اسرار بريس…بقلم الكاتب محمد حاتمي البونوني الروداني…
في قراءة ممتعة لكتاب
<Au plus beau pays du monde>
الذي أصدره مؤخرا الكاتب الطاهر بن جلون..يقول في الصفحة 158:
<…qui attendent.quoi?difficile de le savoir.ils attendent.c’est même un métier.>
لقد سئم المغاربة من انتظار الفرج ..انه حالنا اليوم..ننتظر الاحسن لهذا المجتمع حتى اصبح إنتظارنا هو شغلنا واحتياجنا..
اننا حقيقة محتاجون لصحوة وطنية..تمغربيت خاصها تحيى فينا..ليس إلا
لسنا في نقاش أرقام 0,3 فالمائة من هنا, 2 فالمائة من لهيه, وعشرة ديال المليار من هنا ومائة من لهيه..نحن في أزمة إنتماء لهذا الوطن..
فوضنا تدبير شؤوننا الى أناس مهووسين بالارقام وقراءة تقارير مكاتب الدراسات من طينة Big four و ماكنزي ووووو..
إن تعلقهم بالارقام و les bas de bilan ، شحال شاط لينا وشحال ربحنا هاذ العام، وتعلقهم بصحاب les colles blancs (رباعة المنظرين) على قول الفرنسيين ) ينسيهم انهم ليسوا فقط مدبرين للتوازنات المالية ولكن مدبرين كذلك للشأن السياسي والسلم الاجتماعي ، ما يحتم عليهم ، قبل اخد القرارات، تحظير التوازنات الاجتماعية ، الفكرية والايديولوجية للمجتمع.
إنه زمن طغت فيه المادة على الفكر ، طغت المصلحة على العقل، طغت الانا على الجماعة..زمن كتب علينا أن نعيشه ونتعايش مع طبقة سياسية تتصرف كبعض أصحاب سوشل ميديا (المعاطية والسبان) ولا تعي ما تقول للمواطن (..سلم على هداك لي مصيفتك …) الذي وضع ثقته فيها لتحقيق الرخاء المادي والاجتماعي للبلاد.
انها أزمة رجال لم يستطيعوا أن يرقوا الى مرتبة رجال دولة..رجال ينقصهم الالتزام الاخلاقي (l’engagement moral)..رجال لم يستوعبوا رسائل خطب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله..رجال لا يؤمنون بالاختلاف، كنازلة تجميد عضوية النائب البرلماني هشام المهاجري الذي قال الحقيقة التي يعرفها ويقولها جميع المغاربة..رجال جمعوا النرجسية والسلطة فزادت أعراض أمراضهم لتصيب المواطنين من عامة الطبقات الاجتماعية (الشعبية او الطبقة الوسطى) والمجموعات الفكرية .
إنها أزمة تقييم الاخطار ( évaluation de risque) السياسية من طرف رباعة ديال الاشخاص الذين يسمون أنفسهم التقنوقراط، ولي من المفروض يكونوا أداة للاستشارة والتوجيه والمواكبة وليس اداة للقرار.
ان هذه الزوبعة من الاحتقان الاجتماعي انما هي نتيجة توجيه ارادية من هاذ الرباعة التي تقرر اليوم في حاضر ومستقبل المغاربة ..
الصورة الحقيقية لما نعيشه اليوم ليس ما يجري ضاهريا من احتجاجات الاساتذة المحامون واختلاف الموتقون والعدول وشكايات الاطباء من ثقل الضرائب..
انما هو تحوير لمعضلة كبيرة لي هيا العدالة الضريبية الحقيقية .
فكيف لحكومة تشرعن لتخفيض الضريبة على الشركات من 30 فالمائة الى 20 فالمائة..كيف لحكومة ان تشرعن لتخفيض الضريبة على ارباح المساهمين من 15 فالمائة الى 10 فالمائة..قرارات لم تكن لتتصورها الباطرونا ( جمعية أصحاب الشركات الكبرى) حتى في الحلم..
أين حق الطبقة ذات الدخل المحدود من نصيبها في خفض نسبة الضرائب على مدخولها حتى تواجه وتساير الغلاء والتضخم الهائل الذي تتستر عنه الحكومة..
اين نصيب الطبقة المتوسطة من حفظ الثقل الضريبي ، بل اين التوجه الاجتماعي الذي تتبجح به الحكومة وهي ترفع السقف الادنى للدخل السنوي للفرد الذي يخضع للتضريب من 30.000 درهم الى 35.000..إنه الضحك على الدقون ..الاحرى ان ترفعه الحكومة مع التضخم الحالي الى مستوى اعلى ، على الاقل 72.000 درهم سنويا (المدخول الشهري 6.000 درهم لا يجب أن يخضع للتضريب).
انه حيف خضع له 99 فالمائة من المجتمع بما أن الاقلية التي استفادت من الامتيازات الضريبية مع قانون المالية الحالي لا تكون الا 1 فالمائة من المجتمع.
سيقول قائل منهم، تخفيض الضريبة على الشركات تشجع الاستثمار..أقول له الشركات (خاصة المقاولة المتوسطة والصغيرة التي تشكل 95 فالمائة من النسيج الاقتصادي الوطني) محتاجة اليوم في هذه الازمة العالمية للمواكبة في مرونة القوانين ، محتاجة للمواكبة في تبسيط المساطر الادارية، محتاجة للمواكبة في التمويلات من طرف الابناك والمؤسسات المالية، محتاجة للحزم في قوانين محاربة القطاع اللا مهيكل.
كنا نعتقد ان مرجعيتنا الاقتصادية، التي تبنتها بلادنا منذ الاستقلال، تمر من الليبرالية المضبوطة بآليات المراقبة التي تحافظ على التوازنات وحقوق جميع شرائح المجتمع، الى الليبرالية المتوحشة..لكن وللأسف ما نعيشه مع هذه الحكومة و قانونها المالي لسنة 2023 هو مرور الى الدرجة الاعلى والابشع في الليبرالية..انها الليبرالية الافتراسية التي تكرس التسلط والفوارق الاجتماعية والغنى الفاحش والفقر المدقع .
الوطن محتاج للوطننين الحقيقين..لمن يحمل هم المواطنين والاجيال المقبلة.. ليس لتجار الوعود والاحلام ..
وطننا كان غنيا برجاله ونسائه ويجب أن يبقى غنيا برجاله ونسائه الحقيقيين.
محمد حاتمي البونوني
السبت 19 نونبر 2022