المجتمع البيضاني بين المكون القبلي والارتباط الوطني.
اسرار بريس: بقلم الاستاذ / الحسين بكار السباعي
سنحاول من خلال هذا الموضوع الوقوف على دلالات المكون القبل وارتباطاته الوطنية من خلال مجموعة من النقط ،تكون اولاها تحديد مفهوم المجتمع البيضاني والذي ظل في إطاره البدوي حتى حدود منتصف سبعينيات القرن العشرين ،وظل ابناؤه يعتمدون نمط حياة التنقل والترحال من مكان الى آخر ،منظمين على المستوى الأفقي على شكل قبائل وعموديا على شكل فئات اجتماعية متراتبة ،لكل فئة منها وظائفها وحدودها الاجتماعية والاقتصادية التي تؤطرها .
يمكن القول ان عالم البيضان يمتد على رقعة جغرافية واسعة تسمى محليا ثراب البيضان وأكاديميا بلاد البيضان وتضم الى جانب الأقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية، الجنوب الغربي للجزائر وأجزاء واسعة من موريتانيا ،ثم بعض بطون انتشار قبيلة البرابيش في دولة مالي ،ويمكن بإختصار تعريف هذا المجال من وجهة نظر لسانية بأنه مجال إنتشار الناطقين باللهجة الحسانية .
وعن القبيلة بصفة عامة فإنها قدر كوني ،لأن الله سبحانه وتعالى خلق البشرية شعوبا وقبائل ،قال تعالى في محكم كتابه :”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير”.
وعن المكون القبلي ،فالمتفق عليه في جل المراجع العلمية والروايات الشفاهية أن القبائل والمجموعات البشرية التي استقرت بالصحراء المغربية مند القدم تضم :
-القبائل الصنهاجية كاقدم المجموعات البشرية التي سكنت قبائل البيضان ،ويمتد مجال إنتشارها على طول المحيط الأطلسي فيما بين نهر السنغال جنوبا ومنطقة سوس ودرعة شمالا .
-القبائل الحسانية : تنتمي القبائل الحسانية الى القبائل العربية المعقلية
-الزوايا او الطلبة :اهتمت هذه الفئة بنشر العلم في المحاضر والمجالس العلمية لترسيخ الثقافة الإسلامية .
-قبائل اللحمة /أزناكة :وتتكون هذه المجموعة من فئات أزناكة المعلمين أو الصناع، إكاون، التلاميذ .
-قبائل الشرفاء بالصحراء: تضم الصحراء المغربية عدة قبائل تنتمي الى الشرفاء مثل الشرفاء اولاد ابي السباع ،الشرفاء الرقيبات، الشرفاء فيلالة ، الشرفاء توبالت ،وأهل الشيخ ماء العينين وكذا الشرفاء اولاد بوعيطة .
-اتحاد قبائل تكنة وتوزعت على لفين رئيسيين دارت بينهما عدة صراعات طعلى المجال ،وهما :
لف أيت أجمل ويضموالقبائل التالية : إزركيين ويكوت وأيت لحسن وأيت موسى وعلي .
لف قبائل أيت عثمان ويضم القبائل التالية : إد إبراهيم ،أيت حماد أيتوسى ، أيت ياسين ، أزوافيط ، أيت مسعود ثم قبائل الأنصاص وتنقسم بدورها الى القبائل التالية أيت بوهو ، أيت زكري ، أيت موسى أوداود ،أولاد بوعشرة .
أما بخصوص المجال الجغرافي الطبيعي لقبائل الصحراء فيمتد من وادنون وتتجه جنوبا بمحاداة المحيط الأطلسي ومن الساقية الحمراء التي تمتد من الجنوب الى واد درعة ،ثم تليها منطقة وادي الذهب الذي يعتبر جزؤها الشرقي إمتدادا لمنطقة تيرس .
وبعد هذا التحديد الذي نعتدر فيه عن ماقد يفوتنا عن طريق الخطأ أو السهو و دون أن ننسى قبيلة اولاد تدرارين الأنصار وقبيلة أولاد دليم اللتين كان لهما ثأتير كبير في المجتمع البيضاني الى جانب المكونات القبلية السالف ذكرها .
ولابد من الوقوف على ما يطرحه المكون القبلي من تساؤل حول الإرتباط الضارب في عمق التاريخ بين قبائل الصحراء بمجالاتها المذكورة سلفا والدولة المغربية الشريفة ،وإنطلاقا من خاصية التحول والتغير التي تطبع هذا الإرتباط ،فإننا نجزم في غمرة البحث عن غنى ووفرة ما يجسد علاقة سكان المنطقة بوطنهم ، ومن تمظهرات هذا الإرتباط المتجدر في التاريخ ،وسبيل المثال ، المظاهر العسكرية و التي تعود لسنة 1906 ،حيث ارسل السلطان مولاي عبد العزيز مائة بندقية للشيخ ماء العينين تمكن بفضلها من مهاجمة المركز الفرنسي المقام في “تجيكيجة” ومحاصرة حاميته لمدة 20يوما في نونبر من نفس السنة ،وقد احتجت فرنسا رسميا بواسطة قنصلها بفاس وهددت باستعمال السلاح ضد السلطان إن تمادى في إرسال الأسلحة للشيخ ماء العينين بل قامت حينها فرنسا بإرسال سفينة حربية إلى ساحل طرفاية لمنع رسو السفن المخزنية المحملة بالسلاح .
