اسرار بريس
دخلت الأحزاب السياسية، خلال الفترة الأخيرة، في منعطف جديد، حيث طفت
إلى السطح مجموعة من السلوكيات التي تعكس ترهل المشهد الحزبي الوطني، بعدما
أصبح الهاجس الانتخابي وصراع المواقع جوهر أجندة التعبيرات السياسية،
بخلاف الصراع الإيديولوجي الذي كان يطبع برامج الأحزاب في فترة ما بعد
الاستقلال.
وشهد حزب الأصالة والمعاصرة “تطاحنات داخلية”، ابتدأت
فصولها بين حكيم بنشماش، الأمين العام، والنائب البرلماني إبراهيم الجماني،
حيث تطورت المناوشات الثنائية إلى اعتداء جسدي. كما عرف حزب الاستقلال
صراعا دمويا بين تيار حمدي ولد الرشيد وتيار نزار بركة داخل الشبيبة. يضاف
إلى ذلك، تحوّل اجتماع الفريق الحركي إلى اشتباك بالأيدي احتجاجا على ترشيح
قيادة السنبلة لمحمد أوزين لمنصب رئيس مجلس النواب.
في هذا الصدد،
يقول عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض
بمراكش، إن “الصراع لا يعكس حيوية المشهد الحزبي، إذ كان بودي القول بأن
أعضاء الأحزاب ليسوا كالقطيع يُساقون إلى ما يُراد لهم، بحيث يختلفون
ويدبرون أمورهم بطريقة يطبعها الصراع والمناوشات، وهي المسألة المفروضة في
الحياة الحزبية، لكن للأسف لا أستطيع قول ذلك”.
وأضاف العلام، في
تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “دوافع نشوب الصراعات لا تتعلق بتاتا
بالبرامج والإيديولوجية والمواقف السياسية؛ فعلى سبيل المثال الصراع الذي
وقع داخل حزب الاستقلال سنة 1959 بين اليساريين والمحافظين كان ذا طابع
إيديولوجي، والأمر نفسه ينطبق على الصراع الذي حدث داخل حزب الاتحاد
الاشتراكي للقوات الشعبية بين الطليعة ومنظمة العمل الديمقراطي، أي أنه
ارتبط بالعلاقة بين الحزب والسلطة”.
وأوضح أستاذ القانون الدستوري
والعلوم السياسية أن “صراع الأحزاب، اليوم، لا نلمس فيه أي رائحة للخلاف
حول الإيديولوجية أو البرامج أو العلاقة مع السلطة، من قبيل البقاء في
المعارضة أو الخروج منها، بل يتعلق أساسا بالصراع حول المواقع الحكومية أو
داخل الأحزاب نفسها، في إطار التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة”.
وبخصوص
الصراع داخل حزب “الجرار”، أكد الأستاذ الجامعي أن “التمزق الذي يشهده
الأصالة والمعاصرة تأخر لبعض السنوات، إذ كان من المتوقع أن يحدث هذا
الشرخ؛ لأنه حزب بدون عقيدة سياسية وإيديولوجية، فقد كان عبارة عن تجمع
لأشخاص يجمعهم هاجس الانتخابات”، معتبرا أن “الحزب سيعود إلى حجمه الطبيعي،
بحيث بدأت تهرب منه عدة شخصيات صوب الحزب الذي يتأهل لاحتلال الموقع الأول
في أعين السلطة، ممثلا في التجمع الوطني للأحرار”.
أما الصراع داخل
حزب “الميزان”، فقد شدد صاحب كتاب “الديمقراطية في الفكر الإسلامي
المعاصر: دراسة جغرافية مذهبية” على أن “عائلة حزب الاستقلال كان بمقدورها
أن تسيطر على خلافاتها، نتيجة الامتيازات التي كانت تُسكت العديد من
المتخاصمين، لكن وجوده اليوم داخل المعارضة، جعل تلك الامتيازات قليلة
للغاية، ليبلغ الصراع أشده، بل لا يخلو هذه المرة من طابع قبلي وعوائلي”.
وتابع:
“الجديد في الصراع الحزبي هو نشوب الخلافات داخل الأحزاب الإدارية
التاريخية، من قبيل التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة
الشعبية؛ لأنها كانت منقادة من قبل شخصية قريبة من القصر، ما جعلها مبنية
على الولاء نظرا لتوزيع الامتيازات”، مردفا أن “الأحزاب لم تعد تراهن على
تموقعها داخل القواعد الشعبية، بل تراهن على تموقعها داخل المواقع الحكومية
أو المواقع القريبة من السلطة، وهو رهان يزداد كلما اقتربنا من
الانتخابات”.