اسرار بريس…بقلم هند بومديان
– لا أعرف تلك الأنثى التي تسكنني ؟
– و لا أعرفني …
أقف على حافة الغياب و أخبرني إن كنت مكاني..
– ماذَا سأفعل ؟
أقلِّم أغصان اليباب و أقرأني في دموع القصائد ك تلويحة ياسمين على الأعتاب لأدون بحبر اللهفة هواجس مخبئة بجوفي مدنفة بين ضلوع حلمي
– ماذا لو كنت أنا الغائبة المتعبة مثلا ؟
و أنا التي تمشي كالشمس و تبعث من صدى الأوتار كل السلام لهذا البياض الذي يسكب ملامحه الحزينة في ضياعي ….
ف أضمني بين حناياي ، كطفلة تقبل عيون الفجر، لترسم إشراقة الشمس و توزع ضياء الصباح على الحقول البائسة ، و التلال الشاردة، و المرافئ الضائعة التي يعتصرها الشوق و الحنين .
– فعلا ماذا لو؟
– ماذا لو حاولت اختراق جدار الوقت بوميض من السحر ؟
تنهكني المشاعر العتيقة بين التواءات الحياة ، لتعزف لي سيمفونية الضياع ، ف أفقد قدرتي على مقاومة الصعاب ، و العذاب ، و همس أحلام الخلود ، فأنا التي لا يحكمني قيد ، و لا أعرف للضياع حدود.
– ماذا لو توقفت عن الثرثرة ؟
و حاولت مرارا اِمتشاق الصبر من ذاكرة حروف لم تسرد ، و جعلت الأشياء متلاطمة في خضمها ، ف بعد أن حلقت بعيدا في مجرات تشبه ملامحي المنبعثة من ألق الحكاية.
و حاولت لقائي حينما أغمضت عيني بعد كل هذا الوجع ، لأمر بخجل من أمام وجهي ، ف أخبرني و قد عدت لتوي من فردوس الروح ، كشعلة مخبأة من ذكرياتي الشاردة.
– ماذا لو أتقنت فعلا دور الغائبة ؟
أذهب ك خربشة وجع بلا ملامح لهذه الروح الشاردة، و في غمرة الندم أنسى إسمي ، و عنواني و لا أعود إلي .
ف أتقاطر كالندى من فم الغمام ، ل تبتسم الحياة حين أهمس لها بي.
– ثم. …. ماذا لو طهرت الحلم و عمدته بنهر الحقيقة ؟
كلما أنهكني الوجع ، تستغيث أحلامي بالظلام، و الأماني بالضياع، ل يمر يوم آخر ، ف تهل الأقمار بعد أن فل الغياب، فأفقد هذياني و أفقدني ، و شيئا من صوابي في غمرة انهيار كل هذه الذكريات ، ل تسود الدنيا في عيناي ، و تأخذ حياتي منعطفا مثيرا بين أروقة التعب ، لأراني في المرايا ك انعكاس للقاء بعد وجع ، خرج عن صمته برهة ، و أبى إلا أن يتخذ مكانا ليس له ، و قد يرحمني قدري و قد يصدني.
– ماذا لو لم أعرف من أنا ؟؟
و في غمرة كل هذا الندم أنسى كل ما قيل لي و عني ، ف أغلق على نفسي كل الأبواب ، لا ذهاب مني ، و لا إياب ، ثم أنظر إلى السماء ل يبتسم الحزن ، و المستحيل ، و الحلال ، و الحرام ، وفي ذاك الأفق البعيد يضيع الطريق ، فيتوه في منتهاه ، لأراني نجمة من دون الأنجم ، أدور حول نفسي في فلك التيه العظيم .
– ماذَا لو توقَّفَت عند تاريخ ميلادي ؟
و في رحم الوقت تناسلت ، ثم أتقنت فعلا دور الغائبة ، ف أذهب و لا أعود ، و في غمرة الندم أنسى مؤونة تكفيني عدة أشواق ، فيمر يوم أخر من غيابي أفقد فيه شيئا من صوابي ، و حياتي ، و هويتي الذاتية .
ف سلام للضياع ، و لكل الصمت الذي يمتطي صهوة جسدي ، يا شريكة تمردي ، و عابرة الروح ، محال أن انتظر ولادة أخرى من أيام تجر نفسها بقدم مكسورة ، لترسل لي أسطر طويلة ، و أخرى حافية على ورقة الميلاد .
– ماذا لو كانت نبرة صوتي واثقة مثل نبرة حيرتي و قلة حيلتي؟
أمتطي تواثبها المنهكة في زحمة الحياة ، و تقرأ على شاهدي تعاويذ الصبر الأخيرة ، و علی إيقاع بحة صوتي الباكية ، أعلم أنني مجرد دمعةً شاردة ، سقطَت سهوا من حدقي ، وددت يوما من قلبي أن أتلقفها ، بأنامل روحي ، لأُعيدني إلی مكاني ، إلا أن المسافات بيني و بيني ، كانت سدا منيعا بيننا، فحاربتني صمتا كي لا أتوه .
أغمض عيني لأرى نفسي بوضوح ، بعيدا عن صخب الذاكرة الذي مسه الجنون .
– ماذا لو لم أكن أنا و ربما لستَ أنا ؟
ف أغير ملامح نومي ، و موعد أحلامي ، و نبرة صوتي ، لأهم فوق الغيم ، و في الأحلام مع الأطيار ، أطوي المسافات كما يطوى الورق ، ف أخذل مخيلتي، و كل توقعاتي، و أشعر أنني عشتار، و ربما أغير ذاتي، و عاداتي، حتى لَا يمكنني العثور علي، ليداهمني الضجر، و يعبث بي ف أمضي بالنهاية ك روح فارغة إلي.
– ماذا لو قررت التوقف…. عن سماع نوتات حياتي ، و تراتيل صبري ، و أهاتي ، و خيم الصمت الرهيب على أوقاتي، و صدني قدري، و لم يرحمني ، و أحسست بعدها بأناملي تمسح خد صبري ، لأراني كنبوءة بشرت السراب بالضياع فتاهت هي…
– ماذا لو عدت من تعبي مع تباشير الأرق ؟
و إِن حصل و عدت إلى وجع جسدي و خزائن قلبي ، حين نشرب أقداح الضوء من عناقيد النجوم ، سأعود أنثى أخرى لا أعرفها ، و لا تعرفني، لأبحث فيها عني و لا ألقاني ، بين ما مضى ، و ما هو آت ، و على ناصية الوداع ألملم جراحي ، و أبدأ مراسيم عبور مسافة العمر العليل التي تفصل بيننا ، و أنا أعزف منفردة سيمفونية الضياع ، لأخبرني إن كنت مكاني ماذا سأفعل ؟
تنقبض ملامح روحي بداخلي ، و بين أوتار التعب تتسارع نبضاتي ، و يأسرني الحنين مرة أخرى ، لأعيد ترتيب هذياني مرغمة ، فتأخذني دوامة تعبي إلى واقع لم يكن أبدا بالحسبان ، و كل هذه الجراحات المثقلة بالغموض ، تصغي لهمساتي المخملية و خوفي الأنيق ، ل تمسك بخيوط الأمل علها تقتات من نوره بضع لحظات .
ف أنهض أخيرا مغمضة العينين بعد السقوط الأخير ، لأعود بعد رحلة النقاء خلسة مني إلي ،
– فلا تسألوني ماذا لو؟
ف نخب النهاية و لروحي كل السلام