بقلم سدي علي ماءالعينين ،أكادير ،أكتوبر ،2021.
سعت الدولة منذ ظهور وباء كورونا إلى نهج سياسات وقائية جعلت بلادنا تدخل معركة مواجهة هذا الوباء الكوني بحالة طوارئ، وإجراءات إحترازية، و مبادرات تضامنية ،
حتى الجيش الذي يوجه عتاده إلى العدو، خرج من التكنات لفرض قوانين منع التجوال والتنقل إلا عند الضرورة وبترخيص،
جرت العادة في حالات الطوارئ الغير الطبية ان يتم إسقاط العمل بكثير من بنود الدستور خاصة تلك التي تخلق التوازن الواجب بين الحقوق والواجبات. و الغاية من ذلك منع إنتشار وباء لا يتنقل في الهواء ولكن عبر الإنسان الذي إذا أصيب اصاب من يعاشره أو يصاحبه أو يلتقي به،
وكما في كل القوانين، هناك قانون يحميك، وقانون يحمي غيرك منك، كقانون منع السرعة في السياقة لحماية أرواح الآخرين قبل روحك، و قانون حزام السلامة الذي يحميك لوحدك مادام يخص فضاءك الخاص وهو السيارة.
اللقاح في المغرب ليس إجباريا، وهو سلوك يحمي الملقح كما يحمي من يتصل به، بعيدا عن منطق المآمرة، فهو ليس بالمقابل لأن الدولة حسب إختيارها جعلته مجانيا.
في البدايات، حدث في المغرب ما حدث في كثير من دول العالم من تشكيك في الوباء ووجوده، وبعده تشكيك في اللقاح و نجاعته ،و بعده تشكيك في نوع دون غيره، وبعده إستفسار عن عدد مرات استعماله، وبعده، الحق في إستعماله من عدمه…. الخ
إن الدولة التي تضع في مسؤوليتها حماية الوطن و المواطنين تتخد كثيرا من القرارات تمس احيانا حريتهم الفردية من أجل السلامة الجماعية،
واكبر تحدي طرحه الوباء هو التصدي للآثار الإقتصادية التي تمس إستقرار الوطن وسلامة المواطنين،
لذلك كان نجاح الدول في العودة إلى حياتهم الطبيعية رهينا بتحقيق المناعة الجماعية و تعميم اللقاح و محاصرة انتشار الوباء،
لقد حقق المغرب بسياسته الإستباقية كل الأهداف المنشودة للحد من فتك هذا الوباء بمواطنيه، ورغم ذلك
، نقترب من 15 الف حالة وفاة،
إذا إفترضنا ان العدد التقديري لساكنة المغرب في حدود 36 مليون نسمة، فإن تمكن 23 مليون نسمة من اخد الجرعة الأولى و أقل من مليون نسمة اخدت الجرعة الثالثة، فهذا معناه اننا لا زلنا بعيدين عن تحقيق المناعة الكاملة،
و في الوقت الذي لا زالت كثير من دول العالم لا تجد طريقا للحصول على اللقاح فإن المغرب يتجه نحو تصديره بعد أن خطى خطوات جادة لإنتاجه محليا، بل إن العالم يراهن ان يكون المغرب هو المنقذ من تفشي هذا الوباء بالقارة الإفريقية ،حيث سيكون في الشهور القليلة المقبلة هو المزود الرئيسي للقارة باللقاح.
و بعد التراجع الملحوظ لإنتشار الوباء ببلادنا ،و التراجع التدريجي عن الإجراءات الإحترازية المعمول بها، واصلت مراكز التلقيح عملها و تواصلت حملات التحسيس بضرورة التلقيح،
لكن وقع تراخي غير منتظر، وتهاون غير متوقع، و تراجع في التوجه إلى مراكز التلقيح، ولسان حال البعض، انه مادام إختياريا، فلا داعي ان استعمله، أو لا داعي ان اتناول الثانية، أو لماذا كذبوا علينا بالقول ان اللقاح جرعتين فزادوا الثالثة؟
وساهم في هذا التراجع نشر مقاطع فيديو لحالات يقول مروجوها انها وقعت بسبب اللقاح، كوفاة تلميذة، وشلل نصفي لسيدة، و تساقط شعر و تشوهات لأخرى…
كما ساهم في هذا التراجع تنصيب بعض السياسيين لأنفسهم كعلماء فوق العادة يفهمون ما لا يفهمه المغاربة، و يعلمون ما لا تعلمه وزارة الصحة، فهم ضد التلقيح ، وهم من حمات المواطنين ضد جهل الدولة وتعنتها…
بل ذهب بعضهم في نقاشات فيسبوكية للقول ان إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح لولوج الفضاءات العمومية هو قرار شخصي لوزير الصحة بعد عودته إلى الوزارة التي غادرها لمدة أسبوع، وهو بذلك ينتقم من المواطنين!!!!
اللقاح في أسمى معانيه هو واجب وطني إختياري، وهو في أرقى دلالاته إجراء يحمي المواطن من الإصابة، و يمنعه من إصابة غيره،
أن تختار المجازفة، فهذا حقك، وممن حق الدولة في مرحلة ان تمنعك من المجازفة، و لكنها أيضا و بالضرورة من حقها ان تمنعك من إلحاق الاذى بغيرك،
مما معناه ان من حقك أن تلزم منزلك بلا لقاح وتتجول لوحدك بالشارع مع إجبارية الكمامة بلا لقاح ،
لكن من حق الدولة ان تمنعك من ولوج مؤسساتها، و من الإختلاط بالغير في المرافق العمومية حماية لغيرك ممن استعملوا اللقاح ،لأن القاعدة الطبية في العالم تقر ان نجاعة اللقاح ليست مائة بالمائة ،وأن اللقاح هو وقاية وليس علاج، وأنه لا يقضي على الوباء ولكن يحد منه،
ومن أغرب ما سمعت وقرأت، حين يقول بعض أنصار الحقوق الفردية، أن صاحب المقهى أو حراس المرافق العمومية ليس من حقهم الإطلاع على البيانات الخاصة بالمواطنين و الواردة في بطاقة الجواز!!،،
نفس هؤلاء لا يرون مانعا من تمكين شبكات التواصل الاجتماعي من كافة معلوماتهم الشخصية وحق الولوج إلى بياناتهم و صورهم وكل خصوصياتهم في مقابل الولوج إلى تلك الفضاءات !!
لكن يبدو أن تراخي المواطنين يقابله تراخي السلطات في حماية المواطنين ممن لا يرغبون في اللقاح، و هنا لا نجد مصداقية لإجبارية الجواز مادامت الدولة لم تمنع بعض البرلمانيين من ولوج قبة البرلمان وهم لم يتلقوا ولو جرعة واحدة، ولا أعتقد أن الحصانة البرلمانية تعطيهم الحق في ذلك.
شخصيا ،وهذا امر يلزمني، مستعد ان اتلقى جرعات لقاح ولو مرة كل نصف سنة، بل ومستعد ان أساهم في ثمنها مقابل استمرار مجانيتها لغير القادرين على ثمنها، كما اني اتنازل عن كل حقوقي الدستورية المتعلقة بحقي في عدم إجبارية تلقيحي ، واعتبر ان الدولة لها من الدراية والعلم بالوباء ما يجعلني اثق في قراراتها وإختياراتها،
ومن هنا ادعو كل المواطنات والمواطنين التوجه إلى مراكز التلقيح وتلقي الجرعة الثانية، و الإستعداد لموعد الثالثة و القبول بجرعات مستقبلية إذا قررت،
وهذا ليس مزايدة ولا إنبطاحا للمخزن، ولا شعبوية ،بل هو قناعة أؤمن بها وامارسها وأدعو المغاربة بها.
سأضع جواز اللقاح في جيبي وحتى في واجهة سيارتي، و سأواصل وضع كمامتي
و حتى لو طلب مني قريب ازوره الإدلاء بها قبل ولوج بيته سأريها له،.
بإختصار : قطعت بلادي ووطني و دولتي اشواطا في حمايتي من وباء كوني، فلا تنتظروا مني في الأشواط الأخيرة ان أعرقل حقنا جميعا في تحقيق المناعة الجماعية ،
وقبل ان اتحدث عن الحقوق، والإختيارات والحريات ترحموا معي على أرواح قرابةخمسة عشر ألفا من المغاربة ماتوا في طريق الرحلة لتحقيق المناعة الجماعية.
الرب واحد والموت واحد
فهل تعتبرون ؟