اخبار عالميةسلايد
الطريق نحو حرب عالمية ثالثة: اغتيال السفير الروسي في تركيا أمام العالم
أُطلق الرصاص على السفير الروسي في تركيا، أندريه كارلوف، مساء أمس الإثنين، ليسقط على الأرض، قبل أن يموت بعد دقائق من نقله للمستشفى، وذلك من قِبل أحد الضباط الأتراك الذي كان مُكلَّفًا بحراسته، وذلك في العاصمة التركية، أنقرة.
وكانت وسائل الإعلام التركية الرسمية قد ذكرت أن السفير الروسي أصيب بثمان طلقات، ونقل إلى المستشفى وهو في حالة خطرة، قبل أن يلقى حتفه بعدها بدقائق.
ووقع الحادث أثناء عقد السفير الروسي مؤتمرًا صحافيًا في احتفالية افتتاح معرض فني تحت عنوان «روسيا في عيون الأتراك»، في العاصمة التركية.
وأظهرت اللقطات الأولى للحادث شابًا متأنقًا، مرتديًا بزة سوداء ورابطة عنق، ويقف بهدوء خلف السفير، غير أنّه ما لبث أن تحول هذا الهدوء، وهذه الرزانة، إلى عصبية واندفاع أدت إلى إطلاقه الرصاص على السفير.
ويبلغ عمر مُنفِّذ الهجوم 22 عامًا، ويُدعى «مولود مرت ألطنطاش»، وهو تركي الجنسية وينتمي لقوات التدخل السريع في أنقرة، ويعمل في الشرطة منذ عامين ونصف، وذلك بحسب ما أعلنه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو.
وكانت كلماته الأولى عقب إطلاقه النار على أندريه كارلوف مباشرةً: «الله أكبر، نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد».
وعلى ما يبدو فإن حادث اغتيال السفير الروسي، جاء على خلفية التدخل الروسي في سوريا، ومساندتها للنظام السوري ضد المعارضة المسلحة، سياسيًا منذ 2011، وعسكريًا منذ حوالي 15 شهرًا وإلى الآن.
وقال القاتل بالتركية: «لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا، لن تنعموا بالأمان ما لم تصبح مدننا آمنة، وكل من له يد في هذه المعاناة سيدفع الثمن»، أمام الكاميرات التي نقلت المشهد للعالم.
وتحقيقًا لأمنيته الأخيرة «لن أخرج من هنا إلّا ميتًا»، أردت القوات الخاصة التركية القاتل بعدة رصاصات حيّة.
وكان السفير الروسي المقتول، الوالد لابن وحيد، سفيرًا لبلاده في كوريا الجنوبية حتى عام 2006، قبل أن يُعيَّن سفيرًا في تركيا منذ 2013.
ردود الأفعال على الحادث
انتشرت ردود الأفعال المُدينة للحادث، حيث وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواقعة بـ«الحادث الإرهابي»، مشيرًا إلى أنها تستهدف العلاقات التركية الروسية الجيدة، والتي كانت سببًا في وقف إطلاق النار في حلب بين المعارضة المسلحة والنظام السوري.
من جانبه، قدَّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعازيه إلى الرئيس الروسي الذي وصفه بـ«الصديق»، وشعبه، كما أكد على ما قاله الرئيس الروسي فيما يخص استهداف الحادث للعلاقات بين البلدين، مؤكدًا أن هذا الحادث «استفزازي»، ومشيرًا إلى أنه ليس هناك أي خلافات بين روسيا وتركيا. وأعلن أردوغان أنه اتفق مع الرئيس الروسي على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة حول الحادث.
التعازي حلت على روسيا من كل مكان؛ فقد أدانت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موجريني، حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة، والتي قدمت تعازيها بالنيابة عن دول الاتحاد الأوروبي.
كما أكد ستيفان دوجاريك، المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، أنه لا بد من محاسبة القاتل وتقديمه للعدالة، مع إدانته الشديدة للحادث.
كما قدمت دول مثل قطر وبريطانيا وسوريا وأذربيجان وغيرها، التعازي لروسيا في حادث اغتيال السفير.
هل تنطلق رسميًا الحرب العالمية الثالثة؟
ويعتبر حادث اغتيال السفير أندريه كارلوف من الشواهد التي تزيد من فرص قيام الحرب العالمية الثالثة، وذلك لتشابه الحادث مع أحد الأسباب الأهم لبداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، والتي بدأت بما يعرف بحادث «اغتيال سراييفو»، والذي يتمثَّل في حادث اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته، وذلك من قِبل طالب صربي، في 28 يونيو (حُزيران) عام 1914، وذلك أثناء زيارتهما لسراييفو.
ويعتبر حادث «اغتيال سراييفو» هو السبب المباشر لقيام الحرب، وذلك بعد إعلان الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على مملكة صربيا، إثر الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بعد الحادث، والتي أدت إلى ظهور تحالفات دولية مضادة، تمثلت في طرفي الحرب فيما بعد. فهل تعتبر حادثة اغتيال السفير لروسي في أنقرة السبب المباشرة لبداية الحرب؟
الاشتباه في كون بشَّار الأسد وراء الحادث
تشير عدة آراء إلى إمكانية تورط الرئيس السوري بشَّار الأسد في حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة، ولكن لا شيء مؤكد إلى الآن؛ فبرغم التحالف الظاهر والمُعلن بين روسيا وسوريا، إلا أنه هناك ثلاثة دوافع قد تشير جميعها إلى سبب تورط الأسد في الحادث.
وقد يتمثَّل الدافع الأول لبشَّار الأسد في رغبته في وجود حرب بين روسيا وتركيا، والتي يعلم الجميع أن روسيا ستكون لها الغلبة في هذه الحرب، مما يسعد بشار الأسد بسبب احتضان تركيا للمعارضة السورية.
انتصار روسيا على تركيا في حال وجود حرب بينهما يكاد يكون محتومًا، وذلك لأسباب عسكرية تتعلق بعدد وقدرات كل جيش منهما، وأيضًا لأسباب استراتيجية قد تتمثل في إنهاك الجيش التركي منذ محاولة الانقلاب القاشلة في منتصف يوليو (تمّوز) الماضي، والتي أدت إلى عزل مئات الضباط الأتراك من أماكنهم، أو اعتقالهم، بالإضافة إلى إمكانية تورط بعض أفراد الجيش التركي أيضًا في معارك مثل معركة الموصل، التي تهدف إلى تحرير مدينة الموصل العراقية من تنظيم الدولة (داعش)، ومعركة غضب الفرات، التي تهدف إلى تحرير مدينة الرَّقة السورية.
وأمَّا الدافع الثاني الذي قد يُمثِّل اشتباه بشَّار الأسد في الحادث هو الاحتلال شبه الفعلي الروسي لسوريا في مقابل دعمه؛ فربما شعر الأسد في لحظة من اللحظات بخيانته لسوريا بسبب تسليمه شبه الكامل لبلاده إلى روسيا مقابل حمايته، ربما أراد لو تنشغل روسيا عنه وعن بلاده في محاربة تركيا، أو أنه أراد أن يقلل الحمل الروسي عليه مقابل حمايته، فهو لا يحتاجها الآن مثل حاجته لها في السابق، وذلك بسبب تحقيقه لانتصارات في سوريا باستعادة حلب، وبترحيل عدد من المعارضة المسلحة منها، ربما يعتبر ذلك مكسبًا وبدايةً جديدة للاعتماد على نفسه فقط، فرأى أن هذه الطريقة هي الأمثل حتى تتركه روسيا أولًا، فلا يكون لها الحق في مطالبته بالكثير فيما بعد لأنه سيزعم حينها أنها «تخلَّت عنه».
ويتمثل الدافع الثالث في رغبة روسيا في الحصول على مقابل دعم بشار الأسد منه؛ فوجود الفوضى في عدة مدن مثل حلب كان مبررًا للأسد لطلب المساعدة من روسيا لدعمه، ووجوده أيضًا في سوريا كان مبررًا للمعارضة المسلحة للقتال، ولكن بعد استرداد النظام السوري لأجزاء كبيرة من الدولة، فليس هناك مبرر لبقاء روسيا، كما أنه ليس هناك مبرر لبقاء الأسد، الذي دعمته روسيا حتى يتخلص من المسلحين، والآن وبعد تخلصه من معظمهم تقريبًا فلا يوجد سبب كافٍ لبقائه في سوريا، فربما قرر القيام بمثل هذا العمل كضربة استباقية تمنع روسيا من التضحية به، وذلك بسبب عدم حاجتها له، نظرًا لأنها أرادت وجوده في الحكم لفترة طويلة كـ «غطاء شرعي» يفسر وجودها في سوريا.
الاغتيال في مشهد سيريالي
لوحاتٌ جماليةٌ مُعلقة جنبًا إلى جنب، مرصوصةٌ بطريقةٍ منظمةٍ، تبدو فيها مشاهد طبيعية في غاية الجمال، أرضية تلمع من نظافتها، قتيل مُلقى على الأرض، قاتل محترف متأنق ذو شعرٍ أسود اللون، مرتديًا بذلةً سوداء، ورابطة عنق مثلها، تبدو لقطة سينمائية أو مشهدًا مسرحيًا، ولكنها ليست كذلك، بل تبدو كلوحة تعبر عن مشهد سيريالي يعود بنا إلى القرن الماضي، ولكن الفارق الوحيد أن هذا المشهد يظهر بتقنيات في غاية الوضوح، ولكنها ليست هذا أو ذاك، بل هي حادثة توثيق اغتيال السفير الروسي في أنقرة عبر الصور.
ففي سياقٍ قد يعتبره البعض غير متصل بالحادث، أُذيع الحادث بتقنيات عالية في التصوير، بالإضافة إلى الصور ذات التقنية العالية التي التقطها المصورون الصحافيون أثناء حادث الاغتيال.
وكان صحافي وكالة «أسوشيتد برس»، برهان أوزبولتشي، المصور الذي التقط معظم الصور التي ظهرت لقاتل السفير الروسي فيما بعد، والذي حافظ على ثبات عدسته أمام القاتل في ظل محاولة فرار غالبية الصحافيين الآخرين، والضيوف أيضًا، من أجل الاختباء.
وقال «أوزبولتشي» في تصريح لمجلة تايم الأمريكية، إنه حاول استجماع بعض الجرأة والشجاعة من نفسه لكي يتمكن من الثبات لالتقاط الصور التي ظهرت للقاتل، مؤكدًا أنه شعر أن المشهد يبدو كـ«مشهد مسرحي»، بحد تعبيره.