ، مادام هناك ظاهر في
مقابل ما هو باطن ). لنقف هنا ولو للحظة عند هذا التجلي الذي يتحدث عنه ابن
عربي، حتى لا نكون ممن قال فيهم :
” الحُكْم نتيجة الحِكمة، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حكمة له لا حُكْمَ له، ومن لا معرفة له لا علم له”
يتحدث
ابن عربي في الفتوحات وفي مجموعة من الكتيبات عن اسماء الله. و الاسماء
الحسناء هي اسماء لها مرتب ودرجات (يمكن ارجاء الحديث عنه في غير هذا
الموضع) ، فهي الخيط الفاصل /الناظم بين الله والعالم/الانسان. فالدائرة
مطلقة غير مرتبطة بالنقطة، والنقطة مطلقة غير مرتبطة بالدائرة، ونقطة
الدائرة مرتبطة بالدائرة، بناءً على هذا القول يتضح على ان جل جلاله منزه
عن كل شيء من حيث ذاته ( النقطة مطلقة) لكن هو اي الله من حيث اسمائه متجلي
في الانسان .( هنا لابد لك أن تميز بين وحدة الوجود، والاتحاد ،  الحلولية
) والانسان عند ابن عربي جاء في فصوص الحكم باعتباره ” جرم صغير وفيه
أنطوى العالم”.بمعنى أن الله أول ما أوجد العالم اوجده شبحا، فسواه من خير
روح ،ربما أشبه بمرآة غامضة لا يمكن ان ترى فيها نفسك/ اي لا تعكس الصورة
.لكن عند حصول هذا التجلي كان الانسان، فكان هو المرآة الصافية/ الواضحة
للعالم، لانه تجلت فيه أسماء الله الحسنى ، لأن الأمر كله منه تعالى، وإليه
يرجع الامر.
إن
الخلل/ التشبيه في فلسفة ابن عربي لا تخلو من السب والتكفير في كثير من
المواضيع.  فالمتتبع لفكر محيي الدين ابن عربي خاصة في الفتوحات المكية
سيجده يفصل بين أمرين:
الأمر
الأول الله كجامع للاسماء، والأمر الثاني  الله كخالق للكون، فعندما يتحدث
عن الأمر الأخير  يقول ( فالله تعالى . جل جلاله، الواجب الوجود، الحق
تعالى …).   
ووفقا
للحديث المعتمد في التصوف “كنت كنزا مخفيا لم أُعرف فخلقت الخلق فبي
عرفوني” (حديث لم أجد له أصله) وفق هذا الحديث، يرى ابن عربي أن الله خلق
العالم عامة ،والانسان خاصة. وذلك ليرى نفسه في صورة تتجلى فيها (ليس هو اي
الله كما يعتقد البعض) بل صفاته وأسماؤه. لكن حتى لا نفهم الامور من زاوية
دون أخرى.نجده يحاول أن يميز بين الذات الالهية باعتبارها ذات متعالية
منزهة عن كل شيئ، كما سبقت الاشارة الى ذلك، وبين أسمائه وصفاته التي هي
طرف في الاتصال مع العالم من جهة، ومع الله من جهة أخرى. فدائما ابن عربي
ينبه الى مسألة فهم الظاهر دون الباطن أو العكس،(هذا الاشكال الظاهر/
الباطن سيتجلى مع المعتزلة بشكل كبير ) بل يؤكد عليهما معا في فهمنا
للامور، لأن التأويل كله شر حسب تعبيره. لكن الاشكال مازال مطروح ،وهو
اشكال التجلى في الانسان. فكيف يتم ذلك ؟
لقد
كانت مشيئة الله أن يرى نفسه في العالم والانسان خاصة. يقول ابن عربي في
كتابه فصوص الحكم “لما شاء الحق سبحانه من حيث اسمائه الحسنى التي لا
يبلغها الاحصاء ان يرى أعيانها ،وإن شئت أن يرى عينه في الكون جامع
…فاقتضى الأمر جلاء مرأة العالم، فكان آدام عين جلاء تلك المرآة وروح تلك
الصورة …” نفهم من هذا النص أنه تعالى شاء أن تتجلى حكمته في كلمة، هذه
الكلمة هي الانسان ( سيعبر عنها في كتاب فصوص الحكم بكلمة ادمية، كلمة
نوحية، …اسماء الانبياء والرسل عامة ). فالانسان هو أصل الوجود ومبدأ
الصلة بين الله(اي أسماؤه وصفاته) وبين العالم، “وقد قال تعالى في الانسان ”
ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر والبحر “(سورة الاسراء أية 70)، لهذا
فإن فناء الانسان هو فناء للعالم، يقول ابن عربي “لا تحسب انك جرم صغير
وفيك أنطوى العالم”. والفناء في نظر ابن عربي هو أن الإنسان العادي لا
يستطيع رؤية الحق في صوره المتنوعة بسبب التفرُّع الأصلي لوعيه إلى ذات
وموضوع؛ إذ أن الذات المتميِّزة عن الموضوع، أي الأنيَّة، مصنوعة بحيث إنها
لا تتعرف في عالم الظواهر إلا على تكتلات من الأشياء المتكثِّرة بوصفها
موضوعات عديدة للمعرفة. بذلك  على المرء، لكي يتجاوز/يتخطى الرؤية العادية
عليه تجاوز أفق الكثرة الأونطولوجية. لأن السلوك الروحي شاق و محفوف
بالأهوال، فاتجاه هذا المقصد يقود المرء أخيرًا إلى اختبار ما يصطلح عليه
الصوفية بـالفناء. و”الفناء”، اصطلاحًا،كما يقول القاشاني يعني اضمحلال
الأنية، وينطوي على تلاشي عالم الوجود بأسره؛ إذ إنه حيثما لا توجد أية ذات
عارفة لا يوجد، بالتالي، أيُّ موضوع معروف.
في
الاخير لا يمكن أن نقول أو ندعي اننا توفقنا في فهمنا فكر لابن عربي أو
وصلنا الى معرفة مطلقة، بقدر منقول هو مجرد إجتهاد. فاذا أصبنا فمن الله
وإن اخطأنا فمن انفسنا.

المراجع :
1 الفتوحات المكية
2 فصوص الحكم
3 أسماء الله الحسنى الجزء 1
4 مصطلاحات للقاشاني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى