أسرار بريس: من مقال نشر سابقا بجريدة اصداء الجهات
بقلم سدي علي ماء العينين
يقف المرء مذهولا أمام هذا التقلب المزاجي للدولة في تدبير الشان العام المحلي
فبقليل من التمكن و استرجاع القرارات و تحليلها و سبر اغوارها و خلفياتها يصاب المواطن بالدوران و احيانا بالهذيان المؤدي إلى فقدان الثقة في السياسات العمومية و رجالاتها
و اذا كان من غير المقبول اطلاق الكلام على عواهنه دون تقديم المعطيات التي تبرر هذا الحكم فان الكثير من الملفات التي تم تدبيرها من طرف مسؤولي الشأن المحلي باكادير تمت بمزاجية لا تجد لها مبررا سوى التسرع الذي يحل محل السرعة و الاستبداد الذي يعوض ضعف الاستعداد و الارتجال الناجم عن تجميد الادارة و غياب الارادة
فمن منا لا يتذكر عندما قدم مشروع الحي المحمدي لصاحب الجلالة و كيف كان في الاصل و الى ماذا وصل الان بعد ان اصبحت الشركات تقصف المدينة بالعمارات من الرباط و تقصف بعدها الشقق من اكادير في اتجاه كل المدن المغربية و ساكنة اكادير تتابع بعين المغلوب على امره
من منا لا زال يتذكر الزيارة الملكية الاخيرة للمدينة و حكاية طائرة حسني بن سليمان التي حلقت في سماء اكادير لتعري حجم دور الصفيح بالاقليم و كيف ان السلطات في تنفيد اعوج و يمكن القول همجي تم تحريك الجرافات لتهدم البراريك على اصحابها في وقت وجيز غير مبالية بالمطالب التي نادت بالمقاربة الاجتماعية و تفادي التسرع و ان محاربة السكن غير اللائق لا يتم بقرارات غير لائقة
كلنا يعرف باقي الحكاية مواطنون يعيشون في منازل الكراء و عند عائلاتهم ينتظرون البقع و الشقق و كثير منهم لازال ينتظر
و تخيلوا معي كيف ان الدولة وصلت الى حلول عجيبة كتمكين اربع مواطنين من بقعة واحدة لا احد منهم يعرف الاخر حتى ان مكتب السيد الباشا الذي كان وكالة لتوزيع هذه القسمة العجيبة اغلق و افرغ من أي محاور فيما المستفيدون المفترضون لا زالوا يدقون الابواب الموصدة
اما التجزئات المحدثة لايوائهم فمع كامل الاسف ادى التسرع في إحداثها الى افتقادها للبنيات التحتية مما حولها الى مرتع للأتربة و مشاكل الانقطاع الكهربائي و سرقته احيانا و الى غياب ادنى شروط العيش الكريم تجزئات بلا متاجر للتسوق و لا حمام شعبي و لا مكتب للشيخ و لا مسجد و لا مدرسة و لا و ولا ولا …
و من منا لا يتذكر احداث الدار البيضاء الاليمة التي مكنت السلطات من استخراج مشروع عبقري اسمه الاسواق النموذجية لفائدة الفراشة و الباعة المتجولين ليتم بناء سوق من ملك الدولة في الليل و تمكين المستفيدين من قرعة جرت بالليل و النتيجة نقطة سوداء بنايات آيلة للسقوط ومعاناة المستفيدين التي لا تنتهي و فشل سريع لمشروع متسرع في الانجاز تحت دريعة محاربة الارهاب و مرة اخرى خلفت الدولة موعدها مع برنامج وضعته مثاليا و انهته كارثيا
ومن منا لا يتذكر الحريق الذي مس المركب التجاري سوق الاحد و كيف تمت بعده عملية تعويض المتضررين الافتراضيين ليتم تحويل الساحات الى محلات و اغراق المركب بالمربعات و اسماء غريبة عن التجار منهم الموظفون و كل اطياف الناس
ونحن في زمن اشهار اللوائح و سياسة كشف الاسماء و شعارات محاربة الفساد هل لكم ان تخبرونا يرحمكم الله من هم المستفيدون من مشروع الحي المحمدي و من مكن الشركات التي ولدت و ملعقة الدهب في فمها من كل هذه الهكتارات
وهل لكم ان تخبرونا يرحمكم الله عن اسماء المستفيدين من الشقق و مستوى دخلهم و عدد الشقق للفرد الواحد و الاسرة الواحدة
هل لكم ان تنيروا الراي العام و تبسطوا امامهم لوائح المستفيدين من تجزئات تليلا و ابراز و الكويرة و اللائحة طويلة
هل نملك الجرئة في زمن سياسة اللوائح ان نعلن للراي العام عن اسماء المستفيدين من الاسواق النموذجية و من لوائح المستفيدين من المربعات بعد حريق المركب
و تستمر الحكاية اياما قبل الزيارة الملكية و التي يفترض ان تقدم فيها لصاحب الجلالة حصيلة محاربة دور الصفيح و جدت الادارة نفسها في مازق اخر لان طائرة حسني بن سليمان ان اقلعت مرة اخرى لن تجد دور الصفيح لكنها ستجد منازلا شيدت كالبرق في واضحة النهار و امام السلطات لكنها عادت لتقوم بهدمها تحت طائلة القانون الذي لم ينفد ساعة تركهم يبنون و ينفد اليوم للهدم
