اسرار بريس:
تقاس عقول البشر بالنقاش،وتقاس المحبة بالمواقف،والصمت أفضل من النقاش مع شخص تدرك مسبقا أنه سيتخذ من الإختلاف معك حربا،لا محاولة فهم،والغرض من النقاش أو الجدال لا يجب أن يكون هدفه الفوز،بل تقاسم الأفكار لبلوغ الهدف.
وهناك نقاط تشابه واختلاف بين الجدل والحوار،فقد يلتقيان في كونهما حديث أو مناقشة بين طرفين،لكنهما يفترقان بعد ذلك…لماذا؟لأن الجدل مؤشر للشروع في الخصومة،وما شابه ذلك،وهو وليد العناد والتمسك بالرأي والتعصب له.أما الحوار والمحاورة فهي مراجعة الكلام والحديث بين طرفين،دون أن يكون بينهما ما يدل على الخصومة،لذلك فالحوار يستوجب آدابا يجب احترامها،فكن مستمتعا بالحديث،ولا تقاطع،وابدأ بنقاط الإتفاق،وحاول فهم من تجالس، ولا تتسرع،وكن معترفا بالخطإ، واحترم الطرف الآخر،واغضض من صوتك،وهذه نقطة مهمة،لتفرق بين الجدل والنقاش والحوار،وبهذا تكسب القلوب،وتتجنب العيوب.
أما المناقشة فهي أنواع:
-مناقشة تلقينية، وهي التي تتضمن السؤال والجواب بطريقة توصل المتحاورين إلى نتيجة معينة.
-مناقشة جدلية،وهي التي تعتمد على أسئلة تقودنا إلى الحلول الصحيحة،وإثارة حب المعرفة.
-مناقشة جماعية حرة،وتدور بين المشاركين حول موضوع يهمهم جميعا.
كل هذه المناقشات تكون لتشجيع المتحاورين،وتنمية أفكارهم،إلا أن هذه المناقشات تخضع لشروط إلزامية لتعطي أكلها،وتتلخص فيما يلي: -أن تكون ذات هدف محدد ومختصر.
-أن تكون الأسئلة مرتبة ترتيبا منطقيا،حتى تساعد على الإجابة الصحيحة.
-أن تكون الأسئلة مناسبة للهدف المراد تحقيقه.
إلا أن هناك من يمزج بين المناقشة والنقاش،فالمناقشة هي ما سبق ذكره،والتي لها أسسها،وقواعدها التي تنبني عليها،سواء في المدارس،أو الجامعات،أوفضاءات أخرى مماثلة.
أما النقاش فقد يتحول جدلا،بحيث أنه يبدأ الموضوع بنقاش،يكون بسبب اختلاف وجهات النظر مع تقبل الطرف الآخر بوجهته النظرية،وذلك بغية الوصول للرأي الصحيح،أما الجدال فهو محاولة لإثبات رأي واحد،دون التفكير أو الإهتمام بوجهة نظر الطرف الآخر.
والقرآن الكريم صرح بأن الإنسان بطبعه مجادل بالرغم من وجود الحجج،والبراهين،والآيات الساطعة،والأمثلة المتعددة،فقال تعالى في هذا الصدد:”ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا”
والجدال نوعان:المحمود،والمذموم، فالمحمود هو ما يظهر الحق والدلالة عليه،والدعوة له.أماالنوع الثاني وهو الجدال المذموم الذي يهدف إلى طمس الحق.
وكثيرا ما تحدث نقاشات داخل الأوساط الأسرية،يترتب عنها نزاعات ومشاحنات شادة، خصوصا حينما يكون النقاش بالأصوات العالية.فالصوت العالي ليس دليلا على القوة والسيطرة على الطرف الآخر -كما يعتقد البعض-لكنه عكس ذلك تماما،إنه دليل على عدم الثقة بالنفس،وضعف الحجة والبرهان،بخلاف الصوت المنخفض الذي يدل على القوة،والصدق،والثبات. فالكثير من الأشخاص يسيطر عليهم التوثر الذي يجعلهم يتصرفون بطريقة خارجة عن إرادتهم أثناء الغضب،مما يدفعهم لرفع أصواتهم،والتفوه ببعض الكلمات الجارحة التي قد لا تلتئم،كما قالها الشاعر:
جراحات السنان لها التئام،
ولا يلتام ما جرح اللسان.
إن العبارات اللادغة أثناء الغصب على الخصوص،تزيد المشاكل تفاقما بدلا من حلها.فضبط النفس ليس أمرا هينا أثناء الجدال،لكن لا بد من استحضار رغبة التحكم في نبرة الصوت،فما استقام قوم،أو مجتمع،أو أسرة برفع الأصوات،أو الجدال الحاد.