اسرار بريس:بقلم سدي علي ماءالعينين
اثناء مشاركتي في مؤتمر عالمي بتركيا، كنا في زيارة لمنطقة خارج اسطنبول، تأخر بنا الوقت في العودة حتى الثانية ليلا ،كنا مجموعة في سيارة بالطريق السيار، فاوقفتنا سيارة شرطة تسير في نفس إتجاهنا، ليتبين ان المخالفة هي ان سائق السيارة لم يسدد التأمين على السيارة، بناء على نظام معلوماتي جهزت به سيارة الأمن، وبالفعل يتصل السائق بشركة التأمين في ذلك الوقت المتأخر من الليل ويرسل طلب التأمين ويسدده إلكترونيا عبر هاتفه ،ولم تمر سوى عشرين دقيقة وقد ظهر في النظام المعلوماتي للشرطة ان التأمين تم سداده،، ليخلى سبيلنا في حينه و نواصل طريقنا إلى الفندق.
هذا في تركيا، أما في المغرب، فعلى كل مواطن إنتهت صلاحية رخصة سياقته ان يعرف ما ينتظره بناء على تجربة عشتها وأريد أن اشاركها معكم.
لم أكن اعرف قبل اليوم ان لعنة الخوصصة و الخصخصة ببلادنا توغلت في كل الوزارات، فلتجديد رخصة السياقة عليك الولوج إلى موقع شركة نارصا
تقول الوزارة ان هذه البوابة التي يمكن الولوج إليها عبر شبكة الانترنيت في الحواسيب أو من خلال الهواتف الذكية “www.khadamat.narsa.gov.ma”، ستمكن من تنظيم عملية استقبال المرتفقين أخذا بعين الاعتبار إمكانيات كل مركز على حدة، وذلك من أجل توفير خدمة عمومية في المستوى المطلوب.
لكن الواقع شيئ آخر، فبداية عليك التوجه إلى مكتبة عمومية واقتناء مطبوع خاص ثمنه يبدو معقولا أقل من درهمين، و يكون مرفوقا بصورك ونسخة من رخصة السياقة والبطاقة الوطنية، بعدها تتجه نحو مكتب الخزينة المالية لتسديد مبلغ 400 درهم وتوقيع مطبوع يستخرج من البوابة، وبسبب كورونا فعليك إحتساب قرابة ساعة ونصف بطابور أمام المكتب لسداد هذا المبلغ، بعدها تشد الرحال إلى مكتب وزارة التجهيز والنقل بناء على موعد يسلم لك بالبوابة الإلكترونية، والذي يطلب منك الحضور عشر دقائق قبل الموعد.
لكن قبل أن احكي لكم مسلسل الإنتظار أمام هذا المكتب ،عليكم أن تعلموا انكم ملزمون بإجراء فحص طبي على العينين، وهذا له في اكادير حكاية اخري، ذلك أن على المواطن الذهاب إلى مكتبة لإقتناء مطبوع اشبه بالمطبوع الأول لكن ثمنه يتراوح بين عشرة إلى إثنى عشر درهما ،(مطبوع لا تساوي تكلفة طباعته درهما ونصف يتم بيعه بهذا المبلغ)
بعد رحلة الفحص الطبي سنعود إلى مكتب وزارة النقل والتجهيز، سيتبين لك أن محيط المكتب محاط بوسطاء يقدمون خدمات إستثنائية بحجة دعم المواطنين من الأميين ، وأمام المكتب وفي حوار مع مواطنين يجلس بعظهم على كراسي الإستقبال في الهواء الطلق، و آخرون واقفون ستدرك ان الموعد الذي حصلت عليه عبر البوابة هو نفس التوقيت المسجل في ورقة أزيد من ستة مواطنين من الحاضرين بالطابور، وعليك التوجه نحو القفص الحديدي حيث يطل رجل من الأمن الخاص سيسلمك رقما حتى تتم المناداة عليك،
ومع أذان صلاة الظهر يغادر الموظفون مكاتبهم جميعا لتناول وجبة الغذاء، وبعدها يعودون فيما بعضهم منهمك في أداء الصلاة، أما المواطنون بالطابور فلا حول لهم ولا قوة سوى الجلوس و الإنتظار.
في هذه الأثناء يمكنك أن تشاهد اشخاصا لا تعرف صفتهم يلجون المكتب ويغادرونه ومعهم ملفات مواطنين محضوضين، ومنهم أيضا مواطنون يسألون عن إسم موظف او موظفة فيسمح له بالدخول فيقضي حاجته ويغادر في رمشة عين،
رجل أمن يحل بكسوته يحمل هاتفه يتصل بفلان يطلب منه الخروج لأن هناك زحام بالخارج، يخرج عنده الموظف يتعانقان ويغادران إلى خلف البناية التي يوجد بها المكتب، فيعود الموظف ،فيما عينك تلمح رجل الأمن وهو يقطع الطريق ذاهبا إلى حال سبيله، فقد أنجز ما حضر من أجله.
تلك معاناة مواطنين عزل بطابور يدوم لساعات، و بالداخل موظفون يعانون الويلات بمكتب مكلف بأكثر من مهمة، و بعنصر بشري قليل، مطلوب منه تسجيل كل ملف ببوابة رسمية وطنية بما في ذلك عملية نسخ الصور و الرخصة القديمة، حسب نظام معلوماتي يعرف ضغطا مهولا مما يتسبب في توقفه عدة مرات مما يزيد من معاناة المواطنين والموظفين على حد سواء،
وستكون دهشتك عزيزي القارئ مثل دهشتي عندما تعلم أن هؤلاء المواطنين قادمين من مختلف المناطق المحيطة بأكادير على مستوى الإقليم، وأنهم مطالبون بتحمل أعباء السفر من دواويرهم وجماعاتهم إلى اكادير ،لأن التكنولوجيا لم تصل بعد إلى جماعاتهم.
وسط هذه الأجواء يمكنك الحصول على وصل مؤقت في إنتظار ان تحضر بعد شهر أو أكثر لتقف بطابور آخر لتسلم رخصة سياقتك الجديدة.
هذا هو مغرب الرقمنة الذي تهلل به الوزارات، وتدفع لنشره والتعريف به الملايين للشركات،
هذا هو مصير خدمات عمومية سلمت لشركات خاصة عبر التدبير المفوض، أو الترخيص الحصري كما هو حال الأطباء المكلفين بالفحص،
هذا مغربنا الذي يمسح بالأرض بكرامة مواطنيه مقابل الحصول على وثيقة إدارية، وإذا لم تمر من هذا السراط فستكون في مواجهة رجال الأمن والدرك الملكي المتربصون بك ليسجلوا مخالفة عدم تجديد الرخصة.
وبعد كل هذا ،سأعرف عن طريق موظف كلف نفسه مشكورا تقديم شروحات للمحتجين في الطابور، انه يمكن للمواطن ان يرسل ملفه عبر البريد ليعفي نفسه من الوقوف ساعات أمام هذا المكتب،
تلك حكاية مواطن تقدم للحصول على رخصة السياقة، و انا بالطابور حضر إلى ذاكرتي ما حدث لي بإسطنبول، فقلت في قرارة نفسي،:
ألا يستحق المواطن المغربي معاملة إدارية تصون كرامته وتعطي قيمة لوقته، وتنهي معاناته؟
اما من يروجون لتقديم خدمة للمواطنين في المستوى المطلوب ،فأقول لهم،
هل تعتبرون؟