المغرب يرمي شباك الاقتصاد في القارة ويزحف سياسيا نحو العواصم الأنجلوسكسونية
يدفع المغرب بالآلة الاقتصادية لتحريك العجلة السياسية في شراكاته الافريقية، إذ يبحث تنويع علاقاته ونقلها من مناطق تقليدية إلى أخرى حديثة أو كانت إلى وقت قريب أرضا خصبة ينتعش بها الخطاب الانفصالي لجبهة البوليساريو والدبلوماسية الجزائرية على غرار دول الشرق الإفريقي الناطقة بالإنجليزية.
ولوحظ في السنوات الأخيرة منذ عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي، أنه اتخذ قرار الانفتاح عن شراكات اقتصادية ثنائية موازية لتحركه السياسي على مستوى المؤسسة الإفريقية، إذ يجني حاليا ثمار اشتغال علاقاته مع بعض الدول التي كانت داعمة للجبهة على غرار كينيا وإثيوبيا وروندا، وهي عواصم ناطقة بالإنجليزية، يبحث من ورائها المغرب مكاسب سياسية من خلال التوجه الاقتصادي.
واستطاع المغرب التخفيف من مناوأة بعض خصومه، مثل نيجيريا التي دخل معها في مشروع اقتصادي كبير، عبارة عن خط نقل الغاز إلى أوروبا. ما سيحقق حتما وفق مراقبين للسياسة الأفريقية للمغرب أكبر مشاريعها على الإطلاق حيث سيكرس مغربية الصحراء بناء على مرور خط الأنانبيب من الصحراء المغربية ما يعني ضمنيا اعتراف 13 دولة يمر الأنبوب عبر ترابها بمغربية هذه المناطق. ولذلك، لا غرابة من أن تسارع الجزائر إلى تجديد مشروعها القديم مع نيجيريا، في محاولةٍ إلى ثني الأخيرة عن التعاون مع المغرب، في ما يخص إنشاء أنبوب الغاز المذكور.
وتفاعلا مع الموضوع، يؤكد عبدالحميد باب الله الباحث في العلاقات الدولية، أن المغرب “لا يفعل الشراكات الثنائية ذلك من أجل المزايا السياسية”، لكن التوافق الاقتصادي “ضرورة سيحقق نوعا من التوافق السياسي، والتقارب في الرؤى حول قضايا مختلفة من بينها قضية الوحدة الترابية للمملكة”.
وعن التوجه المغربي نحو الدول الناطقة بالإنجليزية، يقول المتحدث إنه تمليه متطلبات اقتصادية ملحة في ظل أزمة اقتصادية، تعيشها أوروبا الشريك الأساس للقارة، كما تمليه ضرورة رجوع المغرب لأفريقيته ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، إضافة لمشكلة الصحراء المغربية في أفق الاتفاق حول حل سياسي للقضية.
المغرب اختار التوجه نحو عمقه الأفريقي للمساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لكل الأفارقة. وأن هذا التوجه تكلل بتعزيز المغرب لشراكاته الاقتصادية، وعودته لحضن الاتحاد الأفريقي، ويرى الباحث في العلاقات الدولية أن الهندسة السياسية لتوجه المغرب نحو أفريقيا وخاصة إلى مناطق الشرق تعرف تحولات كبيرة، وتعطي إشارات سياسية واضحة وقوية بأن المملكة المغربية تراهن على دورها الاستراتيجي في مد جسور التواصل مع بقية الدول الأفريقية، من منطلق إعادة التموقع بالمجال الأفريقي.
ومن الناحية السياسية والدبلوماسية اعتبر أكثر من مراقب أنه يمكن للدول الناطقة بالإنجليزية أن تشكل مخاطبا جيدا للرباط داخل مجموعة دول شرق أفريقيا، وفتح الباب لطرح تجربتها وخبرتها في مجموعة من المجالات الحيوية التي تحتاجها دول شرق أفريقيا.
وتابع أن مُقاربة الملك محمد السادس، التي تمثلت في المسارعة إلى استعادة “المقعد” داخل المنظمة التي صارت تسمى “الاتحاد الأفريقي”، بعد معاناة المغرب من قرارات الثلاثي المُناوئ. وفي مسعاه الحثيث، نحو مأسسة العلاقة المغربية – الأفريقية، اعتمدت الدبلوماسية المغربية على البُعد الاقتصادي، عبر تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية جنوب – جنوب، بالتركيز على استثمار ما تتوفر عليه أفريقيا من مقومات ذاتية.
وكانت هذه الأبعاد الاستراتيجية المغربية، للتموضع الجديد في دول أفريقيا. وإن كان في صُلب هذه الاستراتيجية الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد، عبر حشد الدول الصديقة لمواجهة الثلاثي المناوئ، إلا أن من نتائجها المثمرة كان: فك طوق العزلة التي فرضها انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية من جهة أولى، وتنمية الاقتصاد المغربي من جهة ثانية، وخدمة التعاون الأفريقي (جنوب – جنوب) من جهة ثالثة. والملاحظ أن المغرب لم يستثن، في ما يتعلق بمستوى التعاون، حتى خصوم وحدته الترابية (مثل نيجيريا، رواندا، كينيا، إثيوبيا، زامبيا جنوب السودان، وغيرها من الدول).
ومعلوم أن رواندا وكينيا سحبت اعترافها ببوليساريو السنة الماضية، ويمكن أن تلعب دورا مهما وإيجابيا في إقناع، أو على الاقل، تحييد الأصوات التي تناهض مصالح المملكة المغربية.