رأيسلايد

العمل الجمعوي بين المبدئية والتطوع والانتهازية والاحتواء..

إبراهيم ايت احمد؛


العمل الجمعوي هو مجموعة من الجمعيات، و الجمعية هي جماعة من الأفراد اتفقوا على هدف واحد ويتقاسمون رغبة واحدة للقيام بنشاط معين لفائدتهم (كجماعة) أو لفائدة مجتمعهم في إطار التعاون والتطوع وممارسة الأنشطة والعلاقات التي تقوم بها الجمعية تربويا وثقافيا وفنيا واجتماعيا ورياضيا، وهذا يؤدي إلى خلق حركة  ديناميكية ونشاط بينهم وبين مجتمعهم، فوجود تنظيم يعني وجود أفراد تربطهم علاقات ويقومون بأنشطة تحقق أهداف مسطرة مسبقا في القانون الداخلي للجمعية، و من الناحية النفسية فالجمعية هي الحاجة الى كل ما يتطلبه الإنسان لسد ما هو ضروري ولتلبية رغباته أو لتوفير ما هو مفيد لتطوره ونموه. والعمل الجمعوي الحقيقي هو الذي يستهدف خدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه وتحقيق طموحاته وليس ذلك العمل والفعل الانتهازي الذي يسعى القائمون به لتحقيق مصالح ذاتية وحزبية سياسوية محضة لا تستحضر المصلحة العليا للمجتمع.

العمل الجمعوي إذن هو فعل جمعوي واع بمهامه وأهدافه تحكمه رؤية استراتيجية واضحة وأهداف دقيقة بمثابة صوى ومنارات يسترشد بها وله قيم ومبادئ توجهه وتمنعه من الانحراف عن تلك الاهداف الواضحة كما تحمي مؤسساته من التحول إلى مؤسسات للاسترزاق وتحقيق المصالح الذاتية والحزبية بعيدا عن مصالح العامة، إنه بذلك فعل يستلزم تربية القائمين عليه تربية مجتمعية أخلاقية حقيقية.وتعتبر المجهودات الجبارة التي قام بها الفاعلون الجمعويون الشرفاء النزهاء بمثابة هزة أرضية حركت عروش رؤساء الأحزاب السياسية، لأن العمل الجمعوي استغل الهوة الكبيرة التي تتوسع يوما بعد يوم، بين برامج الأحزاب السياسية الموسمية وتطلعات المواطنين. لذلك فطن السياسيون لهذا الخطر الذي يحاول اجتثاثهم من مراعيهم الخصبة التي تجذروا فيها، الأمر الذي جعلهم يتسابقون في تأسيس الجمعيات والتعاونيات بل وحتى احتواء جمعيات سبقتهم للميدان، لكي تخدم مصالحهم وتدافع عن برامجهم وحتى مذاهبهم.فبعدما أحس السياسيون بسفنهم تغرق لأن رياح الانتماء الحزبي لم تعد قادرة على دفعها، أداروا أشرعتهم اتجاه رياح المجتمع المدني المنسابة بلا توقف، ساعدهم في ذلك الوصوليين الذين يختبئون في ثوب العمل الجمعوي. فأبحر الجميع في الفوضى واستغلال النفوذ والمأرب الشخصية الضيقة مبتعدين عن الغاية الأسمى للعمل الجمعوي.

هنا نرى بعض هؤلاء السياسيين يسعى جاهدا إلى تأسيس جمعيات في مجال نفوذه (ضيعته السياسية) ولو على حساب وحدة صف الأهالي والقبائل وسكان القرى. فكم من دوار أدت به تلك الممارسات السياسوية الانتهازية إلى الانقسام إلى قسمين وأكثر؛ فداخل دوار واحد يمكن أن تجد فئة مستقلة تحارب الاحتواء وفئة أخرى هدفها هو “خلق” أتباع لزعيم سياسي وفئة أخرى لزعيم آخر، وكل ذلك تحت لواء’ الجمعيات والعمل الجمعوي’.التف السياسي على الجمعوي، وجعله ميسرا في خدمته، حتى أصبح كل رجل سياسة أو منتخب له جمعيته أو جمعياته التي تروج لبرامجه وتطلعاته. فالبرلماني محاط بمجتمعه المدني، ورئيس الجماعة له جمعياته ونشطائه والعضو الجماعي له جمعيته أيضا، وكل جمعية حرة نزيهة لا مكان لها بينهم ولا دعم لها ولا مستقبل ينتظرها فإما أن تكون خادما مطيعا منبطحا أو أنك مرتد عن ملتهم.وكثيرا ما يحاول رؤساء الجماعات المحلية احتواء الجمعيات المتواجدة في نفوذه وان فشل في احتوائها يسعى لتقسيم أعضائها لقسمين على أساس إعادة انتخاب مكتبها وفق تطلعاته. ولا عجب ان صرخ أحدهم “سأقوم بتغيير مكتب تلك الجمعية” رغم أنه لا عضوية له في مكتبها ولا عجب أيضا أن يقول “تلك جمعياتي وهؤلاء اعضائي”..لقد أصبح العمل الجمعوي وسيلة فعالة في يد السياسيين الفاشلين الذين يقودون هذا البلد إلى الهاوية، وأصبح كم هائل من نشطاء العمل الجمعوي لا هم لهم سوى الترصد للغنائم التي يقدمها لهم المنتخبون. فكل طرف يخدم الطرف الأخر، والضحية المواطنون البسطاء الذين يتم حشرهم باستمرار في المساجد والمدارس ودور الأعيان من أجل انتزاع توقيعاتهم.

لقد تحول دعم الجمعيات والتعاونيات إلى مشاريع عائلية تدر أموالا طائلة على بعض العائلات، التي تغلغلت في الأوساط الهشة وخاصة في القرى النائية. تم التحايل على النساء والصبيان والشباب، وتقديم وعود كاذبة في أبشع مظاهر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.يقال عادة أن أغلب المنتخبين، وخاصة في العالم القروي، أميين ولا يقدرون المسؤوليات الموكلة إليهم، لكن بالنظر إلى ما يقدمونه لعائلاتهم وما يخدمون به مصالحهم، فهم أشطر ممن هم حاصلون على أعلى الديبلومات. فهم دكاترة في نهب خيرات ومقدرات المواطنين والوطن. تم يعمدون إلى تأسيس الجمعيات، يقحمون فيها قرويين فقراء بسطاء إلى حد السذاجة.

كنا نتطلع إلى المجتمع المدني كمخلص مما أفسدته السياسة، لكن وقد اتحدا معا فلا مفر. ولا يمكن لعجلة الإصلاح أن تدور في مثل هذه الأرضية المبللة بالنفاق السياسي وتواطؤ المجتمع المدني.



Displaying DSC_0005.jpg

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى