أسرار بريس…بقلم سدي علي ماءالعينين ،أكادير ،أكتوبر 2021.
أن تكون مسؤولا حكوميا، أو تتقلد منصبا ساميا في بلد مثل المغرب لا يكفي ان تكون حاصلا على شواهد عليا، ولا ان تنال ثقة الناخبين عبر صناديق الإقتراع ، فالأمر أعمق من ذلك وانت في حظرة نظام ملكي عريق يشكل البروتوكول احد ركائزه كما هو الحال في أعرق ملكيات العالم.
في عهد رئيس الحكومة السابق تناثرت اخبار عن تلقي عبد الإلاه بنكيران لدروس في البروتوكول، فالرجل كان معروفا بقفاشاته المسموح بها في التجمعات الخطابية و اللقاءات الحزبية وحتى تحت قبة البرلمان، لكن تمثيل المغرب بالخارج هو تمثيل للدولة بكل عراقتها وطقوسها ،و غير مسموح لأية زلة أو خروج عن هبة الدولة.
وفي عهد رئيس الحكومة الحالي راجت اخبار منذ توليه الأمانة العامة لحزب التجمع الوطني للأحرار انه استعان بمكتب متخصص في التواصل مكنته من حسن تدبير جميع تجمعاته الحزبية عبر التراب الوطني.
لكن يبقى السلوك الراسخ، و المنهاج الواضح هو الذي يتبعه ملوك المغرب في تربية الأبناء ليكونوا ملوك المستقبل
لقد عيَّن الملك الحسن الثاني على رأس مراسيم البروتوكول أشخاصاً، غالباً من دار المخزن، لهم اطلاع واسع على تقاليد الدولة المغربية، وأمر بعضهم بإجراء بحوث في تاريخ الإمبراطوريات الكبرى التي حكمت المغرب من المرابطين والموحدين والسعديين.. حتى تكونت لديه طقوس متكاملة تمثل شكل السلطة التي اتخذها نظام حكمه المركزي، الذي يكتسي فيه الملك طابع القداسة باعتباره شمسا متى طلعت لم يبد في السماء كوكب.. وكل ما يفيض عنه من جسد أو لباس، أو حركة، أو كلمة.. جالب للبركة واليمن في حالة الرضى وجالب للغضب والعقاب في حالة السخط..
يقول الباحث محمد الشيكر، صاحب العديد من المؤلفات بالعربية حول مسألة الدولة ودار المخزن، “يجب أن نعلم من الناحية التاريخية أن المغرب لم يعرف منذ 20 قرنا سوى مؤسسة واحدة هي الملكية، منذ الملوك الأمازيغ لـ’موريطانيا الطنجية’، بوخوس وجوبا الثاني وغيرهم. إذن جرى عبر القرون تراكم للطقوس التي أعطاها الزمان شكلا معينا. ولكن البروتوكول الملكي لم يتسارع سوى في عهد الدولة السعدية (1554-1636) والدولة العلوية (منذ 1668)”.
محمد السادس ترجم هذا التوجه ولكن بأسلوبه الخاص قائلا في حوار مع “باري ماتش” في 2004: ” الأسلوب مختلف، غير أن للبروتوكول المغربي خصوصيته. وأنا حريص على المحافظة على دقته وعلى كل قواعده. إنه إرث ثمين من الماضي (…) غير أنه يجب على البروتوكول أن يتماشى مع أسلوبي”.
و للحفاظ على هذا البروتوكول فإن تربية ودراسة ولي العهد تتم بمدرسة مولوية يختار الملك تلاميذتها بكل دقة وعناية وحرص، لأنهم سيكونون إلى جانب ملك المستقبل في تدبير شؤون الامة
وعلى الرغم من أن ولي العهد وزملاءه يتشاركون الأساتذة والفصل والمواد الدراسية نفسها، فإن التربية التي يتلقاها الملك المستقبلي للبلاد ليست كتربية بقية الأمراء أو الزملاء، اعتباراً للمهام التي سيقوم بها في خلافة والده في حكم البلاد ورعاية الأسرة الملكية.
ويخضع ولي العهد لتكوين معرفي ونفسي دقيق ومدروس، يضعه تحت الضغط، كما يُدرّب على القيادة واتخاذ القرارات وتحمُّل المسؤولية المنوطة به حاضراً ومستقبلاً.
يبدأ اليوم الدراسي لوريث محمد السادس من السادسة صباحاً بحفظ القرآن الكريم، قبل تناول وجبة الفطور، لتنطلق الحصة الرياضية، ثم الدروس من الساعة الثامنة صباحاً إلى السادسة مساء، فضلاً عن حصة مراجعة ليلية تستمر إلى الحادية عشرة ليلاً.
يحكي الحسن الثاني رواية وقعت له عام 1936 حين أسرع بعض وجوه القوم في لباسهم التقليدي إلى لثم يده كولي العهد، إذ خاطبه محمد الخامس قائلا: “لاحظت يا بني قبل قليل وأنت تدخل القصر ماداً يدك إلى الناس ليقبلوها، ولم يكن يبدو عليك شيء من الضيق، بل كنت على العكس مبتهجا وفرحاً بذلك، لا تنس يا بني في المستقبل أن تسحب يدك عندما يُقبل عليك الناس لتقبيلها، اعلم يا بني أن تعلق الناس بأسرتنا مصدره روحي أخلاقي، ولا يعبر عنه بتقبيل الأيدي”.
يقول المؤرخ إبن زيدان في كتابه « العز والصولة في معالم نُظُم الدولة »: « ومن معرفة الناس لنظام القصور، تتجلى أمامهم عظمة الدولة وخطرها، إذ بِمعرفة حياة الملوك تُعرف حياة الشعوب وأثرها » (الجزء الأول، ص 5).
لقد تابع العالم بأسره كيف ان ملك المغرب حفاظا على هبة الدولة رفض النزول من سيارته في زيارة لفرنسا حتى تمت المناداة على رئيس الدولة لإستقباله معتبرا ان إستقباله من طرف وزير بحكومة فرنسا فيه تقليل من شأن المغرب و المغاربة وملك المغرب و نظام الملكية.
أثناء زيارة رئيس الحكومة عزيز أخنوش للديار السعودية للمشاركة في قمة حول البيئة في أول زيارة له خارج البلاد، سجل المتابعون بعض الملاحظات حول شكل تمثيل رئيس الحكومة لبلاده وملكه،
اول تلك الملاحظات تبدو شكلية ومبالغ فيها وتتعلق بشكل انحناءه للسلام على ولي عهد المملكة العربية السعودية، وهذا كما قلت فيه غمز ولمز من طرف خصوم الرجل،
الملاحظة الثانية تخص شعار القمة الذي بثرت فيه خريطة المغرب بعدم ضم الأقاليم الجنوبية، هو خطأ لا يتحمل فيه رئيس الحكومة أية مسؤولية لكن كان من الضروري لفت إنتباه المنظمين لهذا السهو الذي يمس بصورة المغرب، وسميته بالسهو لأن موقف المملكة العربية السعودية من سيادة المغرب على الصحراء عبر عنه صراحة ممثلها بمجلس الأمن في جلسة عامة الأسبوع الماضي، مما يجعل واقعة الرياض لا تحمل موقفا سياسيا،
اما الملاحظة الثالثة فهي في كتابة إسم المغرب باللغة الإنجليزية، حيث كتب بالعربية :المملكة المغربية، وفي ترجمتها فقط المغرب، في حين ان إسم الدولة المحتضنة إعتمدت الترجمة الكاملة بالعربية والإنجليزية،
لا نبحث عن مبررات لرئيس الحكومة الذي لم يثر هذه الملاحظة مادامت يافطة المغرب في الأمم المتحدة تكتب بالمغرب دون المملكة.
لكن الخلاصة الأهم التي نريد أن نخلص إليها، هي أن رئيس الحكومة يحتاج في القادم من الايام ان ينتبه لأهمية الحرص على البروتوكول، لأنه يمثل دولة لها طقوسها وهي التي تعكس صورتها بالخارج، وحتى نكون منصفين، فالأمر لا يخصه شخصيا ولكن يخص تركيبة الوفد المرافق الذي يجب أن يكون حريصا أشد الحرص على مثل هذه الجزئيات، والمسؤولية الأولى هي على عاتق سفير المغرب بالمملكة العربية السعودية الذي يفترض انه اشرف على كل التحضيرات لهذه الزيارة ولفت إنتباه المنظمين لهذا السهو الذي يمس صورة بلادنا.
إن الطقوس مهما إتفقنا حولها أو إختلفنا، فإن تمثيل المغرب يفرضها، لأن الشخص هنا لا يمثل نفسه بل يمثل نظاما باكمله بثقافته ورمزيته ومكانته،
لذلك يبدو اننا نحتاج مع كل حكومة منتخبة ان يخضع اعضائها لتكوين في البروتوكول المغربي العريق عراقة الأمة المغربية.
فهل تعتبرون؟