بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ( مع استعانة بارقام من مقالات اعلامية ) اكادير،شتنبر2024.
“حتى قط ماكايهرب من دار العرس”, هكذا قالها وزير الصحة وهو يعلق على اصرار الطلبة المغاربة المتخرجين من كليات الطب الهجرة الى اوروبا و امريكا و كندا بعد تخرجهم .
الوزير اكد ان الزيادة المقررة مؤخرا للاطباء بالقطاع العام لا ترقى الى انتظارات الاطباء . وقال ان القطاع يحتاج الى ان تكون له جاذبية تدفع الطلبة المغاربة للبقاء بالبلاد .
الوزير ايضا اكد ان لا احد يمكنه ان يمنع الطلبة المتخرجين من مغادرة البلاد .
هذا الكلام الجميل والمر في نفس الآن يضع المغرب في وضع لا يحسد عليه ، فالبلاد تقول فيها المعطيات أن النقص يتجاوز 32 ألف طبيب و65 ألف إطار تمريض.
تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقر أن نسبة التأطير الطبي بلغت سنة 2022 حوالي 1.7 مهني لكل ألف نسمة، في حين تفقد المملكة ما بين 600 و700 طبيب كل سنة.
خصاص كبير تعمل الدولة بكل حزم على مواجهته في افق 2035 ، ولكن دلو الدولة مثقوب مادامت افواج منهم ـ الوطن في امس الحاجة إليهم ـ لكنهم يختارون المغادرة .
إن مجموع الأطباء في القطاعين العام والخاص يبلغ 25575 طبيبا، من المفترض أن يعالجوا أزيد من 36 مليون مغربي، أي بمعدل 7.1 طبيب لكل 10 آلاف نسمة، في حين تشدد منظمة الصحة العالمية على معدل متوسط يناهز 15.3 لكل 10 آلاف نسمة.
ولا يتجاوز عدد الأطباء في القطاع العام 11953، من بينهم 3616 طبيبا عاما، و8337 مختصا، وفقط 323 طبيب أسنان. أما عدد الممرضين فهو 15087، مع 4943 قابلة.
بينما في القطاع الخاص تتوفر البلاد على 13622 طبيبا، من بينهم 5182 طبيبا عاما و8440 مختصا.
خلال السنوات العشر الماضية احدث المغرب ثورة في إحداث كليات الطب التي قفزت الى 11 كلية مع إحداث مؤسسات جامعية جديدة، وهي كلية الطب والصيدلة بالرشيدية، وكلية الطب والصيدلة ببني ملال، وكلية الطب والصيدلة بكلميم،
وإذا كان عدد الأطباء الذين يتخرجون سنويا يصل إلى 1400 طبيب، فإنه مع الأسف “نصفهم يذهب إلى أوروبا”.حيث أن ثلث الأطباء الذين يدرسون بالمغرب يهاجرون سنويا؛ ناهيك عن أن ثلثي طلبة الطب في السنة النهائية يفكرون في الهجرة. كما صرح وزير الصحة.
وتراهن استراتيجية الوزارة على المرور من 2092 خريجا سنويا إلى 6530 سنة 2025 و8770 خلال سنة 2030، والوصول إلى معدل تراكمي للأطباء يبلغ 16590 سنة 2025 و49650 سنة 2030.
الدولة بغرض زيادة عدد الاطباء انتقلت الى السرعة القصوى بإحداث كليات للطب بشكل متواصل ، مع تقليص مدة الدراسة كما هو الحال في عديد من الدول الى خمس سنوات .
هناك نقاش مشروع يقول اصحابه ان اقرار خمس سنوات بدل ستة يحول دون حصول المتخرج على فرصة للعمل بالإتحاد الاوروبي وبالتالي تقليص الهجرة الى وجهة تستقطب الاطباء المغاربة وتحدث خللا في تنزيل استراتيجية الدولة .
محاولات الدولة تروم لإصلاح منظومة الصحة بالمغرب بما في ذلك تقلبص معدل ولوج كليات الطب و زيادة عدد الاطباء من كل دفعة ،و زيادة كليات الطب رغم كلفتها وتعقيداتها خاصة على مستوى المراكز الاستشفائية التي تعتبر ضرورة للطلبة .
فهل يمكن لعاقل ان يزعم ان الدولة وفي ظل استراتيجية واضحة ستعمد الى تمكين طلبة من دبلوم التخرج بلا تكوين او ضعف بيداغوجي ،وبدل ان يحسنوا القطاع يصبحون قتلة بالاخطاء الطبية ؟!!!!
محاولة منع الطلبة من الهجرة امر وارد ، واقرار الوزير ان الزيادات في اجور الاطباء رغم انها كبيرة ،لكنها لم تصل الى ما يرضي الاطباء و يحسن صورتهم ، فإن الدولة تسعى الى تعميم التغطية الصحية لخلق التوازن الواجب بإقبال المواطنين على التطبيب.
عندما حصل الخصاص في التعليم واستنجدت الدولة بمواطنين في اطار التعاقد ،انقلب الاساتذة على الدولة وطالبوا بالترسيم و الادماج و المساواة مع هيئة التدريس .
وعندما ادركت الدولة ضرورة اصلاح الصحة واستنجدت بمواطنين عبر زيادة عدد الكليات و تقليص مدة الدراسة ، انقلب الطلبة على الدولة لان هذا التقليص يقلص من فرصهم في الهجرة الى اوروبا . او انه لا يرضيهم بيداغوجيا .
هل المواطن هنا في قفص الإتهام ؟
ام ان حلول الدولة لا تراعي مصلحة المهنيين في مقابل رغبتها اصلاح قطاعات على حساب الشغيلة وحقوقها ؟
هنا مفترق الطرق ،وهنا تسقط الاقنعة .
فهل تعتبرون ؟