رأيسلايد،

النمودج التنموي الجديد والنجاعة القضائية :

أسرار بريس…..

الجزء الأول …..

إن بناء أي نموذج تنموي، يستلزم المراهنة على كل المقومات والقدرات الاقتصادية التي يمتلكها كل بلد ، دون إغفال ضرورة مراجعة الخيارات والأهداف الاستراتيجية التنموية، فلا يمكن وضع الخيارات الاقتصادية الكبرى وتنزيلها، إلا بتوفير فضاء سياسي ومؤسساتي واضح محفز .

ومن هذا المنطلق ، يعد النموذج التنموي الجديد دعامة أساسية في بناء مغرب الغد الذي يتوق إليه الجميع، فهو ثمرة ونتاج تفاعل واسع مع عدة شرائح اجتماعية من مختلف جهات المغرب وخاصة المناطق الامس حاجة لكل تنمية مجالية. 

ويجسد النمودج التنموي الجديد ، مقترح واقعي لمسار تنموي جديد طال انتظاره ، نمودج يعكس الرغبة الملحة للمشاركة والاندماج والاستقلالية ، خاصة لفئات الشباب المتحمس للتغيير والإصلاح والمناصفة وتكافئ الفرص .

ومن البديهي أن النموذج التنموي الجديد لم يولد من فراغ، بل تمخض عن رغبة ملكية ملحة في إحداث قطيعة مع الماضي، بعد أن أصبح النموذج التنموي المعمول به متجاوزا ، و عاجزا عن تلبية انتظارات المغاربة وحاجياتهم المتزايدة. حيث دعا الملك في أكتوبر 2017 أمام البرلمان إلى اعتماد نموذج تنموي جديد ، يكون بمقدوره إيجاد حلول عملية كفيلة بحل المشاكل المطروحة ، ليشكل قاطرة للتنمية الاقتصادية ويضمن تحقيق نمو مستدام ، يحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية ويحقق العدالة الإجتماعية و المالية على حد سواء . ثم عاد جلالته في خطاب العرش لسنة 2018 ، لليشدد من جديد على ضرورة إعادة النظر في النموذج التنموي ، بعدما اتضح أن المغاربة صاروا أكثر حاجة إلى تنمية متوازنة ومنصفة، تؤمن لهم الكرامة وتوفر الدخل وفرص الشغل لفئات عريضة من الشباب العاطلين من خريحي مختلف الجامعات والمعاهد .

نمودج يساعد على إشاعة الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية وفق ما يتطلع إليه المواطن المغربي ، من تعميم للتغطية الصحية وتيسير لعملية ولوج الخدمات الاستشفائية الجيدة و كذا ضمان استقلالية القضاء ونزاهته و شفافيته وهو ما سنركز عليه في قراءتنا المتواضعة للنموذج التنموي الجديد .

لا يخفى على أحد الملامح الكبرى ، التي ساعد في صياغة النمودج التنموي الجديد ، واهمها الحادث الفجائي الذي هز العالم ولا زالت آثاره مستمرة ، وهو تفشي جائحة “كوفيد -19” التي كشفت عن العديد من الاختلالات التي خلفت تداعيات اجتماعية واقتصادية عميقة، تتطلب وقتا طويلا لتجاوزها. 

 المغرب الذي حقق وباجماع المنتظم الدولي تميزا وريادة في مواجهة الوباء وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية ، لتضح معه للمنطقة الاقليمية والدولية بروز دولة مقبلة على ثورة اقتصادية حقيقية في كل المجالات .

غير ان هذا التميز والدور الريادي والذي سيشكل فضاءا ملائما للمستتمرين المغاربة كما الاجانب ويكون موردا مهما لتوفير موارد انجاع كل مبادرة تنموية ، يجعلنا كما غيرنا ممن استهواهم ركب أمواج الاستثمار والاعمال في ميادين اقتصادية مختلفة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة القضائية في تلبية تلبي تطلعات رجال المال والاعمال وقبلهم المواطن المغربي محور كل عملية تنموية ، في مدى فعالية الترسانة القانونية ونجاعة الاحكام القضائية في محاربة الفساد بجميع أصنافه و الدفع بالارساء العملي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ،لكي لا يبقى مجرد شعار براق تزين به خطابات مختلف المسؤولين .

إن متطلبات التنمية الإقتصادية التي هي أساس وضع النموذج التنموي الجديد ، ترتبط بتوفير الأمن والاستقرار، وبقضاء مستقل يحمي حقوق المستثمرين بمناسبة معاملتهم الاقتصادية، سواء فيما بينهم أوفي تعاملهم مع الدولة، مما يؤجج الطمأنينة بينهم ، ويشجعهم على القيام بمزيد من الأنشطة الاستثمارية. و من المعلوم أن الرأسمال الأجنبي هو مال حذر ، إذا ما أحس بالخوف على مصالحه يهرب إلى ملاذ آمن ، لذا كان للتركيز على أهمية القضاء في تحقيق التنمية التي يصبو إليها النموذج التنموي الجديد ما يبرره ، فهو الملاذ الأخير للمظلومين ، فإذا لم يكن منصفا وعادلا في جميع المجالات، لامالة سيؤدي الى زيادة العبئ على المستثمرين ، بسبب غياب الشفافية و المنافسة والمساواة ، والتي تشكل الشروط الجوهرية لجذب الاستثمار. أمرينعكس في النهاية علي الشغل ، فتكثر البطالة ويسود الفقر شرائح المجتمع ويؤثر ذلك في النهاية على موارد الدولة وتقل المشاريع. وبدل تحقيق التنمية يغرق المجتمع في ظلام التخلف و غيابات الفقر و الهشاشة و يقبع في مستنقع اللاعدالة. 

وعليه فإن القضاء يساهم في تأطير الأنشطة الاقتصادية من خلال ضبط قواعد التعامل حتى تسودها الشفافية، ومن تم كان تحقيق التنمية رهين بمدى نجاعة المنظومة القضائية وكذا فعاليتها ونجاعتها على ضمان تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والحريات.

 ونهوضا بأهمية دور القضاء واستثمار إنعكاس النجاعة القضائية على التنمية الاقتصادية واستقرارها ، فقد إنخرط المغرب في مسلسل إصلاح القضاء ، وهو ما عبرت عنه الارادة الملكية السامية وتوج بالتغيرات الدستورية الأخيرة ، و التي سيكون لها الأثر البالغ إذا ما تم تفعيل النصوص الدستورية المؤكدة لإستقلال القضاء ، بشكل يضمن تنزيل المبادئ الدستورية وتطبيقها على أرض الواقع القضائي بأثرها المباشر ، على إعتبار أن الغاية من الاستقلالية هي حفظ حق المواطن داخل مجتمع ديمقراطي يتمتع بسلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية دون أن يعني تمتع القاضي في حد ذاته بأي امتياز، ومنه فعلاقة القضاء بالاستثمار واسعة ومتشبعة تشمل جل فروعه ولا تقتصر علي القضاء التجاري فحسب ، وإذا كان ارتباط الاستثمار بالقضاء التجاري أساسي ووثيق فإنه مرتبط كذلك بالقضاء في المادة الإدارية ولاسيما ما تعلق منها بالضرائب والجبايات، ومرتبط أيضا بالمادة العقارية لأن الوعاء العقاري هو مناط كل استثمار ومرتبط بالمادة الاجتماعية فيما بتعلق بقضايا الشغل وعلاقة الإجراء مع أرباب العمل، ونفس الأمر بالنسبة للقضاء الجنائي فيما يتعلق بالجرائم المالية والتدابير المتعلقة بحماية المعاملات.

فهل سيعمل مهندسوا تنزيل النمودج التنموي الجديد ، من خلال عملهم على تتبع هذا الورش الوطني ، على إرجاع الثقة للمواطنين والمستثمرين مغاربة واجانب في الدور المهم الذي تلعبه 

 النجاعة القضائية في التنمية ؟ خاصة القضاء التجاري باعتباره المحفز الاول للاستشمار ، وكذلك ما للقضاء الاداري من ادوار مهمة ، بخصوص المنازعات المتعلقة بالعقود الادارية و المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية. هذا ما سنقف عليه في مقالنا المقبل .

ذ/ الحسين بكار السباعي 

محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى