اسرار بريس…بقلم محمد سرتي
أساراك لفظة أمازيغية تعني الساحة، ويُقصد بها أيضا فناء المنزل المعروف عند أهل تارودانت بـــ (لْمْراح).
وأساراك أوراغ أو الساحة الصفراء ساحة شهيرة تقع في قلب تارودانت وفي مركزها حيث تلتقي عندها كافة الطرق والمسالك المؤدية إلى أبواب المدينة وأطرافها في جهاتها الأربع، يحدها شرقا المدخل الغربي للسوق الكبير وطريق الحدادين، وغربا طريق باب تارغنت، وجنوبا مدخل درب أقا ودرب الحشيش، وشمالا مدخل درب كسيمة، وصفها العلامة محمد المختار السوسي في رحلته الرابعة خلال جزولة سنة 1945م أنها مُنتزه أهل تارودانت ومُلتقاهم في العشايا.
إن ما تجود به الرواية الشفوية اليوم، وما تحويه وثائق وسجلات المدينة وفي مقدمتها حوالتها الحبسية، لازال شاهدا على الدور التاريخي والريادي لهذه الساحة كمركز إشعاعي لعب أدوارا حاسمة في تاريخ تارودانت، لا تقل أهمية عن الأدوار التي لعبتها ساحات مماثلة على الصعيد الوطني.
فهي تختزن وتختزل صفحات من التاريخ السياسي والصوفي والاجتماعي والاقتصادي والفني للمدينة منذ أن جددها محمد الشيخ السعدي، وإلى عهد قريب حيث كانت مُجمعا للزوايا الصوفية والأنشطة الاقتصادية وركنا ركينا للاحتفالات والاستقبالات الرسمية.
ففي براحها كانت تتجمع الجيوش السعدية قبل أن تنطلق عبر باب تارغنت المسمى آنذاك باب الجهاد لتحرير أكادير إغير من قبضة البرتغاليين خلال الأربعينيات من القرن السادس عشر الميلادي.
وفي حائطها الشرقي عُلق رأس الباشا أحمد بن علي الكابا صبيحة عيد الفطر لسنة 1330ه،ـ بعد أن قُتل وفُصل رأسه في طريق رجوعه إلى تارودانت، لما تنكر للشيخ الهيبة بعد هزيمة معركة سيدي بو عثمان.
وكان الفرنسيون في عهد الاستعمار يستغلون (أساراك) لإقامة حفلاتهم وأعيادهم الرسمية، نذكر من ذلك رسالة مؤرخة بتاريخ 9 نونبر 1933م للقبطان مارسي القائم على مكتب أمور أهلية مدينة تارودانت ونواحيها يدعو فيها ناظر المدينة لحضور حفلة ببطحة أساراك بمناسبة عيد ذكرى الهدنة يوم 11 نونبر 1933م من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة، ويُذكره بالحفلة التي أقيمت بالساحة يوم عيد الجمهورية.
وتجدر الإشارة أن أساراك كانت مسرحا لعملية مسلحة ضد الاستعمار خطط لها المجاهد مولاي حفيظ الواتر عُرفت بـ (قنبلة فندق تارودانت) حيث ألقى مولاي إدريس الراجي قنبلة هناك يوم 17 نونبر 1954م ولكنها لم تنفجر !!
يقول الأستاذ الباحث نور الدين الصادق في كتابه صفحات من تاريخ الحركة الوطنية بتارودانت : (خلفت قنبلة فندق تارودانت، بالرغم من عدم انفجارها هلعا كبيرا في الأوساط الاستعمارية بالمدينة بل وبإقليم أكادير، ككل وذلك لأسباب عديدة منها طبيعة المكان الذي اختير لها والذي عادة ما يعج بالضباط وكبار الموظفين الفرنسيين)
وبقيت أساراك إلى وقت قريب بعد الاستقلال ساحة تستقطب حفلات عيد العرش وتستعرض أنواعا من الفرجة يؤثثها الموسيقيون الشعبيون ومروضو الأفاعي والحكواتيون وأولاد سيدي احماد وموسى وغيرهم.
غير أن الساحة اليوم تراجعت بعد أن طُمست تعبيراتها الثقافية والعمرانية، وضاعت معالمها بعد التشويه الذي لحقها، مما يعكس حالة الفقر الوجداني والارتباك الفكري الذي نعاني منه اتجاه ذاكرة الزمان والمكان، ويكرس العلاقة المنسية بين العمارة والثقافة التي يفترض أن يعطى لها السبق في إقرار وترسيخ هوية عمرانية تليق بمكانة تارودانت التاريخية.
أسراك اليوم .. تحتاج إلى التفاتة واعية وإرادة جازمة للفعل تتناغم مع نسق الغايات الذي ننشده لحاضرة سوس، ولساحة ظلمها أهلها جهلا منهم بقيمتها وقامتها وكنوزها الدفينة التي أغنت ديوان المدينة وأثرت مشهدها الحضاري.