فضلا عن تواريخ هامة جسدت عملية المقاومة لضحض المستعمر الفرنسي والإسباني ببلاد البيضان نذكر منها :
معركة أم التونسي سنة 1932 قرب نواكشوط بموريتانيا وهي من آخر معارك المقاومة في منطقة موريتانيا والصحراء.
وفي عام 1956 بعد عودة المغفور له محمد الخامس من منفاه في مدغشقر كانت بداية نشاط جيش التحرير (يضم بعض العناصر الصحراوية والموريتانية) ضد الإسبان والفرنسيين داخل الصحراء وموريتانيا.
وإجتماع قبائل الصحراء في أم الشكاك بين العيون والسمارة وكان الهدف منه تحديد الموقف الواجب اتخاذه اتجاه الإسبان، وكان بدعوة الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين وحضره حوالي 500 شخص.
وفي سنة 1957 تحرير قوات جيش التحرير للسمارة وبير أنزران وأوسرد بالصحراء ووصولها إلى آدرار بالشمال الموريتاني،الامر الذي اسرع بتوقيع
اتفاق دفاعي بين إسبانيا وفرنسا لمواجهة نشاط جيش التحرير.
و إلى حدود سنة 1958 حيث ثم توغل جيش التحرير في العديد من المناطق الصحراوية،و بداية عملية “المكنسة” (اسم أطلقته فرنسا وإسبانيا على هجوم مشترك قامتا به لتصفية جيش التحرير).
وعن المظاهر السياسية للإرتباط بين المكون القبلي والإرتباط الوطني ،نجد أن رسائل الملوك العلويين لبعض الولاة والقياد الصحراويين ،تعتبر صورة واضحة عن قوة هذا الإرتباط ،فتبعا لعلاقة البيعة التي ربطت على مر التاريخ قبائل الصحراء بسلاطين وملوك المغرب، والتي سنخصص لها موضوعا مستقلا ،حيث كانت هناك العديد من المراسلات التي بعثها سلاطين المغرب لولاتهم وخلفائهم في الصحراء شكلت دليلا قاطعا على التواصل بين شمال وجنوب المغرب أي بين المؤسسة الملكية و القبائل الصحراوية، ونستعرض البعض منها على سبيل المثال لا الحصر .
-رسالة السلطان سيدي محمد بن مولاي عبد الرحمان بن هشام الى الشيخ الحبيب بيروك ،يأمره فيها بتوجيه أسير إسباني قبض عليه الصحراويون الى تارودانت أو الصويرة ويلح عليه في وجوب إحترام السفن التي تتحطم على سواحل الصحراء وتوجيه ما يوجد بها الى سلطات المخزن بالعاصمة .
-رسالة السلطان الحسن الأول الى الحبيب ابن الشيخ مبارك الوادنوني الجلمي ،عن موضوع القبض على الخارجين من الإسبان في سواحل مدينة الصويرة .
-رسالة السلطان الحسن الأول إلى إبراهيم بن مبارك الزركي ،تفيد أن السلطان أضفى عليه حلل التوقير والإحترام والتعظيم وحرره من جميع التكاليف المخزنية والوظائف السلطانية ،عدى الزكوات فهو فيها كغيره .
-رسالة السلطان مولاي عبد العزيز إلى القائد إبراهيم الشتوكي التكني يسند له النظر في مراقبة السواحل من طرفاية إلى رأس بوجدور .
وتبعاً لذلك، كانت قضية الصحراء المغربية دائماً مصدر حساسية كبيرة لدى المغاربة الذين لا ينسون أن الملك محمد الخامس قام بدور أساسي وفعال، خصوصاً بخطابه الشهير بمحاميد الغزلان سنة 1958، الذي أكد فيه على انتماء الصحراء للمغرب.
الى ان أعلن المغفور له الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة بتاريخ 6 نونبر 1975 بقوله رحمه الله : «شعبي العزيز، غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز.» نص مقتطف من خطاب الملك الحسن الثاني بتاريخ 5 نونبر 1975 بأكادير.
فقبل 45 سنة من اليوم أبهرت عبقرية جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، العالم أجمع بحدث الدعوة إلى تنظيم المسيرة الخضراء التي أرادها، رحمة الله عليه، مسيرة سلمية فريدة، لاستكمال الوحدة الترابية للمملكة، مرسخا بذلك ركنا أساسيا من أركان هويتها ونظامها السياسي القائم على أواصر البيعة التي تربط بين العرش والشعب.
مسيرة مكنت الشعب المغربي من استرجاع أقاليمه الصحراوية، وذلك بعد تأكيد محكمة العدل الدولية بلاهاي، في رأيها الاستشاري، أن الصحراء لم تكن يوما أرضا خلاء، وأنه كانت هناك روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وبين الصحراء، وهو الرأي الذي شكل اعترافا دوليا بشرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه المغتصبة.
قضية عادلة استمات في الدفاع عنها الاباء والاجداد ولم يخدلهم في حمل مشعل الدفاع عنها وبدل المزيد من التضحية الابناء والاحفاد جاعلين منها قضية شعب بأكمله ،فقد اكد الملك محمد السادس ومند اعتلاء عرش البلاد أنها قضية المغرب الأولى مؤكدا جلالته على أن الصحراء المغربية ستظل تحت السيادة المغربية “إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”، و أن “مبادرة الحكم الذاتي هي اقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب” لحلّ هذا النزاع المفتعل.
فما تنعم به اليوم صحراؤنا بمختلف جهاتها من رخاء وأمن وتنمية وإزدهار فهو بفضل توجيهات وعناية جلالته حفظه الله .
وعن الإرتباط الديني بين البيضان و المملكة المغربية ،فإن كل السلاطين عملوا على نشر العلم و الدين الإسلامي والدفاع عن المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية ببلاد البيضان وقد قدروا شيوخ القبائل الصحراوية الذين يقومون بهذه المهمة الجليلة بمنحهم ظهائر وإحترام كالتي تمنح لنظرائهم بشمال المغرب ومن الامثلة على ذلك ظهير توقير الطالب إبراهيم بن مبارك التكني لإنتسابه للعلم الشريف ،أكثر من هذا فإنه يتم أحيانا صرف مرتب شهري للقيام بهذا العمل كما هو في الظهير الممنوح من طرف السلطان مولاي الحسن الأول للشيخ ماء العينين إعانة له على ماهو بصدده من بث العلم الشريف ونشره .
ومن بين الارتباطات الدينية الراسخة أن الصحراويين كانوا يختمون أدعيتهم وصلواتهم بالدعاء للسلطان والملوك العلويين لاسيما في صلاة الجمعة ، فضلا وكما اشرنا الى ذلك التوحد المذهبي للصحراء مع باقي المناطق المغربية تحث لواء المالكيةو الأشعرية ،وهو أمر أكدته جل البحوث وأقرت أنه كان من البديهيات في الصحراء .كما لا بفوتنا اشراك اقاليم الصخراء المغربية في اصلاحات الحقل الديني التي ض
هذه الاوضاع القانونية التي تنشئها الظهائر الشريفة ،تتسم بطابع الديمومة ، بحيث يقوم السلاطين والملوك اللاحقين بتجديدها بواسطة ظهائر جديدة يرتكزون فيها على ظهائر أسلافهم .
نقف هنا على التكامل بين المكونان القبلية وإرتباطاتها الوطنية،إسمها ورسمها سواء، على جميع الاصعدة والتي رصدناها من خلال الترابط العسكري والسياسي والديني ،بإعتبار هذه المقومات التلاث هي اساس الأوطان .وإذا ما تبنينا “تفاؤل” هيكل Hegel المتناقض الذي يقول: ” إن التاريخ يتقدم من جهاته السلبية “،فيمكن أن نؤمن أن الفرد عندما يصبح أكثر قابلية للإنتاح فسوف يدرك تماما بأن الحاحة للدولة هي التي تعطيه فرص حياة أفضل ،وأن قوة الدولة هي إنعكاس لقوة الفرد وأن قاعدة الدولة تبدأ حين تنتهي سلطة القبيلة ، وتبدأ القبيلة حين تنتهي سلطة الدولة.
إن القبيلة والدولة في المغرب يشملهما وجود مزدوج بين سلطتين متكاملتين ،وهو وجود تقارب متبادل بينهما ،تقارب لابد منه لتتحقق به الوحدة الوطنية ،وإلا حدث النكوص الى ما قبل مرحلة الدولة الوطنية وما قبل المدنية في التاريخ الإنساني ،وإلى مرحلة القبيلة المقترنة صورتها بالبداوة والترحال والغزو .
المكون القبلي والارتباط الوطني في المغرب اليوم هو وجود مزدوج بين القبيلة والدولة وهو بإختصار حركة تأرجح بين الترابط والتكامل …
ذ/
الحسين بكار السباعي
ممثل المنظمة الدولية IOV التابعة لليونسكو بالصحراء المغربية .
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.