اسرار بريس….ذ/الحسين بكار السباعي
الحملة الاعلامية المغرضة والعدوانية التي حيكت بتخطيط من جهات دولية سخرت منظمات مأجورة ضد المغرب ومؤسساته والتي دفعت المملكة إلى سلوك طريق القضاء الفرنسي والألماني والإسباني ، غالبا ما يكون سلاح العقلاء لتحليل أسبابها والهدف منها ، هو طرح سؤال جوهري حول سياق هذه الأزمة ؟ ومن المستفيد منها ؟ و من في صالحه خلق التوتر وتعميقه؟ و من الرابح ومن الخاسر من هذه الدعاية؟ ومن المتضرر من كل هذا وذاك؟
إن قطع نصف المسافة نحو الحقيقة يقتضي ابتداءا التفكير في هذه الأسئلة والعمل على الإجابة عنها، عوض الاصطفاف بخفة كبيرة مع هذا الطرف أو ذاك، وتوزيع صكوك الاتهام والبراءة بحسن نية أو بسوءها، ففي المحصلة كلاهما سيان، يخلقان وعيا مزيفا للواقع الذي بطبعه لا يرتفع.
فلا ريب أن ما يتعرض له المغرب بمثابة حرب شرسة مسيسة ففي العدوان الإعلامي لغة الحرب، غير أن تتبع منسوب الدعاية الرخيصة انتقل بسرعة قصوى من الحديث عن المغرب كدولة إلى استهداف مؤسسات ورموز بعينها، وكأن الهدف هو توجيه فوهة المدفع إلى المؤسسات الأمنية لتصفية الحساب مع قياداتها، عقابا لهم على كفاءتهم وإدارتهم بنجاح لقضايا أمنية ذات حساسية بالغة على المستويين الوطني و الدولي.
“ فكما علمنا وتعلمنا فلا ترشق الا الشجرة المثمرة “و ذلك يعكس بحق ما تتعرض له المؤسسات الأمنية الوطنية من حملات مسعورة في الآونة الأخيرة، من أطراف تفرقت دمائهم بين الداخل والخارج، وتعددت أدوارهم من محرك دمى إلى كراكيز ترقص استجابة لإشارات خلف الستار أو لتسميه مربع العمليات.
هناك سياسة ينهجها المغرب خلال السنوات الأخيرة هي سياسة تنويع الشركاء وعدم الارتهان لمعسكر معين أو قوة إقليمية أو دولية معينة، وهذا ظهر من خلال الشراكات المتنوعة التي أبرمها المغرب مع الصين وأمريكا وروسيا والهند وتركيا ودول أوروبية وأفريقية، وهذا أزعج قوى دولية ظلت دائما تعتبر المغرب حديقتها الخلفية.
ولذلك فمثل هذه الضربات كانت شيئا منتظرا بالنظر لحجم المصالح المهددة لهذه القوى بسبب انفتاح المغرب على العالم ورفضه الانصياع لسياسة الاستعمار الجديد. وليس خافيا على أحد أن الصحافة الفرنسية بجميع توجهاتها توحدت ضد المغرب في هذه المعركة مستعملة جميع التهم، مما يكشف أن فرنسا هي أحد البلدان المتضررة من تنويع المغرب لشركائه وانخراطه في مشاريع كبرى في إفريقيا ترى فيها فرنسا تهديدا مباشرا لمصالحها، كما هو حال خط الغاز بين نيجيريا والمغرب والذي يتوقع أن يضر بمصالح فرنسا وشركاتها في الجزائر دون أن نغفل الإعلام الإسباني و عداء بعضة إعلامه إعلامييه الدائم المغرب من أمثال إنياكي كابيلوندو الصحفي رقم واحد المعروف بعدائه المستمر للمغرب ، وبيدرو كانارليس ، وكناسيو سبريرو وغيرهم …، ولا ننسى كذلك بعض الإعلام الألماني ، المدفوع طبعا من قبل من يلعبون على وثر حقوق الانسان والحريات لتحقيق مصالحهم وأطماعهم بالمنطقة المغاربية .
و ليس من الصدفة أن تمر دائما حملات الاعلام المأجور الدعائية ضد المغرب عبر المساس برموزه وبمؤسساته الأمنية، لولا أنه فعل مقصود ومدرك ومخطط له بعناية، لاستهداف هذه المؤسسات لتميزها، ولكفاءتها ولبنائها لعقائد أمنية جديدة أهمها اشتغال هذه المؤسسات في الضوء وبكل شفافية وفي إطار الضوابط القانونية والدستورية والقيود السلوكية والأخلاقية لأفرادها، ونقل هذه المؤسسات من مجرد أجهزة إلى مؤسسات مواطنة تخضع للمساءلة والمحاسبة. وبفضل سياستها التواصلية كسبت هذه الاخيرة ثقة مجتمعية كبيرة في ظل سياق متسم بأزمة وتراجع منسوب الثقة في المؤسسات، وقد يكون أكثر ما أغاض الحساد أن أداءها أضحى موضوعا للنقاش العمومي المفتوح بفعل تكسير كل القيود القانونية والنفسية الحائلة دون ذلك فيما مضى.
