رأي

العلاقات الاسرية ،بين القطيعة و الإستمرارية :

العلاقات الاسرية ،بين القطيعة و الإستمرارية :


بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،أكادير،شتنبر،2024.
“زمان كانت الجورة في القلوب محفورة ، واليوم تفككات الاسر و العائلات مضرورة ،والعلاقات محصورة !!!”
الأسرة جالسة حول مائدة وجبة المساء ، يدق باب المنزل ، والكل يتظاهر بعدم سماع الطرق، عجزا او عدم إهتمام ، و بعد تداول في الامر و وضع إحتمالات من يكون الطارق ، يقوم الاقرب الى الباب او الاصغر بين الجالسين لفتح الباب .
نهض الاخ الأصغر وغاب للحظات وعاد ووقف قبالة الجميع موجها الخطاب لوالدته بأن الطارق هو جارتهم تطلب إناء من اواني المطبخ .
الابناء يوحون بإيماءات وهم يحركون ايديهم في الهواء وهم مستاؤون من طلبات جارتهم مع ان الامر لا يعنيهم في شيئ (!) ,و صوت الام ينبع من وسطهم يطلب من الاخ الاصغر إحضار المطلوب من المطبخ و اعطاءه للجارة .
يقوم الابن بما طلب منه فيعود الى مكانه ، ليبدأ النقاش بين زوج يستفسر عن تفشي هذه الحالة عند الجارة التي لا تتردد في طلب اواني المطبخ ، ويستفسر احيانا في خبث عن اوضاع الأسرة وهل لذلك علاقة بمعاملة الزوج او الغياب المتكرر للابناء ، الإبنة بدورها تعلق على إبنة الجيران التي تمشي في الشارع متباهية ومتعجرفة كبالون منتفخ بالهواء ، وفي المساء تدق الابواب تسعى المساعدة .
الإبن الذي يبدو ان عينه على إبنة الجيران يقفز لقول كلمته في الموضوع حيث يرى ان التعاون بين الجيران فضيلة و ان من حمد الله وشكره ان وضعهم مع اناس طيبين ومقبولي المعاشرة ، و طلباتهم المتكررة علامة على انهم يعتبروننا أسرة .
لكن الاخت الكبيرة العانس لها رأي آخر ،فإعارة اواني المطبخ للغير فيه مخاطر على الصحة في زمن تنتشر فيه الاوبئة و الأمراض المنقولة ، وان هذا السلوك يسمى “السعاية”, ولا يليق بالأسر المغربية ونخوتها ….
اما في حالات اخرى عندما يكون الطارق من الاهل ،فإن الحالة تختلف في ردود الفعل بين الزوج إذا كان الطارق فردا من اسرة الزوجة وكذلك العكس ،
الكل هنا مرتبط بسلوك الزوجة ، الزوجة التي تقدر زوجها من خلال تقدير اسرته تعلم الامر للابناء ويصبح الامر قاعدة في الاسرة وهي الترحيب بأهل الوالدين بلا تمييز ، لكن في حالات اخرى يصبح الخال في مرتبة الأب ،ولكن العم هو كل الشر الذي يجب الحذر منه ، اما العمات والخالات فكلما كن بعيدات عن الزوجة كلما ابتعدن عن البيت مطلقا …
ما رويته لكم ولو كان من صنع خيالي ،لكنه مستوحى من الواقع ،واقع يعكس ان بنية الاسرة المغربية بدأت تتخلى تدريجيا عن الاسرة العضوية التي يكون فيها مكان للجد والجدة و الاعمام و الاخوال والعمات والخالات ،
هذا النظام الذي يميز بلاد المسلمين عن غيرهم ،اصبح في تقلص ، وظهر جيل من الأبناء لا يعني لهم شخص آخر غير الوالدين والاخوة اي شيئ !!!
وكلما كانت الام مشبعة بالعلاقات الإجتماعية كلما غرست في الابناء هذا الحس بالإنتماء ، لكن الحال إما مجاراتهم في تصوراتهم الجديدة بالقطيعة مع الاسرة و العائلة ،او الإكتفاء بالتقرب من اهل الام على حساب الباقي .
وعلى الرغم من ان البعض سيقول ان هناك تفاوتا في تقدير العلاقات الاسرية حسب المناطق ببلادنا ،وان الطابع القروي لبلادنا يساعد على استمرار هذه العلاقات لانها الاساس في القرى ،
الا انه مع الاسف ،ما يعتقده اهل المدينة حتى في نظرتهم للمغاربة بالمغرب العميق في القرى ،يكون هو الاعتقاد السائد ،لان اهل المدن هم من يتحكمون في دوالب الاعلام و الاشهار وصناعة القرار.
فاصبح الشائع عند المغاربة اليوم هو ان نظام الاسرة يتفكك بشكل ملفت .
كثرت حالات الطلاق ،و هروب الابناء الى الشارع ،و تقلص صلة الرحم و تبادل الزيارات مع الاعمام والاخوال ، واصبح الفرد انانيا ،يبحث لنفسه عن حلول فردية ،و يسافر بشكل فردي ،ويفكر بشكل فردي و يقرر بشكل فردي ، وكل ما حفظه في الدين ان قضاء الحوائج يتم بالكتمان ،لان هذا يبعد العين والعياد بالله …..!؟
ما يجب ان نحمد الله عليه ،هو ان هناك قبائل و مجموعات عشائرية لازالت تمسك وتتمسك بالعلاقات الأسرية وتعتبرها اساس وجودنا ، وهناك اقوام من مناطق ببلادنا تقدر الإنتماء الى الاسرة و العائلة ،
وهناك اقوام عبر الازل لا يحبون الإختلاط ،ومنهم المتعصبون لعرقهم على حساب الغير ،ومنهم من يعيش الفردانية و الانانية ولا يحب غير نفسه وعشيرته من المقربين وفق مصالح في الغالب او وفق قناعات …
في المحصلة ، هناك توجه صاعد في المجتمع يرى ان الفرد كي ينجح عليه ان يقلص دوائر الانتماء ، و تشعبات الروابط الاسرية ،و ان بنية الاسرة تبقى بين الآباء والابناء ، وكلما توسعت الا وجرت معها ما نحن في غنا عنه !!!
وهذا اول مسمار من بين مسامير كثيرة في نعش الانسانية و تامغرابيت و الإسلام و الإنسان والحضارة ،
نعش يريد البعض بثقافة غريبة عنا ان يرمينا فيه ويحكم علينا الإغلاق .وندفن احياء
تربينا في بيوت لا تغلق ابوابها ،ونار مشتعلة بفرنها ،وكل ما في البيت رهن إشارة السائل و عابر السبيل ، حليب بقرتنا يوزع على ديار القريب و الغريب ، و لحم معزنا اذا دبحنا نعد بها “كسعة كسكس ” ونرسلها الى المسجد ، وفي اعراسنا نرمي بالزرع في الساقية كي تنقله الى كل الحقول لتزهر الارض فرحا بعطاء اهلها وخصوبة بناتها ،
تربينا ان نضع الماء في اواني فوق سطوح منازلنا لتسقى الطيور وامام بيوتنا لتسعى القطط والكلاب ، نفرح حين يدق بابنا غريب او قريب، ونعطيه احسن ما عندنا ،و نعد له الماء الساخن للوضوء ،واحسن الاغطية التي لا نستعملها الا للضيوف …
هؤلاء هم نحن ، واما ما سردت في اول المقال ،فهو ما اصبح عليه كثير منا ،
ولا حول ولا قوة الا بالله
فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى