سلايدمجتمع

الشجارات بين الأزواج المغاربة .. حصون تتهاوى وأطفال ضحايا

نلاحظ في مجتمعنا الزوجة تشتكي من زوجها، وتعبر عن شقائها وعدم سعادتها وأنها ضحية هذا الزواج بحيث تكرر آلاف المرات لأبنائها: “أنا باقْيا فْهادْ الدّارْ هِعْليكُم وْمْضْحْيَّ بْكُلشي هِعْليكُم”. كما نلاحظ الزوج كذلك دائم الغضب على زوجته، وينتقدها باستمرار ويحتقرها “يْخْ عْلَ مْرَ كِدَيْرَ انا مَعْنْدِ زْهْرْ شوف لَلِيّاتْكْ كِدَيْرينْ الزّينْ ودْراعْ”، ونراه نادماً على اختياره لها ويتهم من كان واسطة له بالزواج معها “الله يْنْعْلْ مْنْ كانْ لي حِيلْ وسْبابْ”.
بطبيعة الحال، يتأثر الأطفال بهذه الشجارات الزوجية وبما يسمعون من أفواه آبائهم. وهذا ما سوف يؤثر عليهم في تكوين شخصيتهم ونضج عواطفهم وإنتاج النموذج الزوجي نفسه عند كبرهم.
1- جهل الزواج أنه مؤسسة مقدسة
يجهل المغاربة أن الزواج هو، قبل كل شيء، مؤسسة مقدسة من لدن الدين والقانون؛ لأن الزواج هو الحصن الحامي للمجتمع بصفة عامة وبالنسبة إلى الطفل بصفة خاصة. الطفل هو الذي يقود المجتمع غداً. والمجتمع المتمثل في الدولة يضع الطفل تحت حضانة مؤسسة الزواج عاقدأً معها ميثاق التكفل به حتى يصبح عنصراً متوازناً وسليماً لخدمة المجتمع.
يجهل المغاربة دورهم داخل مؤسسة الزواج، كما يقلصون هذا الدور في “عقد” الزواج أو ما يسمى بِـ”الكاغْطْ” لتكون علاقتهم شرعية ويستطيعون إنجاب الأطفال وأن يقوم الزوج بواجباته “الدَّاْر وْالقُفَّة وْاللباسْ وْالطْبيبْ” والزوجة بِـ”شْغالْ دْيالْ الدَّارْ ولكوزينَة وْتربية الأطفال وْتْعْطي للرَّجْل داكْشي لِكَيْحْتاجو”.
ولتجنب النزاعات يكون الحل هو أن الرجل “رب البيت” و”هْوَ لْكَيْحْكْمْ ولْمْرَ أو لْوْلِيَّ تْسْكُتْ وْتْسْدْ فْمّْها”.. بمعنى آخر، يصبح الزواج وتدبير البيت “بْحالْ القْشْلَة دْلْعْسْكرْ”، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون مودة ورحمة بين الزوجين (على حساب المرأة بالطبع).
وهذان الأمران متناقضان؛ لأن الرجل هو “رب البيت” لوحده فقط بدون شراكة المرأة بالتساوي، ولا يترك مكاناً للمشاورة “كْلْمْتُ مَطِّيحْشْ” فكيف بإمكان المودة والرحمة أن تنمو في حكم ديكتاتوري وذكوري؟
كما يعتبر المغاربة أن شروط الزواج تتقلص في المهر والعمل والعرس والكفاءة الجنسية و”قادَّة بْشْغُلْ الدَّار”. وبهذا الشكل، يصبح الزواج أمراً بسيطاً، حيث إن هذا المشروع بإمكانه أن يتكرر لمرات عديدة في حياة شخص واحد كأن الزواج عملية تجارية فقط. وإذا لم تعجبه البضاعة يُرسلها من حيث أتت “نْصِيفْطْها لْدارْ بَّها وْنْجيبْ مَحْسْنْ مْنّْها وْألفْ وْحْدْة كَتْمْنّاني”. الزواج بهذا المفهوم إجرام ضد مؤسسة الزواج.
2- جهل شروط مؤسسة الزواج
* أول شرط غائب في مجتمعنا هو المساواة بين الذكر وبين الأنثى من باب الحقوق. ولهذا، من المستحيل تحقيق السعادة..
