تارودانت..فصل الكلام بمقتضى التحفيظ والأحكام
علي هرماس
هو خلاف بسيط يرجع لسنة 2008 تعقد ليتحول الى نزاع قضائي، واليوم
2018 ساهمت قنوات التواصل الاجتماعي في جعله قضية رأي عام روداني، ومطلب
فئة عريضة من المجتمع المدني المحلي تأكد على ضرورة الحفاظ على ما تبقى من
عينة عمارة أصيلة شكلت لقرون هوية بصمة معمارية رودانية . من زاوية الرصد
هذه يتأتى لكل غيور مهتم القيام بتقصي واستجلاء حقيقة الأمر بمنأى عن
النزاعات الفردية الخاصة، وما نتج عنها من اخبار متضاربة بين القيل والقال،
لنخلص كاستنتاج الى ضرورة ابعاد المشاحنات الخفية الغير المعلنة عن تدبير
الشأن العام المحلي.
بداية تم الاتصال مباشر بطرف رئيسي في النزاع والذي راكم مع توالي
الأعوام وجلسات بث الأحكام، ملف ضخم من المستندات والوثائق عن القضية، لكن
طلب تمكيني من الاطلاع على النسخ خاصة منطوق الأحكام الصادرة في الموضوع أو
بعض الوثائق ذات صلة بالادعاء أو قرائن الدفع الممكن أن تفيد، تنويرا
للرأي العام المحلي، باء طلبي بالفشل ولم تسعفني في ذلك عدة اتصالات هاتفية
بالمعني الرئيسي بدون جدوى، ما دفع بي للبحث والتقصي لدى الغير بما في ذلك
المصادر التي تقف بمقتضى الانابة، أيضا الجهات الادارية ذات الصلة بموضوع
النازلة.
بتاريخ 8 يناير2008 احدى السيدات تقدمت لدى ادارة الوكالة الوطنية
للمحافظة العقارية بتارودانت بمطلب تحفيظ عقاري لمنزل متكون من طابقين سفلي
وعلوي ، وذلك استنادا لمجموعة وثائق ادارية ضمنها عقد شراء موثق في سنة
1961 ، ما دفع بشخصين لتقديم تعرضين جزئيين شهر يوليوز، اضيف لهما تعرض
ثالث في غشت من نفس السنة، احدهما ينازع في حق ملكية دكان فيما الآخرين
انصب تعرضهما على حق المرور الذي يخوله لهما ممر عمومي، فأحيلت مسطرة
التحفيظ على أنظار المحكمة الابتدائية بتارودنت للنظر في القضية والفصل في
موضوع الخلاف .
بتاريخ 24 فبراير 2011 صدر حكم تمهيدي تقرر بمقتضاه اجراء معاينة
وبحث بعين المكان، وهو المستند القضائي الذي انجز فعلا بعد عشرة اشهر
بالضبط في 13/12/2011 تبين وقته أن التعرض غير مؤسس على أساس قانوني
وكاستنتاج يتعين بالتالي الحكم بعدم صحته.
بتاريخ 26/01/2012 أصدرت المحكمة الابتدائية بتارودانت في جلستها
العلنية وهي تبث في قضايا التحفيظ حكم عدد 12 ملف رقم 71/10 قضى منطوقه بعد
المداولة وطبقا للقانون بعدم صحة التعرضات التي تقدم بها الأطراف الثلاث،
واحالة ملف القضية على الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية بتارودانت
لاستكمال عملية التحفيظ، الاجراء الذي حدد خلاله التحفيظ العقاري علامات B6
و B7 و B10 و B11 حق ممر عمومي مغطى/ الصابا، بالاضافة الى حق حائط عرضه
40 سم مشترك مع مسجد سيدي وسيدي، ومند تاريخه الى اليوم لازالت علامات
الصباغة الحمراء الخاصة بالإجراء مثبتة على زوايا الصابة، وسجل الرسم
العقاري للمسكن بما فيه الصابا تحت رقم 39/39134 مساحة الكل 144م² .
في احدى السنوات شهدت تارودانت شتاء مطيرا تضررت معه عدة مآثر تراثية
منها سور المدينة وبعض الصابات، فوُقع محضر مشترك بين مندوبية الشؤون
الثقافية بتارودانت التي تكلفت بجلب ثلاث عمال أعوان الخدمة التابعين لها ،
فيما المجلس البلدي التزم بتوفير الحاجيات الضرورية لأوراش الترميم
والاصلاح من آليات ووسائل عمل ومواد البناء وعاملين مساعدين. هكذا في اطار
عملية شاملة لترميم واصلاح بعض المآثر العمرانية المتضررة بتارودانت،
استفادت صابة سيدي وسيدي من الاصلاح وفق الشروط التقنية، وبما أن النزاع
يروج أمام أنظار المحكمة لم يكن تدخل الاصلاح والترميم ليمر دون ربطه
بالقضية لاحقا.
في الوقت الذي كانت تتوالى فيه جلسات محكمة الموضوع اعلاه، خمسة
أشخاص بينهم الثلاثة اصحاب التعرض الجزئي على مطلب التحفيظ، تقدم محاميهم
بتاريخ 27 يناير 2011 بمقال دعوى مدنية فردية ضد مالكة البيت بصفتها مدعى
عليها والجماعة الحضرية لتارودانت بصفتها متدخلة اداريا، اقحام الجماعة
الحضرية لتارودانت في المشكل جاء بناء على ما سبق وكان رئيس المجلس الحضري
لتارودانت قد وجه بخصوصه كتابا لوزير الثقافة بالرباط ، مؤكدا عبره أن
المجلس قام بترميم صابة تستند الى حائط ضريح سيدي وسيدي وفق المعايير
التقنية التقليدية وذلك بتنسيق مع مندوبية الثقافة المحلية، كما أحاط علما
الوزارة أن مواطنين داخل الزقاق غير السالك يهدفون الى ازالت الصابة
لمصلحتهم الخاصة لأنهم كانوا بصدد بناء محلين خارج الضوابط المعمول بها
والتجأوا لكل وسائل الضغط على المجلس ومندوبية الثقافة بما فيها استخراج
قرار للهدم وتم الغاءه … مراسلة المجلس تحمل تاريخ 30/9/2010 سجلت تحت عدد
3020.
ولنا ان نتساءل لماذا اقحم المجلس الحضري في المشكل، وثم استثناء
عمالة اقليم تارودانت؟؟ رغم كونها هي الأخرى وبعد شهرين تقريبا عامل عمالة
اقليم تارودانت هو الآخر من جهته يرفع كتابا في الموضوع لوزير الثقافة
بتاريخ 27 اكتوبر2010 عدد 9820 ، مذكرا من خلاله “بالجهود المبذولة محليا
للحفاظ على التراث العمراني بتارودانت ومنه عدد من الصابات ضمنها صابة ضريح
سيدي وسيدي بالمدينة العتيقة. وأن السلطة الاقليمية سوف لن تدخر جهدا
للمحافظة على هذه الصابة وغيرها لمنع هدمها أو اتلافها أو الترامي عليها” ،
واختتمت مراسلة عامل اقليم تارودانت الى الوزير ” لذا التمس من سيادتكم
دعم الجهود التي يقوم بها المجلس البلدي لتارودانت للحفاظ على هذه الصابة
والتراث المعماري للمدينة العتيقة لتارودانت بشكل عام”.
بناء على الحكم التمهيدي رقم 81 بتاريخ 22/11/2011 انتقلت الهيئة
القضائية بعد شهر تقريبا – أأكد الهيئة القضائية وليس جهة أخرى- ووقفت بعين
المكان يوم 20/12/2011 وخلصت الى كون البناية موضوع النزاع شيدت قبل عشر
سنوات تقريبا … ومما تم تعليل الحكم به أن الصابا لا تعرف اي تصدعات عميقة
على جدرانها وسقفها ولا تشكل أي خطر على المارة، وأن دفوعات المدعى عليها –
صاحبة المسكن- جدية ووجيهة ومرتكزة على اساس ويتعين الاستجابة لها ، فيما
رفض طلب المدعين .
بعد خمسة أشهر أي بتاريخ 13/11/2012 تقدم محام الأطراف خاسري الدعوى
بمقال آخر من اربع صفحات مرفوع الى السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف
باكادير يطعن في الحكم الابتدائي أعلاه، مستندا الى عدة دفوعات بالبطلان من
بينها ربط القضية “بعملية الدعاية الانتخابية وكون صاحبة المسكن تعتبر من
بين أكبر مروجي أوراق حزب رئيس المجلس الحضري لتارودانت وأن المجلس مؤسسة
عمومية لا يجب استغلالها للحسابات الانتخابية…”
الى هنا أقف عن تحليل وقراءة الوثائق الأولية ومنطوق الحكمين
الصادرين عن المحكمة الابتدائية بتارودانت في القضية المتعلقة بصابة سيدي
وسيدي والتي لم تتوقف عند مستوى الدرجة الأولى من التقاضي، بل استمرت بين
الأطراف على مستويات التقاضي الاستئنافي والمجلس الأعلى للقضاء بالرباط،
وتولدت عنها تداعيات اجتماعية مجلية جلها يستقي من أخبار اشاعات ويهول
الموقف وهو ما انساقت معه عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، عوض البحث
والتقصي من مصادر التقاضي المكتوبة وتلك المعنية مباشرة بموضوع النزاع، وهو
ما دفع بي لربط الاتصال بأحد الأطراف الرئيسيين الذي أكد لي بالقول ” أن
المحكمة لم تحكم لصالح أحد وأنه حتى لو صدر حكم قضائي لصالحي بهدم الصابة
لن أقدم على هدمها”.
في مقابل ها التصريح الوجيه والشجاع، وعلاقة بمضمون مذكرة الاستئناف
لسنة 2012 التي ربطت القضية في جزء منها باستحقاق انتخابي ، عثرت في خضم
السجال الدائر حاليا على صفحات التواصل الاجتماعي بخصوص موضوع هدم الصابة
من عدمه، على تدوينة مجهول هوية صاحبها تدعو :” … لنصرة أخينا ” ما يعني أن
ما كان اتهاما حزبيا قبل خمس سنوات أصبح مطلبا تسييسيا اليوم من طرف شخص
ما، فضل عدم الكشف عن هويته !!! وهذه احدى معضلات سياسة تدبير الشأن ليس
على النطاق المحلي بتارودانت المدينة فقط بل والاقليمي أيضا ، حيث تقحم
قسرا الخلافات والتطلعات الحزبية وربما الشخصية مع المسؤولية التمثيلية
الواجب القيام بها بكل تجرد ومصداقية، هذا هو سبب تخلف مدينتنا التي كانت
لقرون قاطرة الحواضر، فتخلفت والتحقت بها القرى والمداشر.
تجدر اشارة التنبيه أن الصابا طولها 17 خطوة غير مبسوطة ولا مقبوضة،
لم يتبقى من معمارها الأصيل سوى سقف خشبي بطول 6 خطوات مرمم بشكل جيد.