اسرار بريس=ذ/احمد الحدري
ونحن على أبواب الاحتفال باليوم العالمي للمرأة 08 مارس، يسجل أكثر من مرصد على أن أوضاع النساء والفتيات بإقليم تارودانت ماتزال سيئة وبئيسة.
اليوم السبت 06مارس 2021 و اثناء عودتي من العمل، هالني منظر بشع بكل ما تحتويه كلمة بشع من معنى ، فما ان وصلت ساحة اسراݣ الشهيرة بمدينة تارودانت حتى استوقفني أحد أبناء المدينة ممن خبروا ساحاتها ومحطاتها بكل احداثها وتفاصيل قصصها اليومية المؤلمة التي تشكل الهاربات والهاربين من كنف أسرهم وقودها الرئيسي.
طلب مني الشاب بكل رجاء الاتصال بإدارة الأمن (الكوميسارية) أو باحدى الجمعيات المهتمة بالأطفال في وضعية صعبة أو النساء ضحايا العنف، لإغاثة فتاة قاصر قدمت للمدينة من إقليم آسفي في ظروف غير معروفة وصلت ساحة أسراݣ بمدينة تارودانت وهي محاطة بكثرة من الذئاب البشرية الذين يحاولون أخذها بالقوة،لولا حمايتها من لدن أحد النساء اللواتي اتخذن من الساحة مكانا للتجارة التي تبيع بها بعض المأكولات حيث قامت بالدود عنها وبجانبها الشاب الذي استوقفني وبعض زملائه ضد جماعة الذئاب البشرية التي التفت حولها.
كان أول شخص تبادر إلى ذهني يمكن الاتصال به في مثل هذه الظروف هو الأستاذة زينب الخياطي المحامية بهيئة تارودانت ،وهي في نفس الوقت من المحامين والمحاميات القلائل المشتغلين بقضايا حقوق الطفولة والنساء ضحايا العنف بإقليم تارودانت . رن الهاتف فأجابت رغم ان يوم السبت هو يوم عطلة ،اخبرتها بالقصة التي حكاها لي الشاب المذكور بخصوص الفتاة ،فاتصلت بدورها بجمعية” أهلي “احدى الجمعيات المهتمة بشؤون القاصرين ،غير أن مسؤولي الجمعية تبين أنهم في مهمة خارج المدينة ،ثم اتصلت بجمعية أمان المهتمة بالأطفال المهملين واخبرتهم بالقصة ،ولأن هذه الحالة لا تدخل في اختصاصهم، فقد اتصلوا بجمعية أهلي بدورهم ،بعد ذلك ربطت الإتصال بإدارة الأمن ،وبعد حوالي (20) عشرين دقيقة وصل المرشد الاجتماعي لجمعية أمان ،وبعده ب (30 د) أي بنصف ساعة تقريبا وصل رجال الأمن لعين المكان .حيث استلموا الفتاة التي كانت جالسة بجانب بائعة الشاي و المأكولات بساحة أسراݣ ؛ أخذوا معلوماتها واصطحبوها معهم رفقة أحد الأشخاص كان قد اودعها ليلة البارحة لذا أحد أفراد عائلته بالمدينة حتى الصباح ،حيث بقي في نفس المكان ينتظر من سيتكفل بها حتى لا تسقط في شبكة المتاجرين بلحوم النساء ، وانصرفوا بها باتجاه إدارة الامن لاجراء المسطرة القانونية تحت إشراف النيابة العامة .
هذه العملية استغرقت من الزمن مابين اتصالي الأول بالاستاذ المحامية ومجيء رجال الأمن حوالي 50 دقيقة .
فترة انتظار وصول رجال الأمن و أفراد الجمعيات المهتمة بشؤون الطفولة بالمدينة كانت كافية لتتعرض الفتاة المسكينة لما لا تحمد عقباه من طرف جحافل الذئاب البشرية التي تملأ معظم جنبات ساحة أسراݣ ؛ ذئاب اعتادت على مثل هذه الأفعال بالقاصرين والقاصرات،وتتخذ من ساحة أسراݣ يوميا مكانا لممارسة التحرش بالنساء والفتيات دون حسيب أو رقيب .
إن ما يمكن استنتاجه من حادثة اليوم التي صادفتها وفي واضحة النهار ،قد طرح لدي الكثير من الأسئلة.
ترى لو ان هذه الفتاة قد وجدت ليلا بهذه الساحة فماذا كان سيكون مصيرها ..؟
لقد كان مصير العديد من النساء المشردات او الفتيات الهاربات قبلها هو الاغتصاب والحمل المتكرر والانجاب ،وهذا أمر معلوم لدى المسؤولين والمنتخبين مع الأسف بمدينة تارودانت .
إن التصرف الذي أبدته مجموعة من أشباه الرجال والشباب الذين لا يمكن وصفهم الا بالحيوانات أو الذئاب البشرية الخالية من اي إنسانية فبالأحرى الوازع الديني ،ليؤكد أن هناك خلل كبير قد أصاب منظومتنا الأخلاقية والدينية والقانونية والأسرية . فعلى المستوى الأسري اتضح ان كثيرا من الأسر لم تعد تمد الشارع الا بحيوانات ناطقة بلا تربية ولا تأطير ،أضف الى ذلك أن المؤسسات الدينية : من مساجد وفقهاء وعلماء ووعاظ ومرشدين ومجلس علمي و التي تتحمل مسؤوليات كبيرة في ارشاد المجتمع وتأطيره وتوعيته دينيا، قد تخلت عن دورها وتراجعت الى الخلف .
من جهة أخرى فقد كشفت هذه الحادثة كذلك محدودية تدخل المجتمع المدني بتارودانت لأنه لا يتوفر أساسا على الامكانيات الضرورية للتدخل ، كما تبين من جهة أخرى أن الفاعل الحقوقي بدوره لاحول له ولا قوة .
ونأتي الى دور مؤسسات الدولة من سلطة وأمن ، فقد كشفت هذه الحادثة بطء تدخل هذه المؤسسة التي اوكلت لها الدولة مهمة حماية أمن وسلامة المواطنين، خاصة وأن هذه الساحة المتواجدة وسط المدينة و التي تتوفر على مكتب للشرطة ،اتضح اليوم انه قد أقفل منذ مدة ولم يعد له أي دور في الساحة .
إن هذه العوامل مجتمعة تقودنا الى مساءلة الفاعل السياسي والحزبي بالمدينة والاقليم ،الذي اتسمت سلوكاته على الدوام بالنفاق والغش في اقتناص أصوات الناخبين للوصول لكراسي المسؤولية وبالتالي التفرغ لتحسين اوضاعه الاجتماعية الخاصة فقط دونما اهتمام لمصالح السكان وانتظاراتهم ، ومن أهم هذه الانتظارات هو الترافع على مجموع قضايا المواطنين ،ومن أهمها اليوم العمل على احداث مؤسسات تهتم بقضايا النساء والفتيات والفتيان ضحايا العنف والاغتصاب،الى جانب تجويد خدمات الإدارة وتدخلاتها المختلفة. ولعل هذا هو أقل شيء يمكن تقديمه لنساء الاقليم بكل مدنه وقراه .
وكل 08 مارس والنساء بإقليم تارودانت يعانين من مختلف أشكال العنف والتعنيف ..فما العمل ؟