رأيسلايد

عاش المَلِك .. كلُّنا الزفزافي .. لِيَسقُط الفساد

نورالدين برحيلة



ا
ثلاث سنوات وأمي المقاومة عيشة المكي، التي أعطت الكثير خلال حياتها الموشومة بالتضحيات الكثيرة والصبر الجميل، كغيرها من المغربيات والمغاربة الذين قاوموا المستعمر بشهامة وشراسة، منهم من استشهد ومنهم قضى نحبه ومنهم من يحتضر.. ثلاث سنوات وأمي الغالية مشلولة طريحة الفراش، قوية الأمل متشبثة بالحياة، لكن “وحش الفساد” المستفحل في قطاع الصحة (وباقي القاعات) كان أقوى وأعتى من أملها وإرادتها في العلاج وأن أسلمت روحها إلى باريها، بعد رحلة طويلة من الألم والأنين، واللامبالاة والابتزازات والإهانات التي كنا نتلقاها في ردهات المؤسسات الاستشفائية، ولا أُعَمِّم، غير أن باقة أزهار الشرفاء لا تصنع فصل الربيع..
قبيل وفاة أمي التي أحتسبها شهيدة، قررت التوقف عن الكتابة، مادامت الكلمة أصبحت ضعيفة كسيحة لا حول ولا قوة ولا نفع ولاجدوى، أقسم لكم أعزائي القراء، أنني أكتب هذه المقالة وأنا أبكي بدموع حارة، أبكي حال وطني أكثر مما بكيت أمي المؤمنة المقاومة، التي عاشت وماتت مُكرِّسةً حياتها تضحية للقيم الإنسانية النبيلة، مكسورة الجناح بأنفةِ تحاوِل إخفاء جراحات القهر في مغرب يتحرَّشُ فيه المفسدون بحياة وكرامة المواطنين.. أطفالا، نساء ورجالا، شبابا وشيبة.. أمي التي سجلتني في المدرسة خُفية من والدي بعدما قرر “السيد الفقر” أن يكتفي بمواصلة الدراسة فقط إخوتي الكبار.
كيف سيكون إحساسك وأنت ترى أمك المُقاومة التي ضحت من أجل الوطن ومن أجل أسرتها بالغالي والنفيس، تُصبح مشلولة فاقدة للحركة والنطق، وتحملها من مستشفى إلى مصحة.. ويُتعاملُ معها كجثة انتهت صلاحيتها؟؟ – ماذا يعني أن تنتهي حياة الذين أعطوا للمغرب الكثير بهذه الطريقة التراجيدية التي تسحق كرامتهم وكرامة ذويهم؟
ماذا يعني أن يتم إذلالك في المستشفيات والمصحات وتخير بين دفع الإتاوات المنتظمة أو التجاهل وهضم حقك في العلاج؟ أليس هذا هو الاحتقار؟ أليس هذا هو سحق الكرامة؟ أليس هذا هو الفساد؟
ماذا يعني أن تنقل النساء الحوامل على نعش الموتى وأن ينقل المرضى في الدراجات النارية (التريبورتور) إلى المستشفيات وسيارات إسعاف وزارة الصحة والجماعات الحضرية والقروية تقدم خدماتها بمقابل الأصوات والميولات والنفوذ والنقود؟ أليس هذا هو الفساد؟
أليست المتاجرة في مناصب الشغل والتوظيف لعديمي الكفاءات في كل القطاعات فسادا؟
أليست المضاربة العقارية وميلاد طبقة من “رجال ونساء أعمال” حققوا ثراء فاحشا بالاستفادة من أثمنة رمزية لمساحات شاسعة من الأراضي المخصصة للسكن الاجتماعي وتحويلها إلى منجم ذهب للاغتناء السريع باستنزاف المواطنين البسطاء.. أليست المضاربة العقارية فسادا؟
أليس التغاضي عن تجار المخدرات الذين دمروا شباب وشابات المغرب فسادا؟
أليست الرداءة المُرعبة في تعليمنها وفق مؤشرات التصنيف العالمي فسادا؟
أليس عدم حصول ولو جامعة مغربية واحدة بما فيها جامعة الأخوين على حق التصنيف فقط ضمن الجامعات فسادا؟
أليس احتقار المواطنين في الإدارات المغربية واستفحال الرشوة في مرافق إدارتنا فسادا؟
أليست هواية الفساد المالي سرقة المال العام فسادا؟
أليس عجز ميزان الميزان التجاري المغربي وارتفاع المديونية، التي تصرف دون حكامة جيدة، في الوقت الذي يصطفُّ فيه جُلُّ المغاربة في خط عتبة الفقر، وبالتالي صعوبة تحقيق العيش الكريم، أليس تدبير العيش الكريم من مهام الممارسة السياسية الديمقراطية، أليس هذا الفشل السياسي فسادا؟
أليس العفو الرئاسي عن المفسدين في حكومة السيد بنكيران بعبارته التي ستظل محفورة في أخاديد التاريخ المغربي “عفا الله عما سلف” أليس العفو عن المفسدين فساد؟
أليس عدم محاسبة الذين أثبت المجلس الأعلى للحسابات تورطهم في قضايا فسادِ ونصب واحتيال فســـــادا؟
أليس اقتحام منازل المواطنين الآمنين في الحسيمة وبعثرة أثاثهم وتخويف أطفالهم فسادا؟
كنت أتمنى أن تنزل مروحيات الأمن والدرك وتلقي القبض على المتورطين في سرقة المال العام، وعلى المفسدين الذين يشكلون الفتنة الفعلية والخطر الحقيقي على أمن المغرب والمغاربة، والسلطات المغربية تعرفهم جيدا، وملفات بعضهم توجد في مكاتب المجلس الأعلى للحسابات، كنت أتمنى أن يعطي وكلاء الملك الأمر بإلقاء القبض على المفسدين الذين حولوا المغرب إلى سوق ممتاز للاغتناء غير المشروع، وإهانة أبنائهم للمواطنين، وهم في حالة سياقة جنونية لسياراتهم الفاخرة واستخفافهم بالقانون وبكرامة رجال الأمن “أليس هذا فساد؟” ألم يعطي المجلس الأعلى للقضاء وعدا بتحقيق العدالة التي تضمن كرامة كل المغاربة في إطار المساواة بين كل المواطنين أمام القانون، تحقيقا لاستقلالية ونزاهة القضاء.
إن اعتقال الناشط الحقوقي ناصر الزفزافي والكثيرين من المحتجين ضد الفساد، بتلك الطريقة أساء كثيرا للمغرب، وشوه الصورة الناشئة عن مغرب ديمقراطي لا يضيق صدره بحرية التعبير، نعم عبارة “كلنا الزفزافي” تعني أننا نحن معظم المغاربة تَعِبْنا من سياط الفساد الذي يسلخ يوميا جلودنا، نعم سيدي الملك نتوسل إليك، لقد تعبنا من المفسدين، الذين يقتلون كرامتنا يوميا، في كل مناحي الحياة، لقد كان خطابكم سيدي الملك في الذكرى الـ61 لـ”ثورة الملك والشعب” ثورة في خُطبكم الملكية، جاء بعد تساؤلكم الإشكالي في خطاب العرش: – أين الثروة؟ حيث أكدتم في خطاب الثورة أن: “اللحاق بركب الدول الصاعدة لن يتم إلا بمواصلة تحسين مناخ الأعمال، ولاسيما من خلال المضي قدما في إصلاح القضاء والإدارة، ومحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، التي نعتبرها مسؤولية المجتمع كله، مواطنين وجمعيات، وليست حكرا على الدولة لوحدها”.
هكذا يحُـثُّ الملك المغاربة قاطبة على محاربة الفساد، وإلا فإن المغرب سيخْلِفُ موعده مع التاريخ، لذا فمحاربة جميع مظاهر الفساد مسؤولية الجميع، ومادام المَلكُ أقـرَّ بوجود الفساد في مفاصل الدولة، وطالب المغاربة بالتصدي له، لا يُمْكِن لأحد أن يكون مَلَكِيا أكثر من الملك، نعم دعوة الملك إلى ضرورة محاربة الفساد ورش مركزي كبير، يحتاج استراتيجية استعجالية، بوضع إجراءات تشريعية وتنفيذية صارمة حازمة لاجتثاث الفساد من المغرب الحبيب.
غير خفي أن الفساد أصبح منظومة أخطبوطية ونسقا بنيويا محكم الحلقات، مما جعل المفسدين يتوهمون أنهم قد تغوَّلوا وأصبحوا فوق القانون، وفوق إرادة الشعب المغربي الأبي، كلا، فكما تلاحم الشعب مع العرش وطرد المستعمر الغاشم، هذا الشعب المغربي اليوم أكثر مما مضى ارتباطا بالمؤسسة الملكية، في تلاحم متين معكم سيدي الملك، من أجل تطهير البلاد من الفساد.
المؤسسة الملكية اليوم، أصبحت مُحَصَّنة بإجماع المغاربة المُدركين لأهمِّيتِها القصوى في استقرار واستمرار وحدة وسيادة المغرب، وتماسك النسيج الاجتماعي المغربي، وبالتالي لا داعي للمزايدات في هذه المسألة، والمغاربة يحترمون ويُحبُّون الملك محمد السادس لتواضعه وطيبوبته وإنسانيته، وتبنِّي الملك لخيار الملكية البرلمانية الدستورية، كاختيار ديمقراطي لا رجعة فيه، دليل على تشبُّعه بالقيم الديمقراطية الحداثية، ورغبته الحَثيثة في تشْيـيد دولة الحق والقانون، وبناء دولة المؤسسات والاستحقاقات والكفاءات، والحسم والقطع مع دولة الأشخاص والريع والولاءات.
سيدي الملك في الشدائد العظام يلجأ إليكم المغاربة، مرددين دائما وأبدا الشعار الخالد “الله-الوطن-الملك”، وثقةُ المغاربة في حكمتكم لا تضاهيها ثقة، وشباب المغرب الذين يحلمون بملاقاتكم لالتقاط صورة معكم تكون لهم فخرا واعتزازا، هم أنفسهم الشباب الذين يناشدونكم لإنشاء المجلس الأعلى للشباب، كمؤسسة تجعلكم على اضطلاع قريب بمشاكلهم وطموحاتهم، أنتم سيدي الملك الذي منذ كنتم وليا للعهد جعلتم ديوانكم مركز استماع لصوت الشعب، وأستعطفكم سيدي الملك إنشاء المجلس الأعلى لمحاربة الفساد، وهو المؤسسة التي ستكون السيف البتار لكل مظاهر الفساد، إتماما لإنجازاتكم الجبارة في بناء مغرب قوي، وهي إنجازات لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، نعم مغرب الملك محمد السادس هو مغرب البناء والأوراش الكبرى، التي يريد بعض المفسدين الاغتناء منها، وهو ما جعل الإصلاحات الكبرى تواجه عراقيل الفساد، لذا فاحتجاج المغاربة ضد الفساد سيدي الملك ما هو إلا استجابة لدعواتكم في العديد من خطبكم السامية، لمحاصرة جرثومة الفساد التي لا تبقي ولا تذر، وهو ما جعل الكثير من المغاربة يعزفون عن الشأن السياسي في المغرب ويتابعون بحماسة الانتخابات السياسية والاستحقاقات الرئاسية في أمريكا وفرنسا، لأن الفساد السياسي أدى إلى فقدان المصداقية في ممارستنا السياسية، سيما وأن الكثير من السياسيين جعلوا من السياسة وسيلة دنيئة لخدمة مصالحهم الخاصة واقتناص الامتيازات.
سيدي الملك أبارك لكم ولأسرتكم الشريفة رمضان المبارك داعيا لكم بموفور الصحة وطول العمر وأن يحفظكم في ولي عهدكم مولاي الحسن وسائر الأسرة الملكية الشريفة، سيدي الملك المؤسسة الملكية عندنا نحن المغاربة عقيدة نحميها بأرواحنا، كما ضحى المغاربة من أجل استقلال المغرب بأرواحهم، لأن الشعب المغربي لا يقبل الذل والمهانة، والقابلية الوحيدة للمغاربة هي قابلية الكرامة والعيش الكريم.
سيدي الملك في شهر رمضان تتضاعف فيه مكرماتكم، وكما وسَّمتم العديد من الشباب بأوسمة ملكية في مجالات مختلفة، ألتمس منكم في هذا الشهر الفضيل منحكم وساما ملكيا للناشط الحقوقي ناصر الزفزافي، لجرأته واحتجاجه ضد الفساد وغيرته الوطنية وحبه للوطن، معية الرافضين لوباء الفساد، وهذا ما سيظهر للعالم أجمع أن المغرب استثناء لا يُخلف موعده مع الديمقراطية الحقة، التي تُشجع على ممارسة التفكير وحرية التعبير وتصون كرامة المواطنين، وهذا ما سيقطع الطريق على المتربصين بوحدة الوطن، في عالم أصبحت الفوضى الخلاقة تُصنع فيه من طرف خبراء ماكرين في مراكز عالمية بغية زرع العنف والفوضى الهدامة لتخريب الأوطان جعل الله كيدهم في نحورهم.
الهم اجعل المغرب آمنا سالما سخاء رخاء وارزق أهله من كل الثمرات،كلنا فداء الوطن.. كلنا فداء الملك، وعقيدتنا الراسخة التي من أجلها نحيا ومن أجلها نموت هي “الله-الوطن-الملك”.. “
عاش المَلِك.. كلُّنا الزفزافي.. ليسقط الفساد”.
عاش المَلِك .. كلُّنا الزفزافي .. لِيَسقُط الفساد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى