أعدها للنشر الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير ، فبراير 2023 ،
مقال :(12).
انتشرت في الآونة الأخيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي فيديوهات لأشخاص يكدسون مبالغ مالية تقدر بالملايين او بالمليارات ، و العملة في الغالب الدرهم المغربي و اليورو الاوروبي ،بل إن بعضهم يقوم بتصوير عملية حرقها ؟!!!
هذا السلوك يعكس ان السيولة النقدية مكدسة في جيوب فئة على حساب فئات واسعة بالمجتمع التي لا تجد ما تسد به رمقها في ظل الأزمة و غلاء الاسعار .
كما عرف عبر التاريخ ان سلوك عرض رزمات النقود او رميها او احراقها هو تعبير عن حصول تضخم نتج عنه فقدان العملة المعروضة لقيمتها .
اكبر نموذج نقدمه هو لدولة فينزويلا التي اضطرت قبل سنتين إلى إزالة ستة أصفار من عملتها، معدلة قيمة البوليفار للمرة الثالثة في غضون 13 عاما، في سياق تضخم مفرط تواجهه البلاد، هو الأعلى في العالم.
قبل تعديل قيمة العملة، كان سعر رغيف الخبز يعادل سبعة ملايين بوليفار، في بلد كانت تعتبر من أغنى بلدان أميركا الجنوبية بفضل نفطها، و ظهرت أشرطة مسجلة لباعة على رصيف العاصمة كاراكاس يبيعون انتاجات يدوية وفنية مصنوعة من اوراق العملة التي لم تعد صالحة للمعاملات .
لبنان ، الدولة العربية التي تتربع سلم التضخم في العالم ، يعيش هذا البلد أسوأ أزماته منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990، وقد تفاقمت مشاكله منذ التخلف عن سداد ديونه في مارس آذار بعد سنوات من اتباع البنك المركزي سياسة الهندسة المالية للمساعدة في تمويل الحكومة. وارتفعت تكاليف الأغذية والملابس 190 بالمئة و172 بالمئة على الترتيب في مايو أيار مقارنة بها قبل عام، وفقا لبيانات رسمية أوردها بنك الاعتماد اللبناني.
ولامست الليرة اللبنانية اليوم حاجز الـ 61 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد في السوق السوداء،
الليرة انهت الشهر الأول من 2023 عند مستوى يفوق 61 ألف ليرة للدولار،
وما يهم القارئ هنا هو وضعية بلادنا وحالته الاقتصادية على ضوء الأزمة العالمية و تزايد نسب التضخم .
إحصاءات، كانت أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط في أثناء ذروة جائحة “كورونا”، أثبتت “تضاعف معدل الفقر 7 مرات على الصعيد الوطني، في سياق الأزمة الصحية، بحيث ازداد من 1.7% قبل هذه الأزمة إلى 11.7% خلال الحجر الصحي”.
وحدّد تقرير منتدى دافوس العالمي للاقتصاد في تقريره عن المغرب أهم “5 مخاطر تُحْدِق بالبلاد على مدى عامين”، تكلفة المعيشة أهمها، ثم “التضخم السريع، وخطر الصدمات الشديدة في أسعار السلع الأساسية، والأزمات الحادة في المعروض من السلع الأساسية، وأزمات الديون”.
ويظهر، من خلال تصريحات المسؤولين الحكوميين، أن الحكومة متفائلة بخصوص وضعية الاقتصاد الوطني، خلال السنة الحالية، حيث تراهن، ضمن قانون المالية لسنة 2023، على تحقيق نسبة نمو في حدود 4 في المائة برسم هذه السنة، مع حصر معدل التضخم في حوالي 2 بالمائة وعجز الميزانية في 4,5 بالمائة.
وصرحت العلوي بمجلس النواب بأنه «من المتوقع أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2023 انتعاشا بمعدل يناهز 4.5 في المائة، عوض 1.5 في المائة المرتقبة خلال سنة 2022، على الرغم من الظرفية الدولية جد المضطربة».
وأوضحت وزيرة الاقتصاد والمالية أن هذا التوقع مبني «على فرضيات ترتكز على أساس محصول متوسط للحبوب بـ75 مليون قنطار، وسعر غاز البوتان في حدود 700 دولار للطن، واستقرار سعر البترول في 93 دولارا للبرميل، واستقرار سعر صرف الدولار مقابل الدرهم في 9.8»
وأبرزت الوزارة أن 84 في المئة من هذا التضخم يرجع إلى مصدرين أساسيين، وهما ارتفاع أسعار المواد الغذائية ارتباطا بالارتفاع الكبير في أسعار هذه المواد في السوق الدولية والذي صادف سنة جفاف حاد على المستوى الوطني، وتساهم هذه المواد ب 5.6 نقطة من التضخم الإجمالي، والمصدر الثاني هو الزيادة في أسعار النقل والمرتبطة ارتباطاً مباشراً بالارتفاع غير المسبوق على المستوى الدولي (104 دولار للبرميل) وتبلغ مساهمة هذه المنتجات 1.4 نقطة.
من هنا يتضح أن أشرطة عرض العملة المغربية ليس انعكاسا حقيقيا لتدني قيمة العملة ،ولكنه تقليد لبعض الفيديوهات القادمة من خارج بلادنا ، لان الواقع الذي لا يعلى عليه هو ان فئات واسعة من مجتمعنا فقدت القدرة على تغطية حاجياتها اليومية بسبب غلاء الاسعار في المواد الأساسية ، وهي أزمة ستستفحل مع قدوم شهر رمضان و اضحية العيد التي ستعرف اثمنة صاروخية بعد ان وصل كيلو لحم الى 100 درهم بالتقسيط.
تبقى انجع السبل لمواجهة الأزمة هو ان نغير نمط استهلاكنا ،وير ظهورنا لاستهلاك يركز على الكماليات بشكل جعلها من الضروريات .
فهل تعتبرون ؟