اسرار بريس….
رحلت اليوم أيقونة العيطة و واحدة من أقدم الفنانات المغربيات بالدار البيضاء عن سن يناهز الواحد والتسعين سنة.
ىسيكون من الصعب وضع بورتريه لحياة مطربة شعبية ليست كالمطربات، بالنظر لخامتها الصوتية القوية وقدراتها على الانتقال من مقامات مختلفة وغناء لا يتيحها الصوت العادي أو الموهبة العادية. باختصار هي استثناء فني قلما يجود الزمان بمثله.
الحاجة الحمداوية، التي ارتبط اسمها بالعيطة، بدأت غناءها في وقت كان المجتمع المغربي ينظر إلى الفن و الغناء بكثير من التحفظ.
، حنجرتها القوية صدحت في ذاكرة أجيال من المغاربة، وعاشت المجد الذهبي للأغنية المغربية في السبعينيات من القرن الماضي.
تراوحت حياة الحاجة الحمداوية مابين الغنى الفاحش، والفقر المدقع. سطع اسمها سماء فن “العيطة” نهاية الخمسينيات.
رغم زيجتها من رجل شرطة، لم تستطع “الحجاجية” الاسم الحقيقي للحمداوية، قادرة على تحمل مسؤولية الأسرة، وهي التي تزوجت في سن مبكر. بعد إنجابها ابنها الوحيد إدريس، قررت الطلاق من زوجها الشرطي. الطلاق كان فرصة للانطلاق نحو سماء الفن. كانت أولى تجاربها في التمثيل والغناء رفقة الفنان بوشعيب البيضاوي والحبيب القدميري، وفي الغناء تتلمذت على يد سليم الهلالي.
أغاني كـ “منين أنا ومنين نتا”و “هزو بينا العلام”و “زاويا”و “شيكا شيكا”، تظل واحدة من روائع الأعلام الفنية بالمغرب، التي أطربت مسامع الجمهور المغربي والمغاربي. لم تخل أغانيها من تلميحات وإشارات إلى الاستعمار الفرنسي، وكانت تقاوم وجوده بفنها، ما جر عليها التضييق وعنف سلطات المستعمر الفرنسي، ما جعلها تقرر الاختباء إلى فرنسا مؤقتا، بعدما اتهمت بلمز وقذف السلطان الوهمي بن عرفة الذي نصبته سلطات الاستعمار سلطانا على المغرب بعد نفي الراحل محمد الخامس.
بعد عودة محمد الخامس من المنفى، رجعت الحمداوية إلى المغرب، بعدما أبدعت في عاصمة الأنوار في أداء أغان جديدة ظلت علامات فارقة في مشوارها الفني.
بعد الاستقلال بدأت نجاحاتها تتوالى، فغنت في القصور الملكية في عهد 3 ملوك: محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس، وغنت في حفلات الجنرال محمد أوفقير ورجال الدولة، كما شاركت في إحياء زفاف الملك محمد السادس وشقيقه الأمير الرشيد..
في سن الواحدة والتسعين، قررت هذه المغنية الفينقية الاعتزال رسميا، وهي التي كانت تقرر الاعتزال تارة، لكن الحال “مايشاور” لتعود مجددا للركح ممسكة بـ”بنديرها”، وتكرر الأمر لسنوات. قبل سنة “فوتت” تراثها إلى المغنية الصاعدة كزينة عويطة، مقابل مبلغ مالي بسيط، مؤكدة أنها ترغب في الراحة.
اليوم يفقد المغرب فنانة من العيار الثقيل وموهبة استثنائية في فن الشعبي و شيخة من كبار شيخات العيطة، أحد المكونات الفنية التي تميز الهوية الفنية المغربية.