* لا يرى الزوجان أنهما شريكان متساويان لرعاية المؤسسة وجعلها حصناً للراحة والهناء والسلم لهما الاثنين ولأطفالهما..
* جهل دور كل شريك في خدمته المتفانية لشريكه، وإذا غاب هذا الدور غابت سعادة ورخاء مؤسسة الزواج..
* جهل شرط المشاورة بين الزوجين..
* شرط الصدق المطلق
* شرط معرفة ذاته وهو التأكد من كل شريك معرفة نفسه جيداً (ما هي نقط ضعفه ونقط جمال شخصيته) ونقلها إلى الشريك قبل الزواج بدون مراوغة أو تستر، وليس المهم هو معرفة شخصية الشريك وتجاهل الذات. ونجاح المؤسسة الزوجية يكمن في تركيز كل شريك على نفسه فقط وبذل الجهد لتطويرها؛ ولكن مع الأسف نرى عكس هذا، حيث كل شريك يركز على عيوب الآخر فقط معتبراً نفسه أكثر نزاهة من الآخر..
والأخطر من هذا هو أن كل شريك يريد تطبيق خيالاته الشخصية على شريكه معتقداً أنه سيتغير بعد الزواج؛ فمثلاً تتقبل الفتاة الزواج برجل يخمر معتقدةً أنه سيتغير، ولكن بعد الزواج يبقى الرجل على حاله وتعود الزوجة غير قابلة على هذا السلوك ويزداد النزاع أكثر. ففي هذا المثال كان على الفتاة أن تشترط على شريكها ترك الخمر وإلا ترفض مشروع الزواج. وهذا المثال ينطبق كذلك على أجرة الفتاة (الموظفة) بحيث يتعهد الشريك بأنه سيتحمل كل مصاريف البيت معتقداً أن بعد الزواج ستسهم الشريكة حتماً في مصاريف البيت.. هكذا يصطدم الشريك ويضاف هذا المشكل إلى جدول النزاعات.
* اعتبار مؤسسة الزواج كحل لمشاكل الفرد من الناحية المادية والجنسية والوحدانية والمطبخية والنفسية، وبالخصوص “باشً يْديرْ كِالنّاسْ” أو “اِوَا صافي دَبا خَصّْكْ شي مْرَأة أوْ راجْل”. مؤسسة الزواج هو مشروع جدي وعلى كل شريك أن يكون مهيأً وقادراً على إنجاحه.. ولهذا، إذا غابت الدراسة الدقيقة لهذا المشروع من كل الطرفين وما يُنتظر من مجهود من كل شريك يتحول الزواج إلى عملية أو لعبة اجتماعية فقط.
* غياب مراجعة النفس والتساؤل عن سلوكهـ(ها) وتقييم دورهـ(ها) وغياب المجهود الشخصي لكل شريك على نفسه فقط وتحريم نقد الشريك الآخر يكون سبب الوقوع في فخ النزاعات حسب المثل المغربي “جْمْلْ كَيْشوفْ هِحْدْبّْتْ صاحْبو”.
* غياب ثقافة الحوار واحترام رأي الآخر: ينعدم مفهوم الحوار في مجتمعنا، حيث لا يتحاور الشريك على أنه قد يكون خاطئاً ويستمع للآخر ليتحقق من الأمر.. وعلى عكس هذا حوارنا بين الأفراد مبني على أساس أن الآخر خاطئ مسبقاً ولا حاجة إلى أن يستمع للآخر أبداً. ولا داعي للحديث عن مبدأ الاحترام؛ فهو منعدم كلياً، وهو سبب كل النزاعات..
ربما سأكتفي بهذه الشروط التي تغيب في تربية الطفل بالمنزل أو المدرسة، وهي لب التكوين عند الطفل الذي نعتمد عليه لخدمة ورُقي المجتمع ونتركه يكرر نموذج زواج والديه بدون أن نُكونه ونُهيئه لمؤسسة الزواج..

*طبيب ومحلل نفساني

الشجارات بين الأزواج المغاربة .. حصون تتهاوى وأطفال ضحايا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى