رأيسلايد

“الاستغرافيا المغربية التقليدية والتأسيس لصورة نمطية “للأسود” في تاريخ المغرب”

اسرار بريس=ذ/عبدالهادي المدن

ان الاعتماد على وثيقة واحدة أو على نص تاريخي واحد وبناء عليه موقف من اخطر المنزلقات التي قد يقع فيها المؤرخ، وهذا ما اوشك على اقترافه في هذا المنشور، إلا انني متأكد ان الاستغرافيا المغربية غنية بالشواهد التاريخية لما ورد عند ابن ابي زرع.

 لقد حيك حول تأسيس مدينة فاس حكايات وأحاط بها العديد من الروايات التاريخية التي اختلطت فيها الاسطورة والحقيقة، وقد اورد مؤرخ المدينة أو صاحب القرطاس بعضا من هذه الحكايات، إلا ان ما استوقفنا أمر آخر، فبعد ما استعرض ابن ابي زرع حكايات تدعم عظمة المدينة وظروف تأسيسها، في قالب يسوده “خطاب التسامح”، إذ شارك فيه كل العناصر الشريفة (المولى ادريس) والامازيغية (قبائل زناتة) بل حتى النصرانية (الراهب النصراني الذي تجاوز عمره مائة وخمسين سنة والذي بارك عملية البناء) واليهودية (الرجل اليهودي الذي احتفر أساس بيته وعثر على دمية تجاوز عمرها مائة عام). إلا ان خطاب التسامح سيتوقف عند الحديث عن عنصر آخر ينتمي للمجتمع المغربي وهو “العبد الاسود” المدعو علون الذي بالاضافة إلى كونه عبدا أسودا كان قاطع طريق يقول ابن ابي زرع: وكان بها عبد اسود يقطع الطريق، وكان الناس قبل بناء المدينة يتحامونها ولا يمرون بتلك الناحية ولا يقدر أحد على سلوكها من أجل علون المذكور… فعرف ادريس رضي عنه بخبر علون حين شرع في بناء عدوة القرويين فأمر بالقبض عليه، فخرجت الخيل في طلبه، فقبض عليه وأتى به إليه فأمر بقتله وصلب على شجرة هناك كانت على رأس العين المذكورة، فبقي علون مصلوبا على تلك العين حتى تمزقت أشلاؤه وتقطعت أوصاله فسميت العين به إلى الآن” ص 39

وهنا كما قلت تتجلى الصورة النمطية للانسان الاسود في الاستغرافيا المغربية، وفي الرواية المرتبطة بتأسيس أعظم المدن المغربية على الاطلاق، علما أن الاسود لم يكن الوحيد ضمن فئة المهمشين في تاريخ المغرب، بل هناك فئات أخرى لم تنل حضها، ولم تعد لها اعتبارها في حقل التأليف التاريخي، بل ظلت صفات واوصاف قدحية لصيقة بها في العصور والحقب اللاحقة.

عبد الهادي المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى