أسرار بريس….بقلم سدي علي ماءالعينين، ابريل، اكادير، 2022 ( مقال53).
عندما كنت طالبا بالجامعة كان طلبة الفصائل الطلابية يستشهدون بكتاب “رأس المال ” لكارل ماركس ، فدفعني حب الإطلاع إلى ولوج خزانة البلدية بحي امسرنات ، وطلبت الكتاب ، لاجده في جزئين، واصدقكم القول اني يومها لم أفهم من مضامينه الكثير ، ادهلني أنه عبارة عن مجلدين من الحجم الكبير ، مجرد تصفحهما يتطلب أياما وليالي.
وفي حضرة اهل الفقه وأحاديث الدين والشريعة، كنت دوما اجدهم يستشهدون باحاديث من صحيح البخاري الذي اعتبروه أصح كتاب بعد القرآن الكريم ، وتابعت حلقات نقاش في القنوات المصرية بين علماء يشككون في صحيح البخاري مقابل دفاع مشايخ الأزهر على صحته و وثوقيته،
دفعني الفضول العلمي هذه المرة ، واقتنيت صحيح البخاري من ثلاث مجلدات، تفرغت لقراءتها خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، غايتي في ذلك أن اتبين ما يقوله المشككون ، و اقتنع بدفوعات المدافعين، وأن اعطي لنفسي مسافة بين الطرفين لعلي اصل الى قراءة لا تميل كل الميل لا إلى هذا ولا إلى ذاك.
فالله تعالى أمرنا أن نتدبر كتابه، فكيف نمنع عن أنفسنا تدبر كتاب قيل أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.
في الملاحظة الأولى يبدو الكتاب في تبويبه و تفصيله ينم عن مجهود كبير ، حتى أن أحاديث وردت في الكتاب بأكثر من صيغة لا في العبارة ولا في بعض الكلمات، ويبدو البخاري في عرضه لتلك الأحاديث مجرد راوي يخلق مسافة بين صيغ الحديث الواحد ، واعتبرها كلها صحيحة مادامت تعطي نفس المعنى.
كما أن قبل كل باب يأتي باية كريمة و كأن الحديث الذي يليها هو تفسير لها ، وإن كان في ذلك لا يعير اهتماما لأسباب النزول ولا لترتيب الآيات والأحاديث.
سبعة آلاف حديث هي مجموع الأحاديث التي جمعها كتاب صحيح البخاري، ويقول الفقهاء انها عصارة بحث استخرجت منه هذه الأحاديث بين ست مائة ألف حديث!!!!
ولكن ما استوقفني في كتاب صحيح البخاري، ملاحظة سبقني إليها كثيرون، وكل وزاوية رؤيته ويتعلق الأمر بالحياة الخاصة للرسول صلى الله عليه وسلم، الحميمية منها، و المتعلقة بزوجاته بالخصوص.
لا أعرف ما علاقة كل ذلك بالوحي والنبوة والسيرة النبوية الشريفة ، ولا أجد مبررا لتضمينها في كتاب له قيمة فقهية و معرفية لا ينكرها الا جاحد ،؟
كما لا أملك حتى الجرأة لسرد بعضها حياء مني ، وحتى لا اخدش حياء القراء ، فبعض تلك الأحاديث تجاوزت كل طابوهات العفة في القول و السرد والحكي.
ما انصح به كل متشدق بهذا الكتاب هجوما أو دفاعا ،هو أن يطلع عليه ويقرأه، وأن لا ينساق مع الطاعنين ولا المطبلين، فهو في نهاية الأمر عمل بشري يقبل النقد و يحتمل الصواب والخطأ، والقدسية هي لكتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل ابدا ،
و لو دفعتني حماستي لعرضت عليكم ما قرأت غير ابه باحكام المتشددين ضدي وضد هذا النقاش الممنوع الذي أعطيت لنفسي حق الخوض فيه،
لكن إيماني بالله وحبي لرسول الله، وتدبري لكتاب ألله عز وجل، ونيتي الرد على المشككين هو ما دفعني لقراءة الكتاب و معرفة مضامينه،
واقول لكم بكل صدق ،وامانة، وإيمان، أن بعضا مما ورد في هذا الكتاب لن يقبل به مسلم يقول اشهد ان لا الاه الا الله وان محمدا رسول ألله صلى الله عليه وسلم،
ولا اعرف ولا أفهم كيف لرجالات الفقه و علماء الدين أن ياخدوا بالكتاب في شموليته و ينزهوه عن الخطأ، والحال أنه عمل بشري ،اشهد الله أنه حمل بين دفتيه كثيرا من المزايا و كثيرا من المعلومات عن خير البرية، لكن في الوقت نفسه حمل ما لا تقبله شريعتنا، وما يمس بصورة نبينا و ديننا،
قلت منذ البداية انني اعفي نفسي عن الخوض في التفاصيل ، ولا في تقديم الأمثلة والاحاديث عن صحة كلامي ، ومن يجاحدني اناقشه في الخاص عن ما قرأت ،و ما اعتبرته مسا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت نفسه وجدت أنه من الأمانة أن أدعو كل مسلم مهتم بدينه أن يقرأ الكتاب ويعرف ما فيه.
الاسم الاصلي للكتاب :” الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وايامه” ، استغرق في تحريره ستة عشر سنة، فالبخاري ولد في 194 ه وتوفي في 256ه .
وكل العلماء الذين جاؤوا من بعده أقروا أنه أصح كتاب بعد كتاب ألله عز وجل ، و ما اجتمعت امتي على ظلال، فالكتاب بالفعل مجهود كبير و مرجع لا محيد عنه في قراءة سيرة الرسول و أموره،
لكن من باب الأمانة، ففيه من بعض الأمور ما لا يمكن أن يكون صحيحا، وحتى إذا قبلنا تجاوزا بصحته فلا علاقة له لا بالوحي ولا الرسالة، ولا القدوة و الاتباع، ولا حتى أن يكون أمرا خص به الله نبيه دون باقي خلقه.
أن السنة النبوية هي الاقتداء بخير البرية، الذي بعته الله لينشر مكارم الأخلاق، غير ذلك لن يقبله مسلم مؤمن ،ومحب للرسول صلى الله عليه وسلم ولو جاء في صحيح البخاري.
فهل تعتبرون؟؟؟