جواد مبروكي*
الجنس عند الذكور المغاربة هو هدف الزواج وعلة الطلاق
في بداية ممارستي المهنية بالمغرب زارني شيخ، وهو إمام مسجد بإحدى القرى، يشتكي من زوجته التي ترفض المعاشرة الجنسية معه؛ حتى صار على وشك اتخاذ قرار الطلاق. وكان يريد حلاً بديلاً، وكان يردد هذه العبارة: “أنا أوْلدي إمام وحشوما نمشي نْقْلْبْ على بْرَّ”، فاقترحت عليه أن يأتي مع زوجته لحل هذه المشكلة. فلما حضرا كليهما معاً أمامي قالت لي الزوجة العجوز: “أوْلدي ما كَيْكْسيني ما كَيْعطِني فْلوس بَشْ نْمشي للحَمّام ما كَيْعَمَّرْلي كوزينا ما كَيْقولي كلام حْلو كِفاشْ غدي نبغي هاد الرجل”، فرد الشيخ قائلا: “اِوا هِرْجْعي لْبيتْ ونْشْريليكْ لِبْغيتي”، وردت عليه زوجته: “اَلاَّ حْتّى تْشْرِيلِيّا لِيْبغيتْ وتْهَلَّ فِيا وْعادْ نْرجع الفراش”.
وكم تألمت كثيراً لأن هذين الزوجين ما زالا يعيشان هذا الجحيم منذ زواجهما، وأتساءل ما هي أهمية وفائدة الزواج إن غابت السعادة عنه واتضح أن أساسه خاطئ منذ البداية في مجتمعنا.
فكلما ألتقي مع الأزواج ومهما كان موضوع المشكلات الواقعة بينهم، وبعد البحث الدقيق أجد أن المشكل الرئيسي هو الجنس وكل طرف يُحمل الآخر مسؤولية المشكل القائم بينهما؛ ولكن الأزواج لا يستطيعون الإباحة عن الإشكال الجنسي لأنه من الطابوهات القوية في مجتمعنا.
ألاحظ كذلك أن الأزواج من الجيل الحالي يعترف بسعادتهم الجنسية قبل بداية الزواج وغيابها بعده. فماذا يحدث إذاً؟ وكيف نحلل هذه الظاهرة؟
كما ألاحظ كذلك أن الزوج يجد السعادة الجنسية في العلاقة خارج الزواج وبالنسبة إلى الزوجة كذلك ويرددان هذه العبارات:
الزوج: “عشيقتي كَتْفْهَمْني وكَتْعيشْ مْعايا وكَتعْطني ليبْغيتْ اَحْسْن من مْرْتي”
الزوجة: “صَحْبي كَيْفْهَمْني وكَيْتْكلم مْعيا بالحلاوة وكيْدِّهَ فِيا وكَيْمْليلِيا الفراغ العاطفي وكَيْسْوّْل فِيا كل نهار وكَيسْمَعْلي وكَيهْدْر مْعَيا بالسّْوايْعْ”..
نلاحظ أن حاجيات الزوج والزوجة تختلفان جذرياً عن بعضهما البعض؛ لأن الرجل هو ذكوري فطرياً، وكل ما يهمه هو تحقيق رغباته الجنسية وبالشكل الذي يوافق تصوراته. أما المرأة فهي بحاجة إلى العناية الوجدانية، وتبحث عن العاطفة والحنان والحديث الحلو وتحب التعبير عن نفسها والاستماع إليها وتخصيص وقت كاف لذلك؛ فالجنس بالنسبة إليها لا تراه بالمفهوم الحيواني الذكوري، بل إن العاطفة والاهتمام والاعتناء الوجداني والمادي بها هو الذي يخلق لديها الرغبة الجنسية، وإذا غابت هذه الظروف تنعدم عندها الرغبة الجنسية. لكن الذكر بإمكانه ممارسة الجنس حتى ولو بعد الشجار مع زوجته وهذا شيء مستحيل بالنسبة إلى المرأة.
دائماً يكرر الرجال هذه العبارات: “إوا آشْ خْصْها كَنْجيبْلْها لِبْغاتْ واكْلا شارْبا مْكْسِيَّ ومْبْرْعا مْعا راسْها”، والنساء تردد بدورها: “إلَ هِيِ الخبز راهْ عْندي فْدارْ بَّا”.
فالزوجة بحاجة إلى الإحساس بأن زوجها يحترمها ويقدرها ويعاملها بلطف وحنان وبأنها بالفعل شريكته ولها كلمتها في أخذ جميع القرارات سواء في الأمور المعنوية أو المادية إلى جانب الإحساس بأن إسعادها هو الهم الأول لزوجها وأنه يخصص لها أكبر مساحة من الوقت. أما أكره شيء بالنسبة إليها هو أن يتم إهمالها وتجاهلها ومعاملتها كمجرد خادمة بالمنزل ومربية وحيدة للأطفال بالنهار وملبية لرغباته الجنسية بالليل.
لما يقضي الزوج كل يومه بين العمل والمقاهي ويدخل متأخرا في الليل وتحضر له الزوجة وجبة العشاء يشرع في الأكل بدون الحديث معها هذا إن ما لم يبادر بانتقادها بعبارة “العْشا تْعْطلات أو بارْدَ أو مالْحَ”، ولا يكلف نفسه عناء الشكر على مجهودها في إعداد العشاء ولا يسألها كيف قضت يومها متجاهلا تماماً تعبها في مشقة الأشغال المنزلية ومواجهة مشاكل تربية الأطفال منذ الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل. ويتجلى هذا التجاهل في هذه العبارة الذكورية: “اِوا شْكونْ بْحالها جالسا مْبْرْعَّ فالدار كتفرج في المسلسلات وانا كَنْضرْبْ تَمَّرَ بَشْ نْصْوّْرْ لفْرْنْكْ”. وبعد أن ينتهي من الأكل، يذهب الى فراش النوم وينتظر زوجته بينما هي تغسل الأواني وتحضر الفطور لأطفالهما لكي يجدوه جاهزاً في الصباح قبل ذهابهم الى المدرسة. ولما تُنهي الزوجة المُرهقة عملها الذي يفوق في معظم الأيام معدل 16 ساعة يوميا وتدخل إلى الفراش للراحة “مْدْكْدْكةَ مْسْكينةَ” تجد الزوج ينتظر منها أن تتحول إلى ممثلة أو نجمة الأفلام الإباحية وتثيره جنسياً. وهذا من المستحيل عليها، فيغضب منها ويعاتبها ويهجر الفراش لينام في مكان آخر. فما هذا الغباء وما هذه الحماقة وما أشده من ظلم؟
بعد سنوات على هذه الوتيرة، يرى الزوج نفسه أنه ضحية وأن الزوجة لا ترغبه جنسيا. وهذا ما يبرر به إقامة علاقات خارج إطار الزواج أو الطلاق، والكل يجهل أن المشكل الأصلي عاطفي- جنسي. كما أن الزوجة ترى نفسها كذلك ضحية، وأن زوجها لا يهتم ولا يعتني بها عاطفيا، ولا يقدر لها كل جهودها المنزلية. وتعيش هذه الزوجة الحزينة في وحدة الألم وكأنها أم-عازبة، وكثيراً ما تكرر هذه العبارة لأطفالها: “انا مْضْحْيَ بْكولْشي هِعْليكُم”. وفي نهاية مطافٍ من العذاب والمعاناة و”الحكرة”، يتزوج زوجها بامرأة أخرى أصغر منها في السن ، وهذا إن لم يطلقها ويلقي بها “بْحالْ شِشْرْويطَ”، ناسياً أنه سيعيش التجربة نفسها والعذاب نفسه؛ لأن فكره لم يتغير وسيعامل زوجته الثانية بالسلوك نفسه متجاهلاً أنه هو “المشكل”.
وهذه هي المأساة التي يعيشها مجتمعنا اليوم والتي هي نتيجة عوامل عديدة؛ منها: غياب التربية الجنسية السليمة؛ وعدم المساواة في التربية بين الذكر والأنثى؛ وغياب تطبيق قيم المساواة بين الزوج والزوجة؛ وغياب المفهوم الحقيقي لمؤسسة الزوجية؛ والجهل بأهداف الزواج وغاياته والمسؤوليات المترتبة عنه؛ وغياب برامج تحضيرية للإعداد للحياة الزوجية؛ والجهل بشروط الزواج ووسائل صيانته والمحافظة عليه؛ وعدم المشاورة حول رؤية الجنس وانتظارات كل من الشريكين قبل الزواج، لأنه أعظم الطابوهات المجتمعية؛ وغياب برامج تعليمية في المدرسة حول مؤسسة الزواج؛ والجهل التام بمفهوم العلاقة الروحانية وكيفية تطويرها بين الزوجين، خاصة أن البُعد الروحاني هو الذي يعطي الحب أبديته ويعطي الشراكة الزوجية استمراريتها وديمومتها في مختلف الأعمار والأطوار.