فمنطق العاجز لا يفهم منجزات الآخرين إلا بأسلوب الخوارق ووجود شيء ما غير طبيعي في المعادلة، بمعنى أن كفاءة المؤسسات الأمنية لا يمكن تفسيرها إلا بوجود برمجيات في الخفاء تترصد حركات وسكنات الإنس والجان.
ولا غرابة أن استعملت في هذه الحملة الدعائية ضد المغرب ، كل مفاهيم وقواميس الوصاية والاستعلاء والعنصرية المقيتة والعدوانية البغيضة وكل ما هو سيء في الأدب الكلونيالي، مرة لكونه بلد مسلم ومرة أخرى لكونه دولة إفريقية وثالثة لكونه ليس من زمرة نادي القوى الكبرى….
في حقيقة الأمر لا يضرهم كل هذا، كل ما يؤديهم هو أن تقرر في لحظة استكمال استقلالية قرارك السياسي والاقتصادي، أكثر ما يؤلمهم هو أن تخرج عن دائرة الخضوع المرسومة لك سلفا ، بلغة أوضح هو أن ترتب أولوياتك وتستجمع أنفاسك وقواك لتعلن عن استقلال جديد قوامه بناء علاقات ندية، مهما كان الوزن الاقتصادي والعسكري للطرف الآخر.
ليس مفاجئا أن يتعرض المغرب بل الوطن لحملات المضايقات والتحرشات، ليس سهلا أن تخرج من جلباب القوى التي سكنها الماضي الاستعماري، ليس مستساغا أن تطالب قوى الاستعلاء بالوضوح بخصوص قضيتك الوطنية وتدعوهم للخروج من منطقة المواقف الرمادية والملتبسة، ليس أبدا مقبولا من طرفهم أن تنوع شركائك الاقتصاديين وأن تنهج خيار الواقعية السياسية في سلوكك على المستوى الدولي، ليس واردا في حسبانهم بالمطلق أن تقوى دولة في شمال إفريقيا على اعتراض أكبر عمل لصوصي يحاك ضد ليبيا والليبيين وعلى حساب أمنهم واستقرارهم ووحدة أراضيهم من الناحية الجغرافية والسياسية، وتعتبر من طرف الليبيين ومن مختلف تعبيراتهم السياسية كطرف محايد، حيادا فعالا، وتكشف بذلك حقيقة محادثات، بل صفقات، برلين وما شابهها.
فتعقب مسار السلوكات المتبادلة بين المغرب وبعض الدول الأوروبية، التي لا تزال تحن إلى العهود الكلونيالية، يؤكد أن هذه الحملة البئيسة هي نقطة في مسار سبقتها مناورات فاشلة وأكيد ستليها خطوات بهلوانية وكاريكاتورية، مستثمرين ما يدور في فلكهم من مدرعات إعلامية ومدفعيات حقوقية. لهذا، فالعدة واجب أن تجهز للمستقبل، لاستباق هذه المناورات، فالعلاقة الاطرادية بين توتر العلاقات مع بعض الدول وتصاعد خطاب الإدانة تجاه المغرب من زاوية حقوق الإنسان صار قانونا تجريبيا.
إننا نشعر دوما بحساسية مفرطة من خطاب المؤامرة ، ولكن في وضعية الحملة المغرضة التي تمر منها البلاد ، لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها بشيء غير أنها مؤامرة قدرة ، وأكبر مقتا من الحرب ، لأن الحرب تدار بشرف لا بالضرب من الخلف .
هي ببساطة حملة منسقة ومدروسة بعناية ، بيد انها تمت بإخراج رديئ ، فالبؤساء لسوء حظهم تركوا ورائهم آثار الجريمة . كيف لهم أن تحققوا من تعرض هواتف مسؤولين كبار للاختراق، من أين لهم بأرقامهم؟ وكيف أخضعوا هواتفهم للفحص؟
أمام قلة حيلتهم تساءل بعضهم “ما دليل المغرب على أنه ليس وراء برنامج بيغاسوس؟ جوابا عن السؤال: على أمنيستي وفرانس 24 وميديا بارت ومن يدور في فلكهم أن يثبتوا أنهم ليسوا حطب جهنم حملة دعائية مغرضة ضد المغرب؟، ولكن قبل الجواب، فالقاعدة تقول البينة على من ادعى . ولندفع بخيالنا إلى منتهاه، مادام ان القصة وما فيها من نسج الخيال ، ما ضماناتنا أن تتوقف التساؤلات في هذه الحدود وألا تمتد إلى أشياء أخرى، وتطلقوا الحبل على الجرار وتطالبوا المغرب يوما بإثبات أنه ليس وراء تفشي فيروس كورونا؟ أو يثبت أنه ليس مسؤولا عن التغيرات المناخية وثقب الأوزون؟
أيام قليلة كانت كافية لتهافت سردية بئيسة بسناريو محبوك بخفة كبيرة، ليواصل المغرب كما كان مسعاه دون الالتفات إلى شطحات المهرجين.
لكن كم يلزمهم من وقت لمحو ندوب فضيحة استهداف دولة لا لشيء إلا لأنها تواصل بتؤدة مسارها التنموي وحريصة على حماية استقلالية وسيادية قراراتها؟
يقول المثل الإنجليزي “لا تصارع خنزيرا في الوحل فتتسخ أنت ويستمتع هو”، ففي القاع ازدحام كبير .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان