سلايدمجتمع

دام لكم التقاعد النسبي و الغير النسبي بألف خير يا اساتذة المغرب

 

اسرار بريس: 

شيوخ التعليم…

و أنا في مدينةمراكش،التقيت مجموعة من السياح الألمان في رحلة ترفيهية  بالمغرب،رجالا و نساءا تجاوزوا السبعين من عمرهم،في كامل لياقتهم،و أناقتهم،و جمالهم طبعا..ملابس تحمل توقيعات عالمية،بعضهم يدخن،ملامحهم و سحناتهم لا توحي على أنهم يدخنون “ماركيز” أو “كازا”،بشوشين لدرجة كبيرة،يبتسمون في وجه الجميع،ما يزالون متشبتين بالحياة و جمالها،يستغلون كل لحظة جميلة،يعلمون أن الحياة تعاش لمرة واحدة..

اعتقدت لوهلة أنهم من كبار الموظفين بألمانيا،أو أنهم رجال و نساء أعمال،نظرا لهيئتهم الأنيقة “جدا”،صديقي الذي كنت جالسا معه بالبازار،بدأ في الحديث معهم بلكنة ألمانية ركيكة،سرعان ما استدرك أحدهم الأمر و سأل صديقي:هل تتحدث الانجليزية؟أجاب بالإيجاب…و لكوني فضولي بعض الشيء،قلت في نفسي لا بأس في أن أستدرج أحدهم لمعرفة طينة هؤلاء العجزة،و سر ذلك التفاؤل العجيب و الطلعة “البهية” لقوم في أرذل العمر!،فبينما كان صديقي يستعرض سلعه،رمقت أحدهم،سألته إن كان يتحدث الإنجليزية،فأجاب نعم،سألني عن ثمن سلعة معروضة،قلت له إنني فقط أجالس صديقي صاحب المحل،و لكي يطمئن قلبه،قلت له إنني مدرس و أنا بمراكش لتمضية العطلة،مد يده يصافحني قائلا :أنا أيضا كنت مدرسا..!!

تبادلنا الحديث،المجموعة التي برفقته كلهم مدرسون متقاعدون،منهم من قضى سنوات في مناطق نائية لتدريس الأطفال،أكد لي أن أول “هم” لأي مستشار ألماني هو التعليم،إنه -كما قال-الطبقة الأولى في أي مبنى سكني،لا بد من “أساس” متين،استفسرته عن سر البذخ الذي يعيش فيه المدرس الألماني المتقاعد،هو أن الدولة ملزمة برد الجميل لهم مدى الحياة،من تطبيب و استشفاء و رفاهية،إنهم هم من يصنع الدولة و هم من يعد الأطر التي ستتحمل المسؤولية لتبقى بلادهم في مصاف الدول المتقدمة..

سألني إن كانت نفس الحقوق في بلادنا،كنت سأطلب منه سيجارة (بكثرة الغدايد) و لكنني تذكرت أنني أقلعت عن التدخين،لم أرغب في أن أحكي له عن معاناة العاملين في القطاع،فمدى بك المتقاعدين،خشيت أن أبدأ في السرد و الشكوى(الشكوى لله)،فيسقط مغشيا عليه و ربما يصاب بأزمة قاتلة،و تبدأ التحقيقات من هنا و من هناك، و قد أتسبب في توتر العلاقات بين المغرب و الاتحاد الأوروبي! اكتفيت بالقول،إن المتقاعدين عندنا تخصص لهم الحكومة أماكن في كل حي للعب الضامة و الروندا،في انتظار ليلة “الخرجة” الأخيرة لأقرب مقبرة،المتقاعدون عندنا لا يحملون في أيديهم آلات تصوير رقمية،إنهم يحملون أكياس الأدوية بداخلها إبر “الأنسولين”بسبب الضغط، و “رابوز” الضيقةبسبب الطباشير و جدران القاعات المشبعة بمادة “لاميونط” السامة،المتقاعدون عندنا،المكان الوحيد الذي يسافرون إليه هي تلك المدن التي بها مستشفيات كبيرة للعلاج،أو من أجل الفحص بأجهزة غير متوفرة بمدنهم أو قراهم،المتقاعدون عندنا لا يذهبون إلى البازارت،و إنما يذهبون عند “العطارة” لاستكمال وصفات طبية عجزوا عن شرائها من الصيدليات…

ألمانيا التي خربتها الحرب،استفاقت من جديد كطائر “الفينيكس”،استفاقت بفضل التعليم و بفضل رد الجميل للمعلم،يساندونه و يبجلونه لآخر رمق،كما قال لي ذلك الألماني..

“يا ألمانيا..إيش ليبيديش”.و من لا يعرف اللغة الألمانية،فمعناها:يا ألمانيا..أحبك!!

و حتى “ثرثرة” أخرى،دام لكم التقاعد النسبي و الغير النسبي بألف خير،و حتى…جرمانيا..

بقلم:السعيد التباع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى