اسرار بريس ..
بقلم سدي علي ماءالعينين ،أكادير ،ماي2021.
في كل ثقافات العالم لا توجد وطنية مشروطة، فالوطن عزيز ولو جار وتعسف وجاحد،
الوطنية هي ذلك الجندي الذي يمشي وسط أشلاء رفاقه في ساحة المعركة وهو متشبت بعلم بلاده ان لا يسقط، وكأن متر قماش ملون أغلى من أرواح الموتى من الجنود، لكن هذه هي الحقيقة وهذا هو عز الإنتماء، ومن يعتبر راية وطنه مجرد قماش ليس جديرا بالعيش تحته،
لكن لماذا في المغرب الناس لا يعطون الإنطباع انهم وطنيون؟
ولماذا لا يرى بعضهم في وطنهم غير السلبيات، وتمتلكهم الحماسة كلما تعلق الأمر بنقد أوضاعهم؟
المغرب لا يقدره إلا من عاش الغربة، و النفاق الإجتماعي الذي تعكسه مظاهر الغنى عند الجالية المغربية في كل صيف، هي سحابة عابرة تدفع الحالمين بالهجرة إلى الإنبهار بها.
و مغربنا بكل نواقصه يملك من فرص العيش الكريم ما لا تملكه العديد من دول الجوار،
و لا ادل على ذلك قيمة عملته، و حجم شركاته ،لكن في المستوى الأول جانبه الأمني الذي ينعم به بفضل تماسك مكوناته في ظل ملكية متجذرة ومذهب مالكي يقطع الطريق على الشقاق الديني.
كما أن التكافل الإجتماعي بين مكونات المجتمع تعطي لمفهوم العشرة و الإنتماء طابعا خاصا لا تجده في العديد من الدول.
لكن رغم كل ذلك لا زالت الدولة تبارح مكانها في معالجة ملفات حارقة تأرق المواطن، ويمكن إجمالها في التعليم والصحة والعدل و الأمن (الجريمة) ،
وهذه القطاعات مجتمعة هي ركائز المواطنة والعيش الكريم، ومن لا يعيش كريما في وطنه لا يستطيع احد ان يطلب منه أن يكون وطنيا في سلوكه،
وكل من يتقول بأن المغرب منهمك في معالجة هذه القطاعات ،فعليه ان يعلم أن من ولد عشية إعتلاء الملك الحكم قد تجاوز عمره العشرين، وطيلة هذا العمر عاش المغرب فراغا قاتلا في مجال التأطير رغم الترسانة القانونية ورغم الخطب الملكية، فقد تراجع العمل السياسي، و النقابي و الجمعوي ، وتعثرت مشاريع الدولة في المخيمات و الأنشطة المدرسية، و الجمعيات الوطنية،
كل ما كان يعبر عن الشعب توارى إلى ما لا رجهة، فتوقفت الفرق المسرحية عن العمل، و غرق قطاع السينما في القصص العاطفية، و الإنتاج التلفزي في الرداءة ، وانكمشت الفرق الموسيقية، و لبس الغناء الفردي لباس التفاهة…
مات اتحاد كتاب المغرب، وماتت معه مبادرات الإحتفاء بالمبدعين، وقتلت الفلسفة وعلم الإجتماع وتحولت الجامعة إلى فضاء للإقتتال العرقي و تراجعت جودة البحث العلمي رغم تعدد الشعب و المسارات،
الشعب الذي اصيب بصدمة التكنولوجيا ،إنزوى في جلباب المحافظين حماية لنفسه، أو كردة فعل على اعتقاد خاطئ ان هويته في خطر.
كل هذا وغيره كثير يبرز حجم الهشاشة الفكرية والقيمية التي يتخبط فيها الشباب الذي يشكل نسبة كبيرة في المجتمع.
وهذه الهشاشة لا يمكن إلا أن تفرز جيلا من الضباع، مسكونين بهوس المغادرة ،و منساقين وراء الدعوات الهدامة ،و يكون الوطن بذلك يربي شعبه على معاداته وهدمه و تبخيس مساره.
عمل جبار بدل خلال العشرين سنة الماضية على مستوى البنية التحتية والمشاريع الكبرى و الخطط الإستراتيجية، وهذا وغيره كثير لا ينكره الا جاهد، لكن العنصر البشري و عدالته الإجتماعية و حقوقه في فرص الشغل والسكن و التطبيب والتعليم كلها ينخرها الفساد،
فنفس الوجوه هي التي تحكم، ونفس الأصوات هي التي تهيمن على المجال السمعي البصري، ونفس الإدارة بلا روح، ونفس السلوكات بلا وازع بسبب انتشار الإفلات من العقاب، و التسامح مع جشع فئات إجتماعية تراكم الثروات و تحاصر الإقتصاد الوطني…
إن السكين في يد مواطن لا يجد أكلا يقطعه به يحوله إلى سلاح ضد الآخرين، و إن دراجة نارية لا تقود صاحبها إلى مقر العمل ،مؤكد ستقوده إلى الشوارع للسطو على ممتلكات الغير.
من أجل ذلك كله، فإن الوطنية في الإستثناء المغربي مشروطة بالمواطنة ،و الولاء للوطن مشروط بالعيش الكريم فيه،
غير ذلك فلا خير في أرض أهلها لا يحسون فيها بآدميتهم.
وهذه القساوة التي يعاملون بها وطنهم هي غضب عابر، وردة فعل وليست سلوكا متجذرا فيهم.
لكن كلما تأخرت الحلول كلما أصبحنا أمام جيل غير وطني
فهل تعتبرون ؟