بقلم يتيم الأبوين : سدى على ماءالعينين ، نونبر 2019.
لا تتعجل في قراءة هذه السطور، فأنت حتما ستضيع على نفسك فرصة أن ترى نفسك بشكل مختلف.
نعم اقصدك انت صديقي و انت صديقتي،انت الذي تعيش بابوين، أو فاقد الأبوين، أو فاقد أحدهما،
بداية، دعني عزيزي القارئ، اقول لك امورا تخصني انا كاتب هذا المقال،
أنا عزيزي القارئ عمري 48 سنة متزوج وأب لأربعة أبناء إثنين منهما راشدين، و أكبرهم بديار الغربة هناك بعيدا في الصين،
وإنا يتيم الأبوين، توفي الاب قبل عشرين سنة، و توفيت الوالدة قبل سنتين،
اما مكان تواجدي وانا اكتب هذا المقال فببيتي مباشرة بعد إطلاعي و مشاهدتي لفيديو مهندس اكلو الذي سجلته والدته وهو يطلب منها مغادرة بيته،
كيف لهذا الشريط أن يجعل ابا مثلي تدرف دموعه بهذه الحدة؟
يوم فقدت والدي، وكنت يافعا،،وكان عمر اكبر ابنائي آنذاك سنتين، يومها بكيت على فقدان صديق عزيز و اب كعمودك الفقري يبني والدك فقراته بحكمة وحماية، و بحنان ممزوج بالصرامة الضرورية،
ويوم فقدت والدتي، وانا على مشارف الخمسين، لم ابكي كثيرا، لا لشيئ سوى لأني لم أعد احس بوجودي ووجداني،
لست فقيه دين، ولست في مقال نصح لأذكرك عزيزي القارئ عن طاعة الأبوين، ولا تقل لهما أف، و الجنة تحت أقدام الأمهات…
لكنني سأدهب بك عميقا لأشاركك السؤال:
ما الذي يبكيني بحرقة هذا المساء و أنا أشهد الشريط؟
لقد إكتشفت ان الإنسان يبقى طفلا مدى الحياة، مسكون ببياض ذلك السائل الذي اوجده، و ذلك الرحم الذي شكله، و ذلك التدي الذي ارضعه، و تلك اليدين اللتان حضنتاه يوم الولادة، وصوت الاب يتلوا آذان الصلاة في اذنه اليمنى،
نعم اريد والدي ان يكون معي اليوم واترك كل مشاغل الدنيا، لاكون له عبدا خدوما، و ان لا افارقه، وإن تكلم لا اناقشه، و لا يمر يوم دون أن أقبل يده و رأسه، اريد والدي ليبقى ضميري الذي يوبخني حين أخطئ، و ينظر إلى بنظرات العتاب حين ارتكب هفوة،
أريد والدي بداخل بيتي وهو يحضن أولادي و يحضنني بقوة، أريده في بهو بيتنا وهو يشد بيدي لأصلي إلى جانبه، اريد والدي لأسارع الخطى وانا اسمع دقاته على باب منزلنا ليمد لي هذيته، و ارتمي بين دراعيه،
ونعم.. نعم.. نعم.. اريد والدتي، اريد ذلك الحضن الذي يسع السماء والأرض، اريد تلك المرأة الجميلة البهية، التي كلما إلتقيت إمرأة اردتها ان تكون مثلها،
اريد والدتي المغربية، الأمية التي لم تطلع على مناهج التربية والعلوم الإنسانية، لكن قلبها موسوعة علوم كونية، اريد والدتي التي تضربني ضربا مبرحا لكن مغلفا بحنان الخوف والحماية،
اريد والدتي التي في عز مرضها و انا على مشارف الخمسين تصر ان تشاركني طعام المصحة خوفا علي ان اكون منشغلا عن الأكل بتتبع إجراءات المصحة،
اريد والدتي لتجلس ببهو بيتي تبحث عن ملامحي في عناقها لأبنائي، و حسها النسائى و الأمومي تريد محو اي شبه لحفدتها لزوجة إبنها مهما إعتبرتها إبنتها،
اريد والدتي وهي تنصحني خيرا بزوجتي فأخواتي ببيوت أزواجهن وتريد لزوجتي ما تريد لبناتها، وتوصي خيرا زوجتي على وتدعوها للصبر على سلوكاتي، و تذكرها بسنوات صبرها مع والدي،
يصعب مواصلة الكتابة لان الدموع تربك ترتيب أفكاري، لكن احس بنشوة غريبة، فقد كنت طفلا يوما ما اعبر بالدموع والصراخ عن تشبتي باشيائي الصغيرة، و اليوم احس بطفولتي واني طفل ملك ملكة التعبير عن اشيائه الصغرى بالكتابة، والدموع،
نعم تغمرني سعادة وانا استعرض شريط حياتي في علاقتي مع والدي، و هذه الدموع هي دموع شوق وحنين ولهفة،
لكنها دموع تأثر بالشريط، ابكي على هذا الإبن المهندس الذي يعيش قساوة ام – إفتراضا- و يرى فيها كائنا مربكا لحياته ونمطه الأسرى،
واردت ان اقول مقالي هذا لاقول لكم، مهما كانت قساوة الابوين، و مهما كانت طباعهما، ومهما احساسنا بالإنزعاج من تصرفاتهما، ومهما قسو علينا ولو حتى في حق زوجاتنا واولادنا،
مهما كانت والدتك في ابشع صورها، عاهرة ساقطة، فإنها لا يجب أن تسقط في عينيك، ومهما كان والدك سكيرا قمارا فاسدا فلا يجب أن تفسد علاقتك به،
اعرف نساء إغتصبهن الآباء، واعرف أبناء حولت أمهاتهم حياتهم إلى جحيم،
لكن كل ذلك يهون، يهون العرض و الشرف، و تهون الحياة و الكون في مقابل وجودها في حياتك،
نعم ماتت الام التي كنا نكرمك لأجلها، مات الاب الذي تحمل إسمه،
مات اساس وجودك، و منطق حياتك، و سر بقائك، ماتت الروح بكل الجروح، ومات فيك الإنسان بكل قيم الحنان،
لذلك صالحوا والديكم او أحدهما إن تخاصمتم، و إغفروا بروح البار لوالديه إن اساء أحدهما،
عيشوا روعة ان يكون لكم ابوان او أحدهما، فإنكم والله لن يكون لحياتكم معنا بدونهما، أو احدهما،
سامسح دموعي وأنهى مقالي، و غدا صباحا ساحضن ابنائي، و لكن صدقوني، إنني في كل لحظة احضنهم فيها يحضرني حضن والدي، و أحيانا يتحرك في شعور أقرب من الحسد انهم لهم ابوان، وانا يتيم الأبوين،
رجاء اتوسل إليكم، الأبوين هما قدر لا تفسير له، ولا بديل عنه، و لا حياة بعده
فهل تعتبرون؟