ثم ما معنى ان تتحرك الجرافات لتهدم في اكادير تحت اشراف السلطات الولائية و غير بعيد عن الاقليم و تحت انظار عمال يعملون تحت اشراف السلطات الولائية لا زال المواطنون و المضاربون يشيدون مبانيهم العشوائية و يشكلون ملشياتهم لمواجهة القوة العمومية ان هي قررت بمحض ارادتها و هواها ان تطبق القانون و تقوم بالهدم
و الحال يسري على محاربة الفراشة و الباعة المتجولين فما معنى ان يتم ازالته باكادير و يتم الابقاء عليهم في انزكان اوليست الادارة واحدة و الدولة واحدة و القوانين واحدة و حتى المسؤولون هم نفسهم من يدبر هنا و هناك
ان هذا الوضع يستحق منا وصفا بسيطا هو اننا نحارب كل ما نعتبره عشوائي و لكن بقرارات عشوائية
اما ان نعترف ان بلادنا منخور بالاقتصاد الغير مهيكل و باقتصاد الريع و نقول و نقر بان هذا نتاج طبيعي لسياسات متراكمة لم يجد معها المواطن البسيط بدا سوى ان يواجهها بالفوضى التي تعطيه الحق في لقمة عيش او اكثر
و في المقابل ان نفتح حوارا وطنيا حول سبل معالجة هذا الخلل و الحد منه و تقنينه و ان نستدل و نستأنس بتجارب سبقتنا و نأخذ منها ما يناسبنا و نترك ما لا يناسبنا
تم ان نسن القوانين و نضع الخطط بهدوء في صياغتها و هدوء اكبر في تطبيقها على ارض الواقع
ساعتها يمكن ان تصفق لهذه الحملات و الهجومات بالجرافات و القوات العومية ضد مواطنين كل ذنبهم انهم وجدوا فراغا فاستغلوه بالفطرة التي تقول ان الطبيعة لا تقبل الفراغ
قد يكون غريبا في هذا الوطن ان يقف التتبع للسياسات العمومية بين من يرى جدواها في اطار الخصوصية المغربية المفترى عليها و بين ان يناهض هذه الارتجالية و الانتقائية و يتهم بمناهضة التغيير و الاصطفاف الى جانب المضاربين و تجار الازمات
ان الفكرة التي نريد ايصالها بسيطة و غير مكلفة من حيث التفكير و الفهم
الاقرار بالمشاكل مستحب لكن معالجتها بمشاكل اكبر منها هو المرفوض
القيام باجراءات باسم الادارة مستحب لكن ان تكون بدون اجراءات ادارية هو المرفوض
لا اريد ان تكون العلاقة بين الدولة و المواطن شبيهة بالأسطورة التي تقول أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه ؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه ؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا .
وجاء دور الشمس فتقدمت وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً…
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا .
إن الإقناع كما هو الحوار وهو لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء ؛ وما ان يلتزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله .
وهنا تبدو المفارقة لماذا الادارة لا تستوعب تقلبات الشارع المغربي ولا تتجاوب مع تلك التقلبات بالايجاب
ان الادارة راكمت العديد من التجارب تجعلها في مستوى التحديات التي يطرحها مغرب اليوم لكن التهافت على المنظومات الحقوقية و تلميع صورة البلاد بالخارج و الحرص على تمكين المواطن المغربي من اليات الاندماج في العالم بكل تطوراته و تجاهل الانتظارات الداخلية هي ما جعلت بلادنا و من خلالها المواطن البسيط يحاول جاهدا التوفيق بين تطلعاته و بين الاكراهات التي يمليها المخزن التقليدي
اننا امام وضع يتطلب اكثر من قراءة و اكثر من تفسير و هو ان المجتمع المغربي مجتمع يساير بحكم التاريخ كل التقلبات الخارجية لكن الاكيد انه كما تبين الدراسات و النظريات الاجتماعية هو مجتمع يقارب متطلباته بنوع من الفوضى المنظمة فوضى تجد تجلياتها في كل ماهو عشوائي و ملتبس
خلاصة لا يمكن لمغرب اليوم ان يعيش اسطورة الشمس و الارض في علاقته مع المواطن لكن الاكيد ان ازالة المعطف هي اختيارات و قرارات و هي قبل كل شيئ رهانات تنموية و حضارية و لا يمكن تقزيمها في سلوكات مزاجية و لا تحتكم الى الحاضر و لا الى المستقبل