كتاب وآراء

حرق النفس امام المؤسسات :إنتحار بئيس بكل المقاييس

حرق النفس امام المؤسسات : إنتحار بئيس بكل المقاييس .


بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ، في الطريق بين طانطان وطرفاية ،شتنبر ،2024.


قبل ايام اقدم مواطن مغربي على محاولة حرق نفسه امام البرلمان ،اسابيع قبل إفتتاح الدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر اكتوبر .
ان تقدم على حرق نفسك يسمى إنتحارا ، و يمكن لهذه العملية ان تحدث تغييرا ،كما يمكن ان تكون مجرد انتحار ليس إلا .
يعتقد كثير من المغاربة ان واقعة البوعزيزي بتونس التي اطلقت شرارة الإطاحة بزين العابدين بن علي ، فيما آخرون يؤكدون ان شروط سقوط النظام كانت متوفرة وكانت تحتاج الى من يزعزعها على وزن من يوعززها
عدة محاولات تمت في المغرب على شاكلة البوعزيزي اشهرها واقعة حافلة النفايات التي “طحنت” محسن فكري ، وتلتها احتجاجات ، و تطورت الامور الى “حراك “, لكنها لم تفضي الى نفس النتائج في تونس .
تحكي كتب التاريخ عن مواطنين يقبلون على حرق انفسهم احتجاجا على الاوضاع ، لكن ليس كل مرة تسلم الجرة ،وليس كل العمليات كان لها اثر او نتائج . لكن يبقى التاريخ يسجلها ضمن وقائع التاريخ :
ـ في الستينيات من القرن العشرين، اكتسب الرهبان البوذيون، أبرزهم” تتش كوان دك”، في جنوب فيتنام احترام الغرب جراء احتجاجاتهم ضد الرئيس “نغو دينه ديم” بأن حرقوا أنفسهم موتًا.
ـ وفي أوروبا الشرقية، فعلها “جان بلاكس” عقب اجتياح حلف وارسو لتشيكوسلوفاكيا.
ـ وفي عام 1970 قام طالب الجيولوجيا “كوستاس جيورجاكيس” بحرق نفسه موتًا في جنوة في إيطاليًا احتجاجًا على المجلس العسكري اليوناني.
ـ طارق الطيب محمد البوعزيزي هو شاب تونسي قام يوم الجمعة 17 ديسمبر عام 2010م بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ وقالت له: (بالفرنسية: Dégage)‏ أي ارحل (فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة).
أدى ذلك لانتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، أما محمد البوعزيزي فقد توفي بعد 18 يوماً من إشعاله النار في جسده. أقيم تمثال تذكاري تخليداً له في العاصمة الفرنسية باريس.
أضرم على الأقل 50 مواطناً عربياً النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة تقليدا لاحتجاج البوعزيزي,امتدت هذه الظاهرة في عدة دول عربية:
ـ فقد أقدم شاب جزائري عاطل عن العمل يدعى محسن بوطرفيف على حرق نفسه يوم 15 يناير 2011 بعد أن رفض مسؤول محلي منحه وظيفة. وقد توفى بوطرفيف متأثرا بالحروق وأدى هذا الحادث إلى إقالة رئيس بلدية بوخضرة من قبل والي ولاية تبسة.
ـ كما أقدم كل من «سنوسي توات» و«عويشية محمد» وآخرون من الجزائر على إشعال النار في أنفسهم.
ـ كما قام مواطن مصري يدعى «عبده عبد المنعم حمادة» بإشعال النار في نفسه صباح يوم 17 يناير 2011 أمام مبنى مجلس الشعب المصري احتجاجا على إغلاق مطعمه
ـ أقدم رجل أعمال موريتاني يدعى «يعقوب ولد دحود» على إحراق نفسه داخل سيارته أمام مجلس الشيوخ الموريتاني احتجاجا على سوء معاملة الحكومة لعشيرته. وقد لفظ ولد دحود أنفاسه الأخيرة داخل المستشفى الذي كان يتعالج فيه بالمملكة المغربية بعد خمسة أيام من الحادث.
ـ فيما لقي مواطن مصري عاطل عن العمل، يدعى «أحمد هاشم السيد»، مصرعه الثلاثاء 18 يناير 2011 في مدينة الإسكندرية متأثرا بجروحه بعد أن أضرم النار في نفسه احتجاجا على أوضاعه المعيشية.
ـ كما أضرم مصري آخر يعمل محاميا ويدعى «محمد فاروق» النار في نفسه أمام مجلس الشعب يوم الثلاثاء (18 يناير 2011) أيضا.
ـ كما توفي مواطن سعودي في الستينيات من عمره يوم 22 يناير 2011 بعد أن أضرم النار في نفسه في منطقة جازان ولم يتضح ما إن كان أقدم على ذلك مستلهما حادثة البوعزيزي.
ـ كما شهدت المغرب ثلاث حالات إحراق للنفس
ـ وحدثت حالة أخرى في السودان أيضا.
الضحية، فيما بدا جزءا من بروتوكول بوليسي ينم عن إساءة التقدير واللاتعاطف أكثر من أي شيء آخر.
ـ رجل في الكونغو أضرم النار في نفسه نوفمبر الماضي؛ بهدف أن يُلفت الانتباه للإبادة الجماعية التي تحدث في بلاده.
. وقد أطلق بعض علماء الاجتماع والكتاب الصحفيون اسم «ظاهرة البوعزيزية» على الحوادث المتكررة التي تحمل نفس السيناريو.
المغاربة لا يتساهلون مع من يتهور و يمس بسلامته البدنية والروحية كإحتجاج على وضع كيف ما كانت شدة قساوته ، فالمنتحر عندهم مكانه النار خالدا فيها ابدا .
كما لا يتساهل المغاربة مع مخربي المنشآت العمومية و الخاصة ، لأن المغاربة يرون ان الإحتجاج على النقص في امور لا يؤدي الى اتلاف امور موجودة .
بنفس المنطق ، يحس المغاربة ان اي مظاهرة احتجاجية لا يحمل اصحابها الاعلام الوطنية وجوبا وصورة صاحب الجلالة إختياريا يعتبرونها تحمل ابعادا تتجاوز الاعتبارات الوطنية وكانها فيها استقواء بالاجانب خاصة عند استعمال اللغات الأجنبية في اللافتات .
المؤكد ان الحق في التظاهر و الاحتجاج يضمنه الدستور وفتح نقاش حول تشريعاته ،لكن هناك اعراف لا تكتب ولكن تمارس ،
من يقتل نفسه ليقول للآخرين انه يضحي من اجلهم أراه مجرد إفتراء ،وتغليف يأس شخص بغلاف التضحية ،وهذا كذب و بهتان ،لأن الواجهة الوحيدة التي يمكن للفرد فيها ان يضحي الفرد لصالح الجماعة هو الدفاع عن الوطن عبر الجندية و عبر التطوع في الحروب و حماية الحدود .
من يرغب في قتل نفسه فليغلق عليه بيته و ينتحر ويترك رسالته ،اما الانتحار امام المؤسسات فهذا حق اريد به باطل .
فكفى استهتارا بارواحكم ،وبمؤسسات الدولة .
فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى