أسرار بريس… عبدالله المكي السباعي/ سمير فؤاد
يشهد مسجد الحسن الأول بحي لمحايطة بتارودانت طيلة شهر رمضان على وقع اقبال الأطفال عليه بكثافة ، وعلى مساجد المدينة عامة، بشكل ملحوظ ، خاصة أوقات مابين صلاة العشاء وصلاة التراويح ، فمنهم من يقبل للصلاة شأنه شأن الكبار، والبعض يريد اللعب مع أقرانه داخل المسجد، كل على طريقته.( توصل جريدة اسرار بريس بفيديو مسجل من عين المكان يوثق الفوضى العارمة بالمسجد).
وتتفاوت أعمار الأطفال فمنهم المميز ومنهم غير المميز، وهناك من يكون بصحبة أبيه أو أمه أو أخيه الأكبر، وآخر يتجول بين صفوف المصلين يمنة ويسرة، من غير أن ينتمي لأحد من المصلين.. وأثناء الصلاة كثيرا ما تسمع الصياح والبكاء والأصوات العالية للأطفال..هرج ومرج…في كل أنحاء المسجد الذي يعرف توافد عشرات المصلين من كل أحياء المدينة….
فينقسم المصلون على أنفسهم ما بين رافض لوجود الصغار وما بين متعاطف معهم، وسرعان ما ينتهى صياح الصغار ويبقى خلاف الكبار داخل بيت الله. والسبب: الأطفال!!
يوضح الدكتور عبدالوارث عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر. أن التعامل مع الأطفال فى المساجد يحتاج إلى تنوير الآباء حينما يصطحبون أطفالهم، وإلى تنوير المصلين أيضا عن رد الفعل الأنسب، مشيرا إلى أن دخول الأطفال للمساجد له قواعد يجب على الآباء تطبيقها، احتراما لحرمة المسجد وعدم الإضرار بالمصلين أو التأثير على خشوعهم. فعلينا الترفق بالأطفال حتى لا ننفرهم من المسجد وفى نفس الوقت الحفاظ على حرمة المسجد وتحقيق الخشوع لرواده.
والرفق بالأطفال فى المساجد جسده لنا النبى صلى الله عليه وسلم ، فى الحديث الذى رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه رضى الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل الحسن والحسين رضى الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر، ثم قال: (صدق الله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر)، ثم أخذ فى الخطبة.
وبينما كان النبي، صلى الله عليه وسلم يصلي، ذات مرة، إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما فى حجره، وقال أبو قتادة رضى الله عنه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت العاص – ابنة زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم- على عاتقه، فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها (رواه البخارى ومسلم).
وأضاف د.عبد الوارث علينا أن نعود أطفالنا على ارتياد المساجد بدلاً من بقائهم فى الأزقة والحارات عرضة لفساد الأخلاق وسوء الرفاق، وندفعهم إلى ذلك بشتى وسائل التحفيز والترغيب مع مرافقة الطفل فى المسجد وتوجيهه أولا بأول، وأن يوجهه الأب خير من أن يوجهه آخرون فقد يعنفون عليه..
ودخول الأطفال للمساجد مهم جدا، وخاصة فى السن الصغيرة، بدلا من حرمانهم أو طردهم، يجعل الطفل يعتاد المساجد منذ الصغر، وأيضا يتعلم الصلاة، وتلاوة القرآن، وأحكام التجويد، وغير ذلك من الأحكام الشرعية.
على أنه ينبغى للأب عدم إحضار الأطفال الصغار جداً إلى المساجد، لأنهم لا ينضبطون ولا يخضعون لتوجيه،
فمثلا من كان عمره سنة أو سنتين لا يحضر إلى المسجد، ولا بأس بإحضار الأطفال الذين هم فى الخامسة أو السادسة أو السابعة إلى المساجد.
وعلى الآباء أيضا أن يعلموا أطفالهم فى البيت أولا ثم اصطحابهم إلى الصلوات العادية غير الجمعة ثم بعد ذلك إلى صلاة الجمعة بعد أن يبلغ الصغير سنا مناسبة يمكن السيطرة عليه فيها. وأن يعلم الآباء أطفالهم أن يلتزموا بقواعد أدبية فى الجلوس فى المسجد أثناء الصلاة، وعلى الأب أن يخبرهم بحرمة إخراج الصوت أو علوه فى المسجد، وعليه أن يكون متابعا لهم، وأثناء الدرس أو الخطبة يجلس الأب بابنه الصغير بجوار عمود أو جدار أو مكان غير لافت، حتى إذا تحرك الطفل أو صدر عنه شيء، لا يلفت انتباه جميع من بالمسجد، وإذا حدث منه هرج، أو نحو ذلك، فعلى الأب أن يصطحبه لخارج المسجد بكل لين ورفق، وأن يسرع فى ذلك، وأن يحذره فى حالة تكرار الصوت العالى والهرج أن يقوم بحرمانه من الذهاب معه للمسجد، وفى حالة تكرار ذلك سيعرف الطفل أن للمسجد حرمة، وسيحذر الشوشرة، وسيلتزم بقواعد وآداب المسجد.
ولو حدث أن بعض الأطفال شوشوا على المصلين فى المسجد بالبكاء والصياح مثلاً فلا ينبغى أن يثير ذلك المصلين فيحتجون على الطفل وعلى أبيه أو أمه، وقد يشوشون بذلك الاحتجاج أكثر من تشويش الطفل!! بل عليهم أن يتركوا الأمر لإمام المسجد ليعالج الموضوع بالحكمة، واقتداء بمنهج النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك. مع مراعاة أن الرفق واللين أمران مطلوبان فى مثل هذه المواقف. فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون فى شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» (رواه مسلم). ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، فقد حدث أن أعرابياً دخل المسجد النبوى فبال فيه!؟ فصاح الصحابة به، فعالج النبى صلى الله عليه وسلم الموقف بكل رفق ولين، قائلا لهم: «دعوه، وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».
وحذر الدكتور محمود عبده نور، الأستاذ بجامعة الأزهر، من صد الأطفال وضربهم أو طردهم من المسجد إبان كل خطأ يصدر عنهم، فذلك ليس حلا، بل قد يحدث لديهم صدمة، ربما تولد لديهم الفزع حينما ينهرهم أحد المصلين، فقد يصاب الطفل بالرعب ويكره المسجد، نتيجة أنه قام بالشوشرة على المصلين، ولذلك يجب أن يكون التعامل مع الطفل برحمة ولين، دون إدخال الفزع والرعب فى قلبه، والأفضل أن يتربى الطفل على حب المسجد، ونعلمه أن المسجد مليء بالخير والحب والرحمات، كما جاء فى حديث السبعة الذين يظلهم الله فى ظله، حيث ذكر النبى صلى الله عليه وآله وسلم منهم: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى المَسْجِدِ)، وأيضا (شاب نشأ فى عبادة الله).