قصة اغتيال ملك لن ينساه التاريخ الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
لم يكن اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز أل سعود، حادثة استثنائية في تاريخ المملكة العربية السعودية فحسب، بل ومأساة غامضة طالت شخصية كبرى، ارتبط اسمها بقرارات ومواقف حاسمة، أبرزها قطع امدادات النفط عن الغرب عام 1973. هل تتذكرون الملك فيصل بن عبد العزيز؟ وهل تعرفون كيف مات؟ وما قصة وحقيقة موته؟
يبدو أن الصراعات والأحداث اليومية المثيرة والمتصاعدة باستمرار على الساحة العربية والدولية، جعلتنا ننسى أو نتناسى الكثير من الأحداث الفارقة في حياة أمتنا العربية والاسلامية. إلا أن حادث اغتيال الملك فيصل، مازال عالقا في بعض الأذهان العربية، لأنه حادث من نوع خاص، سيطرت عليه المشاهد الدرامية التي لا نشاهدها إلا في الأفلام والمسلسلات، إلى جانب توافر العوامل والصفات المشينة والخبيثة مثل الغدر والخيانة، من أعز الناس إلى الملك.
دارت أحداث الاغتيال صبيحة 25 مارس 1975، خلال مراسم استقبال الملك فيصل، وزير النفط الكويتي عبد المطلب الكاظمي في الديوان الملكي بالرياض. في تلك الأثناء هرع شاب فجأة وشهر مسدسا، وهرول في اتجاه وزير النفط الكويتي، ثم أطلق ثلاث رصاصات، خر بعدها الملك فيصل، على الأرض والدم ينزف منه بغزارة. أصابت الطلقة الأولى وجه الملك، والثانية رأسه والثالثة أخطأته، وتمكن الحرس بصعوبة من السيطرة على القاتل الذي تبين أنه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود. نقل الجريح على عجل للمستشفى لكن الملك فيصل، فارق الحياة بفعل الرصاصة الأولى التي اخترقت أحد الأوردة.
أعلنت السلطات السعودية في البداية أن القاتل مختل عقليا، إلا أن المحكمة وجدت أنه مسئول عن تصرفاته وقت عملية الاغتيال، وحكمت عليه بالإعدام، وقد نفذ الحكم بقطع رأسه بالسيف، أمام جمهرة من الناس في الساحة الرئيسة بالرياض في 18 يونيو 1975.
وتعددت الروايات حول دوافع الاغتيال، وكان أبرزها الثأر لشقيقه الأكبر خالد بن مساعد، الذي قتل على يد رجال الأمن بعد أن قاد عملية اقتحام مسلح لمبنى التلفزيون في الرياض عام 1965، رفضا لوجود مثل هذه الوسائل الحديثة التي يصفها المتشددون بأنها بدعة خطيرة. وذهبت رواية أخرى إلى أن الأمير القاتل، أقدم على اغتيال الملك فيصل، في محاولة لقلب نظام الحكم، وذلك بسبب علاقة القرابة التي تربطه بآل رشيد، الذين كانوا يحكمون نجد، قبل أن تزيحهم الدولة السعودية الثالثة. في حين رجح الكثيرون وجود يد للاستخبارات المركزية الأمريكية في عملية الاغتيال، انتقاما من قطع الملك فيصل، لإمدادات النفط خلال حرب العاشر من رمضان عام 1973، وإشهاره سلاح النفط لأول وآخر مرة ضد الدول الغربية الداعمة لإسرائيل. ويبدو أن أنصار هذ الرأي ربطوا بين إقامة الأمير القاتل الطويلة في واشنطن، وبين الموقف الحازم الذي اتخذه الملك فيصل، إبان حرب 1973، ومحاولته آنذاك أداء دور قيادي ورص صفوف العرب خلفه، بعد رحيل جمال عبد الناصر.
واقع الأمر أن التكهنات والشكوك لم تتوقف عند هذا الحد، حيث أشارت إحدى الروايات إلى أن الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، كان يحمل أفكارا ثورية متطرفة، تشربها أثناء دراسته في جامعة بيركلي بكاليفورنيا، وقد يكون سعى وراء جريمته من وحيها. هذه الرواية أكدتها صحف أمريكية أجرت مقابلات مع أصدقائه ومعارفه، ونقلت عن أحدهم أن الأمير القاتل، كان معاديا عنيفا للصهيونية، وكان يردد أن عائلته هي العائق الأكبر أمام تطور العالم العربي، وأنها تضع تعاونها مع الشركات النفطية الأمريكية فوق كل اعتبار. واللافت للنظر هنا، أن هذا الأمير، قضى في الولايات المتحدة، حياة لهو تعاطى خلالها المخدرات، بل وتورط في قضية اتجار بحبوب الهلوسة الشهيرة “إل سي دي” في ولاية كلورادو عام 1970، وعاد بعدها إلى بلاده حيث احتجزت وثائقه ومنع من السفر، تجنبا لمزيد من الفضائح.
أخيرا رحل الملك فيصل عن الدنيا بطريقة مأساوية، لكنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه، وفعل ما لم يتجرأ آخرون على فعله قبله أو بعده، شهر في أصعب الأوقات سلاح النفط، الذي كان يباع حينها بدولارين، وحاول انتهاج سياسة مستقلة نسبيا عن الولايات المتحدة، وسعى جاهدا إلى إدخال إصلاحات في نظام بلاده، وانحاز إلى تعليم المرأة، وإلى الكثير من المظاهر الحضارية، التي كانت تجد مقاومة شديدة داخل المجتمع السعودي وقتها.
كل ذلك يمنحه مكانة خاصة في تاريخ السعودية والمنطقة، مكانة يزيدها الزمن قيمة، إذ بمقتله انفتحت أنابيب النفط بكامل قوة ضخها، وعاد النفط سلعة تجارية عادية، تهوي أسعارها وترتفع، بحسب مصالح الشركات الاحتكارية الكبرى، وعلى هوى مزاج واشنطن السياسي.