أسرار بريس….أعدها للنشر :سدي علي ماء العينين ،أكادير ،نونبر،2021.
عندما تريد تقييم إحتمال قيام حرب بين بلدين تحتاج إلى وضع فرضية قيام الحرب في ميزان الوضع الإقليمي و الدولي، و موازين القوى من حيث الإستعداد و الترسانة العسكرية،
وقبل ذلك التمييز بين حرب برية و قصف جوي، أخدا بعين الإعتبار الحدود المشتركة ، و مسافة القصف الصاروخي عبر المجال الجوي الذي يكون في الغالب مشتركا بين دول الجوار.
في حالتنا مع الجارة الجزائر يبدو الأمر اكثر تعقيدا، فالترسانة العسكرية الجزائرية كلها متمركزة في حدود الصحراء المغربية المحمية بجدار أمني يجعل قيام حرب برية من سابع المستحيلات،
أما القصف الجوي من طرف الجزائر سيوقعها في ورطة سياسية، لأن اي قصف لمناطق الصحراء يشكل إعترافا جزائريا بمغربية هذه المناطق ،مادام القصف الغاية منه استهداف مناطق مغربية،
الخيار الثاني هو قصف جوي عبر المجال البحري وهذا أيضا يطرح إشكالا في علاقة الدولة المعتدية مع جيرانها،
فلقصف المغرب لابد من مرور الصواريخ الجزائرية في الأجواء الموريتانية و الإسبانية مما يعني إقحامهما في حرب من طرف واحد،
الخيار الثالث أن تنطلق هجومات الجزائر على المغرب من الجهة الشرقية، وهي منطقة ليست بها ترسانة عسكرية جزائرية التي تكتفي بعناصر محدودة وبسلاح خفيف لمراقبة الحدود،
كما أن الجزائر لن تضرب هذه المناطق لوجود رعاياها بها، حيث يرتبط الشعبان المغربي والجزائري بروابط أسرية عديدة، على مستوى المناطق الشرقية للمملكة المغربية، والمناطق الغربية للجمهورية الجزائرية، إذ تجد العشرات من الأسر التي تختلط فيها المُصاهرة بين المغاربة وأشقائهم في الجزائر.
وفي هذا الصدد، تقول بعض الإحصائيات غير الرسمية إن ما يناهز 15 ألف أسرة تشهد مُصاهرة بين مغاربة وجزائريين.
الحدود البرية بين الجزائر والمغرب هي حدود طويلة تبلغ1601 كم مشتملة على الصحراء المغربية . وفي 28 ماي 1992م تم المصادقة من طرف مجلس النواب المغربي على معاهدة سنة 1972 التي رسمت الحدود مع الجزائر. أشهر هذه المعابر هو زوج بغال الفاصل بين وجدة ومغنية.
وكلها حدود محصنة لا تسمح بقيام حرب برية، لا الآن ولا مستقبلا،
لتقوم حرب بين بلدين لا يتم الإعتماد فقط على ما يملكه البلدان من ترسانة عسكرية، لكن أيضا يتم الإعتماد على سوق تزويد الحرب بالسلاح،
فشراء أسلحة في حالة السلم امر طبيعي، لكن تزويد بلد في حالة حرب باسلحة معناه انك جزء من هذه الحرب،
الجزائر تعتمد على روسيا في ثلثي مقتنياتها من الأسلحة والمعدات العسكرية،
والتحديث الشامل للجيش المغربي معتمد في 91 في المائة منه على الواردات الدفاعية الأمريكية.
فهل سنكون أمام حرب بالوكالة بين روسيا وامريكا في شمال إفريقيا؟
المتتبع للوضع العالمي يعرف ان ذلك غير وارد لا الآن ولا مستقبلا
ونفس الأمر يسري على فرنسا وإسبانيا المعنيين بالوضع في شمال إفريقيا ودول الساحل.
فماذا يحدث الآن ؟
إن التركيز على مواجهة المغرب في المرحلة الراهنة من طرف الجزائر يبدو أقرب لكونه عنوان معركة تخوضها لإعادة الإعتبار لمكانتها الإقليمية التي فقدتها خلال عقود، وذلك منذ تفكك الحليف السوفييتي وما أعقبه من عشرية سوداء بالجزائر وصولا إلى الأزمة السياسية والإقتصادية للبلاد في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
فالبلد الأكبر جغرافيا في أفريقيا ومن أغناها بموارده من البترول والغاز ومن أشدها تسلحا، يجد نفسه بفعل أوضاعه الداخلية الصعبة والتطورات المتسارعة في محيطه الإقليمي، في حالة استنفار استراتيجي يحاول من خلالها إعادة التموقع على خارطة التوازنات الجديدة،
لكن هل يعني ذلك أن الجزائر مستعدة لخوض حرب مع جارتها المغرب وقتل الأمل الضئيل المتبقي بإمكانية قيام تكتل مغاربي؟
في تقديري وعبر سرد كل المعطيات أعلاه، فلن تقوم حرب بين البلدين لكن ما هو واقع ويبدو انه سيستمر طويلا هو نشوب مواجهة ذات طابع غير كلاسيكي تأخذ أبعادا من الأجيال الجديدة للحروب الهجينة، على غرار الهجمات الإلكترونية، والعمليات الاستخباراتية في مناطق حسّاسة أو ضربات محدودة في مناطق موجعة.
وهذا النوع من الحروب الجديدة، تتجاوز فضاءاته جغرافيا الحدود التقليدية،
ومن ثم فإن منطقة غرب أفريقيا قد تكون أيضا مسرحا لمواجهة مغربية جزائرية بدأت على مستوى الديبلوماسية وقوافل التجارة وأنابيب الغاز، ويمكن أن تأخذ أشكالا أخرى.
لذلك اجدد ندائي للمغاربة لمواصلة اللحمة الوطنية لتنزيل البرنامج التنموي الجديد، ورسم عالم جديد للأجيال القادمة، أما شيوخ عسكر الجزائر فهم يرقصون رقصة الشاة المذبوحة،
فهل تعتبرون ؟